القدس ثكنة عسكرية: اقتحامات الأقصى تهدد بانفجار

القدس ثكنة عسكرية: استفزازات المستوطنين واقتحامات الأقصى تهدد بانفجار

02 ابريل 2022
بن غفير في المسجد الأقصى، الخميس (مناحيم كاهانا/فرانس برس)
+ الخط -

يُعيد اقتحام المستوطن المتطرف، عضو الكنيست الإسرائيلي إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى، أول من أمس الخميس، وتهديده وأتباعه بمزيد من الاقتحامات خلال الأيام والأسابيع المقبلة إلى أذهان المقدسيين الاقتحام الاستفزازي للأقصى الذي قام به رئيس وزراء الاحتلال الراحل، أرييل شارون، حين كان وزيراً للأمن في 28 سبتمبر/أيلول 2000، ما أدى إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي استمرت حتى عام 2005.

ويأتي اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى تزامناً مع استفزازاته بحي الشيخ جراح في القدس المحتلة، بزعم حمايته "حقوق المستوطنين" في الحي، الذين يحاولون السيطرة على منازل الأهالي وتهجيرهم من منازلهم.

وبدا بن غفير بعد انتهاء اقتحامه الأقصى وكأنه حقق نجاحاً كبيراً في إرغام الحكومة الإسرائيلية على الخضوع له وفرْض أمر واقع جديد في الاقتحامات، التي باتت تشهد مشاركة أكبر من قطاعات جديدة في المجتمع الإسرائيلي، كطلاب الجامعات والمدارس وانضم إليهم أخيراً حاخامات معاهد دينية لم يشاركوا سابقاً في هذه الاقتحامات.

ارتفاع عدد مقتحمي المسجد الأقصى

سجلت اقتحامات المستوطنين في العام الماضي زيادة كبيرة في أعداد المقتحمين وصلت إلى أكثر من 37 ألف مقتحم، ينتمي أغلبهم إلى ما تُسمى "شبيبة التلال" المعروفة بتطرفها وإيغالها في الاعتداء على الفلسطينيين، كما حدث في الاعتداءات الأخيرة التي أعقبت العمليات التي نفذها فلسطينيون في بني براك والخضيرة وبئر السبع.

ويتمتع بن غفير بشعبية كبيرة في أوساط هؤلاء، وهو الذي ينتمي بالأصل إلى المدرسة الكاهانية نسبة إلى الحاخام العنصري مئير كاهانا زعيم حركة كاخ الفاشية البائدة، الذي لقي مصرعه اغتيالاً على يد المصري ـ الأميركي سيّد نصير في نيويورك، في عام 1990.

وخلال الانتفاضة الثانية، أسس بن غفير وذراعه اليمنى باروخ مارزل، ما عُرفت بـ"لجنة الأمن على الطرقات"، التي استهدفت الفلسطينيين الذين كانوا يهاجمون مركبات الجيش والمستوطنين.

وخرج من هذه اللجنة، باروخ غولدشتاين، الذي ارتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية المحتلة، في 25 فبراير/شباط 1994، وارتقى خلالها 29 مصلياً وجُرح 125 آخرون، فضلاً عن مقتل القاتل.

لكن نجم بن غفير لمع في الفترة الماضية، في مواجهات حي الشيخ جراح، حيث قاد استفزازات المستوطنين ضد الأهالي هناك، وسط تحذيرات من أن تقود ممارساته وتهديداته على الأرض إلى اشتعال فتيل الاشتباكات مجدداً، بعد نحو عام من المواجهة التي سببتها ممارسات المستوطنين وقوات الاحتلال في القدس والمسجد الأقصى.


ينتمي بن غفير إلى مدرسة مئير كاهانا

ولم تمضِ ساعات على انتهاء الجلسة الطارئة التي عقدها مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) مساء الأربعاء الماضي، حتى بدأت تدابيره العسكرية والأمنية تجد تعبيراً لها على الأرض في عموم الضفة الغربية والقدس أول من أمس الخميس، من خلال ارتقاء ثلاثة شهداء على الأقل وسقوط العديد من الجرحى، فضلاً عن الاعتقالات الواسعة التي طاولت نشطاء من مختلف التنظيمات الفلسطينية.

ومن أبرز القرارات التي اتُخذت على هذا الصعيد، عشية بدء شهر رمضان، اليوم السبت، مصادقة المجلس على السماح لبن غفير باقتحام باحات المسجد الأقصى والقيام بجولة استفزازية في ساحاته، تخللها تصوير مقاطع مصوّرة يتحدّى فيها الفلسطينيين، وإظهار اقتحام أكثر من 200 مستوطن المسجد.

في المقابل، ترافق ذلك مع تدابير مشددة فرضت على الفلسطينيين في القدس القديمة وداخل الأقصى، مع منع العشرات من دخول المسجد، وإخضاع كثر لفحوصات أمنية.

واستبقت قوات الاحتلال خطوتها تلك بتنفيذ حملة إبعاد عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة لمدد متفاوتة، طاولت أكثر من 25 ناشطاً ووضع مثل هذا العدد في الاعتقال الإداري.

ومن بين الإجراءات الأخرى التي صادق عليها المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر، تكثيف تواجد مختلف الأجهزة الأمنية والشرطية وقوات الجيش في القدس القديمة وفي محيط الأقصى وفي مناطق التماس، وتشديد المراقبة والمتابعة على مواقع التواصل الاجتماعي لرصد من وصفوا بالمحرضين.

ويؤكد المقدسيون أن قوات الاحتلال المنتشرة بكثافة في محيط البلدة القديمة من القدس، تتعمّد احتجاز الشبان والفتيات وتستفزهم وتقيّد حركتهم، كما هي الحال في منطقة باب العامود وعند بابي الأسباط والساهرة.

وأفادت المربية عبير أبو عيد من حي وادي الجوز في القدس المحتلة في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن شرطة الاحتلال منعتها صباح أول من أمس الخميس، من الوصول للأقصى، كما تم منع ثلاث فتيات من دخوله بعد احتجازهن في منطقة باب الأسباط بمدينة القدس.

ونشرت قوات الاحتلال دوريات من الوحدات الخاصة في الأحياء الشمالية للبلدة القديمة من القدس، تحديداً في حي الشيخ جراح ووادي الجوز، وأوقفت المركبات وفتشت الشبان، واعتدت على بعضهم.

وعند حاجز الجيب العسكري، شمال غربي القدس، اعتقلت قوات الاحتلال شاباً فلسطينياً من سكان تلك المنطقة بزعم العثور بحوزته على سكين، أعقب ذلك إغلاق الحاجز ومنع حركة التنقل عليه لأكثر من ساعة.

وشهدت حواجز قلنديا ومخيم شعفاط والزعيم إجراءات وتدابير أمنية خاصة، تخللها تفتيش السائقين ومركباتهم والتحقق من أنشطتهم السياسية والتنظيمية وما إذا كانوا تعرضوا للاعتقال في فترات سابقة. وسبق ذلك اقتحام قوات الاحتلال لمخيم قلنديا واعتقال ناشطين، فضلاً عن اعتقال ثلاثة آخرين من بلدة الرام شمالي القدس المحتلة.

تجمّعات استفزازية للمستوطنين

 وشهد محيط باب العامود، البوابة الرئيسية للبلدة القديمة من القدس، تجمعاً استفزازياً لعشرات المستوطنين الذي هتفوا بعبارات الموت للعرب، قبل أن تعتقل قوات الاحتلال مستوطناً وسط توتر شديد في المنطقة.

وبدت مدينة القدس أمس الجمعة، ثكنة عسكرية ضخمة، مع نشر الاحتلال آلاف الجنود من مختلف وحدات الجيش والشرطة وحرس الحدود. واعترضت شرطة الاحتلال عشرات الحافلات الآتية من الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، ومنعت العديد منها الوصولَ إلى القدس.


نشر الاحتلال آلاف الجنود في اليومين الماضيين

وكان آلاف المصلين المقدسيين أدوا صلاة أمس، في المسجد الأقصى تحت شعار "سيف القدس"، على الرغم من محاولة سلطات الاحتلال عرقلة وصول أعداد إضافية للمسجد.

ووسط هذه الممارسات، فإن دعوات مقدسية بدأت بالتأكيد على ضرورة الرباط في المسجد الأقصى، مع دعوة رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري في حديث لـ"العربي الجديد"، الأمتين العربية والإسلامية لتحمّل مسؤولياتهما.

وناشد صبري الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، ومن القدس، التواجد والرباط في الأقصى لحمايته من تغول المستوطنين. واتهم الاحتلال بتعمد التصعيد واستفزاز المصلين في المسجد الأقصى، محمّلاً إياه المسؤولية عن النتائج المترتبة عن السماح لعضو الكنيست بن غفير باقتحام الأقصى. ووصف ما قام به من اقتحام بأنه عدوان من متطرف لا يخفي عداءه للفلسطينيين.

بدوره، وصف القيادي في حركة فتح، رئيس الهيئة الإسلامية المسيحية حاتم عبد القادر في حديث لـ"العربي الجديد"، اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى، بـ"الاستفزازي والخطير جداً قبيل شهر رمضان، وهو مؤشر تصعيد من جانب حكومة الاحتلال، وتجاهلها لجميع الجهود الإقليمية، تحديداً الأردنية للتهدئة".

ورأى أن "حكومة الاحتلال تتحمّل مسؤولية تداعيات التصعيد المتوقع خلال شهر رمضان، والذي من المنتظر أن تشهد خلاله مدينة القدس هبّة جديدة ضد استفزازات الاحتلال".