القضاة التونسيون يخوضون معركة جديدة من أجل استقلال القضاء

القضاة التونسيون يخوضون معركة جديدة من أجل استقلال القضاء

06 يونيو 2022
إطلاق يد الرئيس في إعفاء القضاة خلق مناخاً من الترهيب والترويع (Getty)
+ الخط -

يدخل القضاة التونسيون بداية من اليوم الإثنين، في إضراب عام يشمل كل المحاكم التونسية لمدة أسبوع قابل للتجديد، وتنفيذ اعتصام مفتوح بكلّ مقرات الهياكل القضائية.

وكان المجلس الوطني الطارئ لجمعية القضاة، الذي انعقد السبت، أقر مبدأ الإضراب بإجماع كل الهياكل القضائية، جمعية القضاة ونقابة القضاة التونسيين واتحاد القضاة الإداريين وجمعية القاضيات التونسيات وجمعية القضاة الشبان.

وتمت دعوة القضاة لعدم الترشّح إلى الخطط والوظائف القضائيّة الشاغرة بموجب أمر الإعفاء كعدم تعويض الزملاء المعفيّين والقيام بالأعمال الموكولة إليهم، وكذلك عدم الترشّح إلى عضوية الهيئات الفرعية للانتخابات.

ودعا بيان المجلس، الوكلاء العامين لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الجمهورية، إلى "عدم الالتزام بالتعليمات غير القانونية الموجهة إليهم من وزيرة العدل المستندة إلى أحكام الفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائيّة، بوصفه فصلاً غير دستوري ومدخلاً للانحراف القانوني وللهيمنة على مسار التتبعات الجزائية وللتوظيف السياسي للقضاء"، ودعوا القضاة إلى "الالتفاف حول هياكلهم وممارسة سلطاتهم بكامل الاستقلالية والنزاهة والحياد دون خضوع لأي ضغوطات أو ترهيب".

ويخوض القضاة صراعاً جديداً مع سلطة الانقلاب، بعد صراع المجلس الأعلى للقضاء الذي قام الرئيس سعيد بحله وتعيين مجلس جديد بدلاً عنه، في محاولة للتصدي لـ"تدخل الرئيس في السلطة القضائية وفي الصلاحيات الموكولة لها من خلال استيلائه على صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء وإسناده لنفسه صلاحية إعفاء القضاة دون المرور بالمسارات التأديبية، في مخالفة للحد الأدنى من معايير حق الدفاع المكفول دستورياً، والمضمون بموجب المعاهدات الدولية المصادق عليها من الدولة التونسية والمكفولة بموجب القوانين الأساسية".

واعتبر القضاة أن مرسوم إعفاء 57 قاضياً، "مثّل مذبحة قضائية هدفها تصفية عدد من قضاة السلسلة الجزائية بالمحاكم الذين تمسكوا بالإجراءات القانونية السليمة وبحسن تطبيق القانون، ولم يخضعوا للضغوطات والتعليمات المباشرة لرئيس الجمهورية، والتي تستهدف مباشرة قضايا منشورة لديهم أو لتعليماته المسداة لوزيرة العدل"، بحسب البيان.

واعتبر القضاة أن "إطلاق يد رئيس الجمهورية في إعفاء القضاة وبناء على سلطته التقديرية وما توفر له من تقارير سرية مجهولة المصدر وغير معلومة بالنسبة للمعنيين بها؛ قد خلق مناخاً من الترهيب والترويع لعموم القضاة دون استثناء، وألغى كل تمظهرات استقلال السلطة القضائية وضمانات استقلال القاضي، ويحذرون الرأي العام والشعب التونسي والمنظمات الوطنية من خطورة ذلك على واقع الحقوق والحريات".

وشهد اجتماع السبت حضور أكثر من ألف قاض تونسي، الأمر الذي أكد وحدة الصف القضائي، وشهد الاجتماع حملة تضامن كبيرة من الأحزاب والمنظمات التونسية والدولية، واعتبر مراقبون أن هذا الصراع الجديد يمثل لحظة تاريخية حاسمة في معركة الدفاع عن استقلال القضاء من ناحية، ولكنه يؤشر أيضاً على مستقبل المشهد التونسي كاملاً.

وعلى هامش الاجتماع، قالت الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين، روضة القرافي، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "معركة استقلال القضاء هي معركة مفصلية، ومن لم يفهم خطورة مشاريع رئيس الجمهورية بالنسبة للقضاء بعد، الذي حصل من مذبحة في حق القضاة إثر الإعفاءات؛ فإنه لن يفهم حقيقة ما يحصل"، مشيرة إلى أن "خطاب محاربة الفساد هو مجرد غطاء، لأن محاربة الفساد الحقيقية لا تحصل إلا بالقانون وليس بضرب حق القضاة في الدفاع وفي المواجهة وضمن مسارات تأديبية شفافة".

وتابعت أن "الانحراف بالسلطة لدى رئيس الجمهورية واضح، وغايته الحقيقية هي ضرب القضاء، بتنصيب مجلس أعلى للقضاء بدل المنتخب، ومنح الرئيس نفسه حصانة واسعة، حتى أصبح هو بذاته يشكل مجلس قضاء فردي، ومنح نفسه حق عزل القضاة، وتجاوز حتى المجلس الذي نصبه، وقد تم المرور من مرحلة التشريع للاستبداد إلى ممارسة الاستبداد، حيث تم عزلهم دون بحثهم ودون سماعهم، ثم يصدر مرسوماً وضع فيه مبررات خطيرة وفضفاضة، من نوع المصلحة العليا وتعطيل سير القضاء، لأن رئيس الجمهورية يريد قضاء تحت إمرته لكي يسيره كما يريد، وأغلب القضايا ذات بعد سياسي وعلى خلفية خصومات سياسية".

ولفتت إلى أن "جل القضاة عزلوا لأنهم لم ينفذوا التعليمات ذات العلاقة بالصراع السياسي وخلافات رئيس الجمهورية مع خصومه"، مبينة أن "هذا تركيع للقضاة ومحاولة لوضع اليد بالكامل على القضاء وتوظيفه".

وأكد رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء، القاضي أحمد الرحموني، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "كان واضحاً منذ قرار إبطال القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء وحله، والانقلاب على السلطة القضائية؛ أن هناك مساعي لإبطال المنظومة الدستورية، وتحويل السلطة القضائية إلى مجرد وظيفة وربطها بإرادة رئيس الجمهورية".

وبيّن أن "ما قام به رئيس الجمهورية إجراء لم يسبق أن حصل في تاريخ تونس، وربما في العالم"، مؤكداً أن "معركة استقلال القضاء هي معركة وجود ومعركة حقوق وحريات، لأنه عندما يتم استهداف القضاء يتم استهداف بقية الحقوق والحريات في البلاد".

من جهته، أكد رئيس جمعية القضاة التونسيين، أنس الحمايدي، أن "كل الخطوات التصعيدية والنضالية تبقى ممكنة"، مبيناً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "هذه المظلمة يجب أن تنتهي في أقرب وقت بالتراجع عن القرار".

ولفت إلى أن "حجم الدعم من المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والدولية للقضاة مهم ويسهم في إرجاع الأمور لنصابها ورفع المظلمة"، مشيراً إلى أنهم "مع المحاسبة، ولكن وفق الضوابط القانونية ومبادئ المحاكمة العادلة وتمكين القضاة من حقهم في الدفاع".

وأفاد بأن "هناك قضاة تحصلوا على أحكام بعدم سماع الدعوى في بعض القضايا، ومع ذلك تم إعفاؤهم، وهذا ظلم ليس بعده ظلم، ولا يمكن لأي كان مطالبة القضاة بالصمت على هذا الظلم وعدم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتصدي لهذه القرارات".

المساهمون