القرصنة الصينية: واشنطن تحشد الحلفاء ضد بكين ولا تفرض عقوبات

القرصنة الصينية: واشنطن تحشد الحلفاء ضد بكين ولا تفرض عقوبات

21 يوليو 2021
لم تستبعد إدارة بايدن فرض عقوبات على بكين في وقت لاحق (سول لوب/فرانس برس)
+ الخط -

أظهرت الولايات المتحدة، في عهد الرئيس الأميركي جو بايدن، مجدداً، أول من أمس الإثنين، أنها نجحت في شدّ عصب الحلفاء، لتشكيل جبهة موحدة، في وجه ما تسميه "التصرفات المزعزعة للاستقرار" التي تنتهجها الصين. ومن دون أن يصل الأمر إلى حدّ فرض العقوبات، استعرضت جبهة "الحلفاء" عضلاتها، بشكل ناعم نسبياً، ولكن للمرة الأولى بشكل موحد، لاتهام بكين مباشرة وتحذيرها، في أحد الملفات التي تساهم في إذكاء التوتر بين الطرفين، وهو ملف الأمن السيبراني، والذي يلعب دوراً كبيراً في إذكاء "الحرب الباردة الجديدة" بين الولايات المتحدة والصين.

وعلى الرغم من أن عملية القرصنة واسعة النطاق، التي استهدفت شركة "مايكروسوفت"، واتهمت واشنطن وحلفاؤها أول من أمس، الصين، بالوقوف وراءها، تعود إلى شهر مارس /آذار الماضي، وقد تمّ تداولها في الإعلام سابقاً، إلا أن البيانات المنفصلة التي خرجت عن مجموعة واسعة من الدول، ومعها حلف شمال الأطلسي، لإدانة الصين، عكست تصميم واشنطن في عهد بايدن، على إظهار إعادة الحشد الدولي في وجه المنافس الاقتصادي الأول لبلاده، والذي يشكل على حدّ قوله، "المنافس الوحيد القادر بشكل محتمل على جمع القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية، لتشكيل تحدٍ مستمر للنظام العالمي".

وتتقدم الحرب السيبرانية بين البلدين، ضمن الملفات الخلافية، وهي حرب متبادلة، وتعود إلى سنوات مضت، وقد حاول الرئيس الأسبق باراك أوباما تحقيق هدنة حولها. لكن ما يقلق الولايات المتحدة، اليوم، هو التطور الذي طرأ على الهجمات الصينية، بعدما كانت تركز في بداية الألفية الثالثة، على سرقة حقوق الملكية الفكرية بشكل أساسي. هذا التطور، الذي أصبحت تديره شبكة معقدة من المحترفين والمجموعات المنظمة، تؤكد الدول الغربية أنها مرتبطة بتجسس دول، ويوجه الاتهام الأول فيها إلى الصين وروسيا. وفي حالة الصين، التي تعد التحدي الأكبر للولايات المتحدة في القرن الحالي، فإن أي شرارة من هذا النوع، لن تكون نتائجها دائماً "سلمية".

يعود الهجوم إلى مارس الماضي، واستهدف خدمات "إكسشاينج" للمراسلة لمجموعة "مايكروسوفت"

ودانت الولايات المتحدة وحلفاؤها بشدّة أول من أمس، في حملة منسّقة، الأنشطة الإلكترونية "الخبيثة" التي تقوم بها بكين، واتّهموها بالوقوف خلف عملية القرصنة واسعة النطاق التي استهدفت خدمات "إكسشاينج" للمراسلة لمجموعة "مايكروسوفت". ودعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وحلف الـ"ناتو"، واليابان وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، في بيانات منفصلة لكن متزامنة، بكين إلى التصرّف "بشكل مسؤول" في الفضاء السيبراني. وعلى الرغم من أن كل دولة كتبت بيانها على طريقتها، إلا أن ذلك شكّل أكبر إدانة للأنشطة الإلكترونية الصينية حتى الآن، من دون أن يترافق ذلك مع إعلان فرض عقوبات. وخرجت أيضاً بيانات داعمة للموقف الغربي من فنلندا وإستونيا والدنمارك.

ولم يوجه بايدن في بادئ الأمر، الاتهام مباشرة إلى الحكومة الصينية بالوقوف وراء الهجوم السيبراني، بل قال إنّ فهمه للوضع هو أن "الحكومة الصينية، وبشكل مشابه لما تفعله نظيرتها الروسية، لا تفعل ذلك بنفسها، لكنهم يحمون من يقومون بالأمر، وحتى يؤمنون وسائل لهم لحماية أفعالهم". ورأى وزير خارجيته أنتوني بلينكن، أن "سلوك الصين غير مسؤول، ويتسبب باضطرابات ويزعزع استقرار الفضاء السيبراني، الأمر الذي يشكل تهديداً كبيراً للاقتصاد والأمن" لدى بلاده وشركائها. ولاحقاً، برّرت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، عدم توجيه بايدن الاتهام مباشرة لبكين، وعدم إعلان فرض عقوبات عليها، بأن "الرئيس يأخذ الهجمات الإلكترونية على محمل الجد كثيراً، ونحن نحتفظ بحق اتخاذ إجراءات إضافية".

وفي الإعلان الرسمي الذي خرج عن مسؤول في البيت الأبيض، تمّ ربط مجموعة المقرصنين بوزارة أمن الدولة الصيني. وبشكل متزامن، كشف القضاء الأميركي توجيه اتهامات إلى 4 قراصنة صينيين، بينهم 3 "موظفين في وزارة أمن الدولة"، متهمين بالتسلل الى أنظمة شركات وجامعات وحكومات بين 2011 و2018 بهدف سرقة بيانات أو تكنولوجيا. وبالإضافة إلى هجوم "مايكروسوفت"، اتهمت الولايات المتحدة وحلفاؤها الصين، الوزارة، التي تشرف على الذراع المدنية لعمليات جمع المعلومات الاستخبارية لبكين، باستخدام القراصنة، لشنّ هجوم على شركة أميركية والقيام بأنشطة سيبرانية "خبيثة" حول العالم.

وقال المسؤول الأميركي إن إدارة بايدن كانت واضحة في أنها "ستتخذ إجراءات لحماية البلاد، بغض النظر عن هوية المسؤول، ونحن لا نستبعد اتخاذ إجراءات إضافية لتحميل جمهورية الصين الشعبية المسؤولية". وأضاف: "نحن ندرك أن لا إجراء واحداً بإمكانه تغيير سلوك جمهورية الصين الشعبية، ولا تصرف دولة واحدة باتجاه ذلك. نحن نشعر أن الأهم هنا هو أن نوضح للصين، أنه طالما استمرت هذه النشاطات السيبرانية الخبيثة، فإنها ستوحد الدول حول العالم" لإدانة بكين و"التحشيد لجهود مشتركة في قطاع الأمن السيبراني وحماية شبكات الإنترنت".

وأكد وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب أن "على الحكومة الصينية أن تضع حدّاً للتخريب الإلكتروني المنهجي الذي تمارسه، وينبغي محاسبتها إذا لم تقم بذلك". وفي بيان أكثر حذراً، أعلن الـ"ناتو" أنه "أخذ علماً" بالتصريحات الأميركية والبريطانية في شأن الصين، مبدياً "تضامنه" معهما، وداعياً "الدول كافة، بما فيها الصين، إلى الوفاء بالتزاماتها، ويشمل ذلك الفضاء السيبراني". وقالت الدبلوماسية الأوروبية إن "القراصنة يواصلون حتى اليوم استغلال هذه الثغرات الأمنية"، مؤكدة أن ذلك يمثل تهديداً أمنياً، كما لفتت إلى تكبد "المؤسسات والشركات (في الاتحاد الأوروبي) خسائر اقتصادية كبيرة". وندد الاتحاد الأوروبي، بأنشطة قراصنة يعرفون باسمي "أيه بي تي 40" و"أيه بي تي 31" (أدفانسد بيرزيستنت ثريت، ما معناه تهديد متقدم ومستمر)، مشيرة إلى أنهم شنوا هجمات "من الأراضي الصينية بهدف سرقة أسرار أو التجسس".

بكين: واشنطن بطلة العالم بالهجمات الإلكترونية الخبيثة

وترتبط المعلومات المسروقة بدول عدة، بينها ألمانيا وإندونيسيا، بآليات مستقلة ومعادلات كيميائية وتكنولوجيات تسلسل جيني، وفق وزارة العدل الأميركية. وأوضح مسؤول أميركي لـ"فرانس برس"، أن القراصنة الصينيين المتهمين بسرقة أسرار صناعية، قد يكون لديهم أيضاً دافع "المصلحة الخاصة"، متحدثاً عن محاولات ابتزاز و"طلبات فدية بقيمة ملايين الدولارات" من شركات خاصة. ويقدر بأن الهجوم الذي تتهم الصين بالوقوف خلفه، قد استهدف عشرات آلاف الضحايا في العالم.

وبشكل روتيني، أعربت الصين، أمس، عن غضبها من الاتهامات الغربية، معتبرة أن واشنطن "هي بطلة العالم في الهجمات الإلكترونية الخبيثة". ومن سفارتها في نيوزيلندا، اعتبرت بكين أن اتهامات ويلينغتون مجرّد مزاعم "لا أساس لها وغير مسؤولة على الإطلاق". كما اتهمت السفارة الصينية في كانبيرا، أستراليا، "بترديد مثل الببغاء" الخطاب الأميركي. وأضافت: "قامت الولايات المتحدة بلا خجل بعمليات تنصت سرية واسعة وعشوائية في عدد كبير من دول العالم، بما في ذلك لدى حلفائها".

وكان الكشف عن الهجوم قد خرج سريعاً إلى العلن، مع اتهام "مايكروسوفت" في مارس الماضي، مجموعة قراصنة على صلة ببكين تعرف باسم "هافنيوم"، بالوقوف وراءه. في ذلك الوقت، كانت إدارة بايدن منشغلة بقضية اختراق شركة "سولار ويندز" الذي اتهمت الاستخبارات الروسية بالوقوف خلفه، ودفعها إلى فرض عقوبات جديدة على موسكو. وفي يونيو/حزيران الماضي، أعلن البيت الأبيض أنه يقترب من إلقاء اللوم في هجوم "مايكروسوفت" على "مذنب محدد".