الكرملين يتحدى الغرب: هل من سبل للخروج من دوامة التصعيد؟

الكرملين يتحدى الغرب: هل من سبل للخروج من دوامة التصعيد؟

18 نوفمبر 2021
جعل لوكاشينكو من بيلاروسيا محطة عبور للمهاجرين إلى أوروبا (Getty)
+ الخط -

جاءت التحذيرات من غزو روسي لأوكرانيا، كما الابتزاز البيلاروسي لدول الاتحاد الأوروبي بالمهاجرين، لتطرح العديد من التساؤلات على المستوى الأوروبي عمّا إذا كان الكرملين يتحدى الدول الغربية، ولماذا يمارس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مثل هذه اللعبة الخطرة في توقيت حساس مع تشعب الأزمات في المنطقة والعالم. توازياً، برزت الانتقادات للمستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وسعيهما للحوار مع موسكو ومينسك. 

وفي هذا الإطار، أشارت شبكة "إيه آر دي" الإخبارية إلى أن هناك خشية لدى العديد من دول شرق أوروبا في الاتحاد الأوروبي من نفوذ روسيا في النزاع مع بيلاروسيا، وإعادة الشرعية لنظام الديكتاتور ألكسندر لوكاشينكو. وكان واضحاً السخط البولندي ضد ميركل وماكرون، اللذين تواصلا مع بوتين ولوكاشينكو، وحيث تعتبر وارسو أن بوتين جزء من المشكلة، وليس الحل، لا سيما أن القوات الخاصة الروسية موجودة على بعد بضعة كيلومترات فقط من الحدود مع ليتوانيا، حتى أن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ حذّر من أعمال عسكرية مقلقة على الحدود، بعدما نقل الجانب الروسي عدداً كبيراً من قواته إلى الحدود الأوكرانية، وهو ما رأت فيه كييف، التي تسعى للانضمام إلى عضوية حلف الأطلسي، أن حرب بوتين المختلطة تتجاوز مناورة قواته العسكرية، وتنسحب أيضاً على سياسة الغاز واستغلال المهاجرين.

برزت الانتقادات للمستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وسعيهما للحوار مع موسكو ومينسك

وتعليقاً على الوضع المتأزم على الحدود، اعتبر الخبير الأمني يوهانس فارفيك أن استعراض روسيا قوتها العسكرية يهدف إلى تحدي الغرب واختبار وحدته السياسية، ولصرف الانتباه عن المشاكل السياسية الداخلية، موضحاً أن السياسة الخارجية تعني دائماً الرؤية بعيون الآخرين. ومن وجهة نظر موسكو، بحسب فارفيك، فإن مصالحها الأمنية ستتعرض للتهديد إذا ما شكلت دولة مهمة مثل أوكرانيا، تعتبر أساسية في هيكل الأمن الأوروبي، جزءاً من المعسكر الغربي، ومبرزاً أن كييف هي عامل لاستقرار القارة، ولا يجب أن تترك وحدها. أما بخصوص بيلاروسيا، فإن تغيير النظام فيها سيكون كابوساً لموسكو، برأيه. 

ووفقاً لهذه المصالح، رأى فارفيك أن على الغرب أن يجد مخرجاً لدوامة التصعيد، ومن الواضح أن تواصل أبرز زعيمين أوروبيين مع زعيم الكرملين والديكتاتور البيلاروسي هو أحد المؤشرات، مشيراً إلى أن مكالمة ميركل مع لوكاشينكو خطوة صحيحة في الأزمة البيلاروسية، وأنه لا يمكن للغرب أن ينجح إلا إذا قام بمحاولات مع موسكو مرة أخرى، حتى ولو كانت التنازلات صعبة وضرورية. وعلى سبيل المثال، وفي ما خص شبه جزيرة القرم، قال فارفيك: "علينا استخدام بوصلة سياسية حقيقية، دون خيانة أوكرانيا، للسعي إلى توازن المصالح مع موسكو"، من دون أن يغفل الإشارة إلى أن العملية الدبلوماسية ستكون مؤلمة، لكنها أفضل من البقاء في أزمة دائمة، لافتاً إلى أن الغرب لن يرسل قواته إلى أوكرانيا في حال حصول الغزو العسكري. 

وربطاً بما تقدم، قال الباحث السياسي البروفسور في جامعة البوندسفير في ميونخ كارلو ماسالا، في مقابلة مع موقع شبكة "أن تي في"، إن ما يحصل من تصعيد يعد محاولة إرباك روسية للاتحاد الأوروبي ولتحقيق المزيد من الانقسام بين دوله، وقد تحقق، برأيه، بعض النجاح في هذا الأمر، وهذا ما ظهر من خلال التعاطي الأوروبي والمطالب المتناقضة لدول الاتحاد الأوروبي. ورأى أن البعض لا يريد الاستسلام بوجه لوكاشينكو الذي نفذ ما هدّد به بعدما فرضت عليه العقوبات، وجعل من بلاده محطة عبور للمهاجرين إلى أوروبا بعدما استدرجهم عمداً إلى بلاده بتأشيرات سياحية، قبل أن يدفع بهم إلى الحدود مع بولندا. وأعرب ماسالا عن اعتقاده بأن كل ما يحدث على الحدود بين البلدين يحظى بدعم موسكو، فيما البعض الآخر يريد أن يبقى صارماً، وفي الوقت نفسه قبول المهاجرين بعد مشاهد العنف على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، ويبقى الخوف من تقسيم المجتمع في أوروبا، بحسب رأيه. وإزاء ذلك، اعتبر ماسالا أن الطريقة التي ينوي بها الكرملين تحقيق ذلك تتمثل بخطة خرق في كل فراغ استراتيجي لإحداث مشاكل وإرهاق دول حلف الأطلسي من خلال افتعال المشاكل، لا سيما أن موسكو تعرف مكامن الضعف في المجتمعات الغربية وتتلاعب بها، و"حاليا نحن مرعوبون من عشرات الآلاف من المهاجرين".

حلف الناتو ارتكب أخطاء، فيما علاقاته مع روسيا تتدهور منذ سنوات

ولفت ماسالا إلى أنه لا يجب إنكار أن حلف الناتو ارتكب أخطاء، فيما علاقاته مع روسيا تتدهور منذ سنوات، كما أن موسكو تحاول زعزعة الاستقرار بخطوات عسكرية، بالإضافة إلى أمور أخرى تعزز مصلحتها الخاصة. وأبرز أن روسيا تحتل أراضي أجنبية، وهي طرف فاعل في الصراع السوري. وعليه، فإن المطلوب، برأيه، هو "أن نظهر لروسيا من خلال التدابير الصارمة والإجراءات المضادة أننا لن نسمح لأنفسنا بالابتزاز، ما قد يدفع روسيا إلى إظهار استعدادها للتفاوض. وعن الخيارات التي يمتلكها الغرب، قال إنه يمكن استخدام المزيد من العقوبات ضد السياسيين والعسكريين، وكذلك ضد الاقتصاد الروسي الذي سيواجه المزيد من المشاكل. عدا ذلك، من الممكن "استبعاد موسكو من نظام السويفت الذي سيؤثر حقاً عليها، لأن الشركات الروسية لن تتمكن بعدها من المشاركة في معاملات الدفع الدولية"، مشدداً على أن "الصلابة والإجراءات المضادة تتطلب وحدة داخلية ومثابرة، والغزو الروسي خيار واقعي"، على حدّ قوله.