القضاء الجزائري يحكم بالسجن 5 سنوات على بوعلام صنصال

27 مارس 2025
لافتة في بيزييه جنوبي فرنسا تدعو للإفراج عن بوعلام صنصال، 26 مارس 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أصدرت محكمة الدار البيضاء حكماً بالسجن خمس سنوات وغرامة ضد الكاتب بوعلام صنصال بسبب تصريحات مثيرة للجدل حول تاريخ الجزائر، ورفضه توكيل محامٍ بعد رفض تأشيرة لمحامٍ فرنسي.
- أثار الحكم أزمة سياسية بين الجزائر وفرنسا، حيث أعربت فرنسا عن أسفها ودعت لحل سريع، مما زاد من توتر العلاقات بعد تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون.
- يتوقع بعض المحللين عفوًا رئاسيًا محتملاً كجزء من تسوية سياسية، لكن الضغوط الفرنسية قد تستمر في قضايا أخرى مثل ملف المهاجرين.

أصدر القضاء الجزائري، اليوم الخميس، حكماً بالسجن في حق الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال (80 عاماً)، الذي تثير ملاحقته في الجزائر، أزمة سياسية مع باريس.

وأصدرت محكمة الدار البيضاء في الضاحية الشرقية بالعاصمة الجزائرية، حكماً بالسجن لخمس سنوات حبساً نافذة وغرامة مالية ضد صنصال. وخلال المحاكمة، تمسّك صنصال بموقفه الرافض لتولي محامٍ الدفاع عنه، وأبلغ القاضي أنه يريد أن يتولى الدفاع عن نفسه، بعدما رفضت السلطات الجزائرية منح التأشيرة لمحامٍ فرنسي كان يريد الترافع عن صنصال.

ويلاحق القضاء الجزائري صنصال على خلفية تصريحات مثيرة للجدل، كان أدلى بها لمنصة فرنسية، قال فيها إن أجزاء من الجزائر كانت تتبع المغرب، وإن الجزائر لم يكن لها أي كيان قبل الاستعمار الفرنسي، ووُجهت له تهم بناء على المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، وتشمل التضليل، والمساس بالوحدة الوطنية، والإدلاء بتصريحات من شأنها المساس بوحدة البلاد.

أخبار
التحديثات الحية

ولا يعتبر هذا الحكم نهائياً، إذ يمكن لصنصال الطعن والاستئناف ضده، لتتحول القضية من المحكمة الابتدائية إلى مجلس قضاء العاصمة الجزائرية، لكن الطعن في الحكم سيحرمه في المقابل من إمكانية الحصول على عفو رئاسي، والذي لا يصدر في القضايا التي تكون محل مداولة.

من جهته، أعربت فرنسا الخميس عن أسفها لإدانة الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال بالسجن خمس سنوات مع النفاذ في الجزائر، داعية السلطات الجزائرية إلى إيجاد حلّ "سريع، إنساني ومشرف لهذا الوضع". وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان، وفق فرانس برس، "نأسف لإدانة مواطننا بوعلام صنصال بعقوبة السجن النافذة"، مضيفاً "نجدد دعوتنا إلى حل سريع، إنساني ومشرف لهذا الوضع".

وكانت السلطات الجزائرية قد اعتقلت، في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي الكاتب بوعلام صنصال الذي يتبنى مواقف منحازة لإسرائيل، وسبق أن زار تل أبيب، لدى عودته من باريس، وأثار اعتقاله أزمة حادة بين الجزائر وفرنسا، على خلفية مطالبة باريس الجزائر بالإفراج عنه. ومنذ تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي طالب فيها الجزائر بالإفراج عن صنصال، بحكم أنه يحمل جنسية ثانية فرنسية، اعتبرت الجزائر ذلك تدخلاً في قضية داخلية، كونه مواطناً جزائرياً بالأصل.

بعد الحكم على بوعلام صنصال.. ما مستقبل الأزمة الجزائرية الفرنسية؟

ومن شأن هذا الحكم أن يثير ردات فعل فرنسية إزاء السلطة الجزائرية، خصوصاً أن الرئيس الفرنسي كان قد صرّح الأسبوع الماضي بأنه يأمل في تحلّي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بـ"الحكمة" للإفراج عن صنصال. ويتوقع أن يدفع الحكم باريس إلى التعبير عن استيائها وتصعيد الموقف اتجاه الجزائر، بينما يطرح متابعون احتمال أن يستفيد صنصال من عفو محتمل في إطار تسوية سياسية على مستوى عال بين البلدين.

وقبل أيام قليلة فقط من جلسة إصدار الحكم على الكاتب صنصال، حاول وزير الداخلية الفرنسي استباق الجلسة بتهديد الجزائر، في حال لم تطلق سراحه، في حين استخدم ماكرون لغة أكثر هدوءًا دعا فيها تبون إلى النظر بعين الرأفة إلى بوعلام صنصال بحكم تقدمه في السن، وحاجته إلى العلاج. ولم يجدي كل من الأسلوبين في ثني القضاء الجزائري عن إدانة صنصال بالتهم المنسوبة إليه. لكن الحكم الصادر مقارنة بطبيعة التهم الموجهة إلى صنصال، دفعت البعض إلى ترجيح أوجود ترتيب لإنهاء القضية التي تشكل أحد الملفات الخلافية في الأزمة الراهنة بين الجزائر وباريس.

ووجهت إلى صنصال تهم "المساس بوحدة الوطن وإهانة هيئة نظامية، والقيام بممارسات من شأنها الإضرار بالاقتصاد الوطني، وحيازة فيديوهات ومنشورات تهدد الأمن والاستقرار الوطني، والإهانة والقذف الموجّه ضد الجيش الوطني الشعبي، والترويج عمدا لأخبار كاذبة من شأنها المساس بالنظام العمومي والأمن العام، وحيازة وعرض لأنظار الجمهور منشورات وأوراقا وفيديوهات من شأنها المساس بالوحدة الوطنية".

الصورة
روتايو يلقي كلمة في باريس خلال تجمع لدعم صنصال، 25 مارس 2025 (فرانس برس)
وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو يلقي كلمة خلال تجمع لدعم صنصال، باريس 25 مارس 2025 (فرانس برس)

وقال الكاتب وأستاذ العلوم السياسىة في جامعة الجزائر توفيق بوقاعدة، إن هذه التهم ثقيلة جدا مقارنة مع الحكم الصادر بحقه، ما قد يمهد لاحقا لعفو رئاسي عشية عيد الفطر المبارك، والذي يصدر فيه في الغالب رئيس الجمهورية عفوا رئاسيا عن مساجين حق عام. وقال بوقاعدة لـ"العربي الجديد"، "بتقديري فإن الحكم على صنصال بخمس سنوات سجن نافذة في هذا التوقيت يفهم منه أن اتفاقا حصل بين الطرفين الجزائري والفرنسي بتسوية قضية صنصال عبر عفو رئاسي بمناسبة عيد الفطر"،  مرجحاً رداً فرنسياً منضبطاً من دون المبالغة في انتقاد النظام، مع عدم استبعاد "استغلال أطراف من اليمين الحكم للتعبئة أكثر للكراهية ضد الجزائر".

وتبدو هذه التقديرات متفائلة بشأن إمكانية أن يكون هذا مدخلا أول لحسن النيات، ولسحب هذه القضية الفردية من طاولة الجدل والنقاش السياسي الحاد بين البلدين، والنظر في ما هو أهم من مصالح قائمة بين البلدين، لكن ردود الفعل الصاخبة في فرنسا، والتي عبر عنها رئيس الحكومة الفرنسية السابق غابريال عطال وزعيمة اليمين ماري لوبان والنائبة البارزة في البرلمان الفرنسي ماتليدا بانتو، وغيرهم ممن عبروا عن سخط سياسي ضد الحكم الصادر بحق صنصال، قد تشحن الحكومة الفرنسية وتدفع نحو تبني موقف تصعيدي تجاه الجزائر.

وقال الناشط السياسي الجزائري في باريس، عبد المجيد تهمي، لـ"العربي الجديد"، إن "باريس لن تتوقف عن الضغط على الجزائر، سواء فيما يخص ملف صنصال أو ملف المهاجرين، وباعتقادي فإن ملف صنصال بالنسبة إلى الحكومة الفرنسية هو مجرد ورقة مناكفة، بينما يبقى الملف الأساسي هو ملف المهاجرين المقرر إبعادهم إلى الجزائر، لذلك لا أعتقد أن الأزمة بين البلدين قد تطوى سريعا". وأشار إلى أن الحكم على اتجاهات الأزمة قد يتحدد مع زيارة مرتقبة بعد عيد الفطر لوزير الخارجية جان نويل بارو، بعد التصريحات الإيجابية للرئيس الجزائري بشأن إمكانية العمل مع الرئيس الفرنسي لتجاوز الأزمة.

من جانبه، رأى عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري عبد السلام باشاغ لـ"العربي الجديد" أن الحكم غير مطابق لحجم التهم الموجهة للكاتب. وقال: "هناك إجماع على أن الحكم غير مطابق للتهم وهذا يحيلنا إلى التساؤل عن موقع قضية صنصال في الأزمة الحاصلة مع فرنسا، بما يعطي الانطباع أن الحكم المخفف جاء بدايةً لحلحلة الأزمة مع فرنسا"، مشيرا إلى أن "السلطة في الجزائر غير مستعدة في المقابل لخسارة موقفها أمام الرأي العام الداخلي، خاصة في قضايا على علاقة بفرنسا، ولذلك يمكن إبقاء احتمال التصعيد قائما".

المساهمون