"القبة الذهبية"... درع ترامب لحماية أميركا
استمع إلى الملخص
- يواجه المشروع انتقادات من روسيا والصين، حيث تعتبره موسكو مشروعاً يشبه "حرب النجوم"، بينما ترى الصين أنه يقوض الاستقرار العالمي ويؤثر على التوازن الاستراتيجي في المنطقة.
- يساهم المشروع في تعزيز موقف الولايات المتحدة العسكري في مناطق مثل غرينلاند وكندا، ويواجه تحديات تتعلق بالتمويل والرقابة السياسية، مع مطالب بفرض مزيد من الرقابة على التعاقدات والتمويل.
لم يكن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب
، مساء أول من أمس الثلاثاء، عن إنشاء "القبة الذهبية" على الأراضي الأميركية، جديداً، بل جاء تتمة لوعد أطلقه في حملته الانتخابية لرئاسيات 2024. ومن شأن هذه القبة، وفق تصوّر الرئيس الأميركي، أن تمنح الحماية لبلاد تبلغ مساحتها نحو 10 ملايين كيلومتر مربع، تُشكّل فيها ولايتا ألاسكا وهاواي، منطقتين جغرافيتين متقدمتين في المحيط الهادئ، حيث تتمركز في المقلب الآخر، روسيا والصين. ومع أن ترامب تعهّد بإنهاء العمل في القبة قبل نهاية ولايته في يناير/كانون الثاني 2029، غير أن الانتقادات الداخلية والخارجية للمشروع العسكري بدأت تظهر. مساء الثلاثاء، كشف ترامب عن رؤيته المقترحة لبناء منظومة دفاع صاروخي متقدمة تحت مسمى "القبة الذهبية"، تهدف إلى حماية الولايات المتحدة من التهديدات الخارجية، بتكلفة تقديرية تبلغ نحو 175 مليار دولار.
تبلغ كلفة المشروع 175 مليار دولار ويدوم العمل فيه 3 سنوات
الإعلان عن القبة الذهبية
وأكد ترامب، خلال مؤتمر صحافي عقده في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، بحضور وزير الدفاع بيت هيغسيث، أن المشروع يمثل حجر الزاوية في استراتيجيته العسكرية. ورجح بدء تشغيله جزئياً قبل نهاية ولايته الحالية في يناير 2029، مشيراً إلى أن النظام سيكون قادراً على اعتراض الصواريخ، بما في ذلك تلك التي تطلق من الفضاء. وقال ترامب: "خلال الحملة الانتخابية وعدت الشعب الأميركي بأني سأبني درعاً صاروخية متطورة جداً"، مضيفاً: "يسرني اليوم أن أعلن أننا اخترنا رسمياً هيكلية هذه المنظومة المتطورة". وأضاف أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ستباشر تنفيذ مراحل اختبار المكونات الأساسية للمنظومة وشرائها، بما يشمل الصواريخ، والأقمار الصناعية، وأجهزة الاستشعار.
وأعلن ترامب أن الجنرال مايكل غويتلاين من سلاح الفضاء الأميركي سيكون المدير الرئيسي للمشروع، وهو جهد يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه حجر الزاوية في تخطيط ترامب العسكري. ولفت الرئيس الأميركي إلى أن القبة الذهبية "ستحمي وطننا"، موضحاً أن كندا قالت إنها تريد أن تكون جزءاً منه. ولم يتسن بعد الحصول على تعليق من مكتب رئيس الوزراء الكندي مارك كارني. وأشار الرئيس الأميركي إلى أن المشروع، الذي تم إطلاقه لأول مرة بمرسوم رئاسي في يناير الماضي، يعتمد على شبكة متكاملة من الوسائط الدفاعية الأرضية والفضائية، لافتاً إلى أن ولاية ألاسكا ستقوم بدور محوري ضمن هذه المنظومة الدفاعية. وتتضمن الرؤية المقترحة لمنظومة "القبة الذهبية" قدرات أرضية وفضائية يمكنها رصد الصواريخ واعتراضها في المراحل الأربع الرئيسية لهجوم محتمل، بدءاً من اكتشافها وتدميرها قبل الإطلاق، ثم اعتراضها في مراحلها الأولى بعد الإطلاق، مروراً بمرحلة التحليق في الجو، وانتهاءً بالمرحلة النهائية أثناء اقترابها من الهدف.
وخلال الأشهر الماضية، عمل مخططو البنتاغون على إعداد خيارات متعددة للمشروع، وصفها مسؤول أميركي لوكالة أسوشييتد برس بأنها "متوسطة، وعالية، وفائقة الارتفاع" من حيث التكلفة، وتشتمل جميعها على قدرات اعتراض فضائية. وتحدث المسؤول بشرط عدم الكشف عن هويته لكون التفاصيل لم تُعلن بعد. وسيستغرق تنفيذ "القبة الذهبية" سنوات، إذ يواجه البرنامج المثير للجدل تدقيقاً سياسياً وغموضاً بشأن التمويل. وعبّر مشرعون ديمقراطيون عن قلقهم إزاء عملية الشراء ومشاركة شركة سبيس إكس المملوكة لإيلون ماسك حليف ترامب التي برزت بصفتها مرشحا أول إلى جانب شركتي بالانتير وأندوريل لبناء المكونات الرئيسية للنظام. وطالب المشرّعون الديمقراطيون بفرض مزيد من الرقابة على التمويل والتعاقدات.
وكانت روسيا والصين قد وجّهتا انتقادات لذاك الإعلان الذي رأت فيه موسكو مشروعاً "أشبه بحرب النجوم"، في إشارة إلى المصطلح الذي استُخدم للدلالة على مبادرة الدفاع الاستراتيجي الأميركي في عهد الرئيس رونالد ريغان (1981 ـ 1989) إبان الحرب الباردة (1947 ـ 1991). كذلك، حذّرت الصين، أمس الأربعاء، من أن مشروع "القبة الذهبية" الذي أعلنه ترامب "يقوّض الاستقرار العالمي"، داعية الولايات المتحدة إلى التخلي عنه. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ، في إحاطة صحافية، إن المشروع "يقوّض التوازن الاستراتيجي والاستقرار العالميين. تعرب الصين عن قلقها البالغ حيال ذلك. نحضّ الولايات المتحدة على التخلي عن تطوير نظام دفاع صاروخي عالمي ونشره في أقرب وقت ممكن".
تخشى الصين تمدد القبة الذهبية إلى جوارها
غير أنّ للصين بدرجة أولى ولروسيا بدرجة أقل، مخاوف من المشروع العسكري الأميركي. يعود السبب إلى احتمال "القبة الذهبية" ضمّ مناطق وأقاليم أميركية بعيدة عن البر الأميركي، مثل جزر ماريانا الشمالية وغوام وساموا الأميركية وبيكر وهاولاند ووايك، فضلاً عن الجزر المرجانية مثل جارفيس وميدواي وكينغمان وبالمايرا وجونستون. وكل تلك المناطق مجاورة للصين، وتؤثر على أي صراع عسكري مستقبلي بشأن تايوان، بين بكين وواشنطن. تُشكّل "القبة الذهبية"، بعد استكمالها، محطة إسناد، ولو بعنوان دفاعي، للقوات الأميركية المتمركزة في اليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين. أما الكرملين، فاعتبر المتحدث باسمه دميتري بيسكوف، أمس الأربعاء، أن "القبة الذهبية شأن سيادي أميركي لكن التواصل مع موسكو بشأنها ضروري". كذلك، فإنّ شمول "القبة الذهبية" بورتوريكو ونافاسا وجزر العذراء الأميركية، الواقعة في البحر الكاريبي بأميركا الوسطى، تمنع عملياً أي اختراق عسكري للخواصر الأميركية من جهة الولايات الجنوبية، رغم أنه عسكرياً لا خطر جدياً هناك، باستثناء فنزويلا، بالحد الأقصى.
مستقبل غرينلاند وكندا
وستسمح هذه القبة للولايات المتحدة بتدعيم موقفها، عسكرياً، حيال ضمّ إقليم غرينلاند الدنماركي، وأيضاً ستزيد من الضغوط على كندا، التي تشكل مع الولايات المتحدة، قيادة دفاع الفضاء الجوي الأميركية الشمالية (نوراد)، مما سيعزز المناقشات لدى جيشها للانضمام إلى "القبة الذهبية" الأميركية مستقبلاً، لأسباب جيوبوليتيكية. وفكرة "القبة الذهبية" مستوحاة من "القبة الحديدية" الإسرائيلية، التي دخلت الخدمة في عام 2011. وبلغ معدّل اعتراضها لأهدافها نحو 90%، وفق شركة رافائيل الإسرائيلية للصناعات العسكرية التي شاركت في تصميمها. وفي بادئ الأمر طوّرت إسرائيل بمفردها "القبة الحديدية" بعد عدوان صيف عام 2006 على لبنان، لتنضم إليها لاحقاً الولايات المتحدة التي قدّمت خبرتها في المجال الدفاعي ودعماً مالياً بمليارات الدولارات.
(قنا، أسوشييتد برس، فرانس برس، رويترز)