الفلسطينيون في سورية بعد التغيير: هواجس تتبدد وأخرى ترتفع

27 يناير 2025
جدارية في إدلب تضامنا مع فلسطين بريشة الفنان عزيز اسمر (عز الدين قاسم/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني اللاجئون الفلسطينيون في سوريا من تحديات اجتماعية ونفسية معقدة بسبب الصراعات السياسية والاضطرابات، مما جعلهم أهدافًا للاستغلال السياسي، خاصة خلال الثورة السورية.
- بعد سقوط نظام الأسد في 2025، ظهرت مخاوف جديدة بشأن الأوضاع المعيشية والقانونية للاجئين، رغم تعيين وزير فلسطيني سوري وتأكيد الحفاظ على الامتيازات القانونية.
- تعد إعادة إعمار مخيمات اللاجئين من القضايا البارزة، مع غياب الدعم المالي الكافي وتفاقم أزمة "الأونروا"، مما يتطلب جهودًا دولية ومحلية لإيجاد حلول مستدامة.

يعد وضع اللاجئين الفلسطينيين الاجتماعي في سورية الأكثر تعقيدًا بين المجموعات البشرية التي تعيش في هذا البلد المتنوع إثنيًا وطائفيًا. فبينما عاش السوريون هواجس التغيير، ودفعوا أثمانًا باهظةً من دمائهم وحيواتهم وممتلكاتهم وتراثهم في مواجهة وحشية النظام السوري الساقط، كان للفلسطينيين السوريين نصيبٌ من تلك المعاناة، إضافةً إلى واقعهم المركب المليء بصدمات التاريخ المتراكمة في ذاكرة الفلسطينيين أينما وجدوا.

رغم الاندماج "الإثنو- ثقافي" بين الفلسطينيين والسوريين في سورية، والواقع القانوني المتميز الذي منحته الدولة السورية للفلسطينيين السوريين منذ عام 1956، أي قبل سيطرة حزب البعث على السلطة وقبل إنشاء نظام الأسد، يحمل وضعهم، بما هم مجتمع لاجئ، بعض سمات "المجتمعات الأقلوية" في سورية، سماتٍ نفسيةً واجتماعيةً تستدعي لديهم صدماتٍ تاريخيةً جراء ما حل بالفلسطينيين في دولٍ أخرى من دول الإقليم، عقب "تغيير"، أو خلال فترات اضطرابٍ سياسيٍ وأهليٍ، مثل ما حصل في العراق بعد الاحتلال الأميركي، وما صاحبه من تهجيرٍ وقتلٍ للفلسطينيين المقيمين في العراق في حينه. كذلك ما حصل في الأردن خلال حقبة أحداث أيلول الأسود عام 1970. أو ما حدث في لبنان خلال الحرب الأهلية، والاجتياح "الإسرائيلي" عام 1982.

زرعت هذه التجارب في ذهنية فلسطينيي سورية مخاوف من التغيير، أو عدم الاستقرار السياسي في البلد الذي لجأوا إليه منذ عام 1948، نظرًا إلى وضعهم "المغري" لكلّ الجهات، على اعتبارهم أهدافًا سهلةً، يستطيع أي طرف جعلهم بسهولةٍ "شماعةً وكبش محرقةٍ"، كما حصل في أشهر الثورة السورية الأولى حين وضع نظام الأسد الفلسطينيين في دائرة الاتهام عبر اتهامهم بافتعالهم أعمالًا تخريبهً (خطف ونهب وسواها من الأعمال الإجرامية)، حينها بلغت الاتهامات ذروتها عندما قصفت البحرية السورية مخيّم الفلسطينيين في اللاذقية، مخيّم الرمل، بعد تحريضٍ من بثينة شعبان، مستشارة الرئيس المخلوع بشار الأسد في حينه، على المخيم وسكانه. كما استغل نظام الأسد مجموعاتٍ فلسطينيةً مواليةً له لقمع الثورة (أبرزهم الجبهة الشعبية القيادة العامة، وفتح الانتفاضة/ المنشقين)، ما أدى إلى انقسام الشارع الفلسطيني بين مؤيدٍ للثورة، ومحايدٍ، وقلّةٍ اصطفّت مع النظام. رغم ذلك لم يرحم نظام الأسد مخيّمات الفلسطينيين في سورية، إذ واصل جيشه، والمجموعات الداعمة له، حربه على المخيّمات، كما فعل مع كلّ المدن السورية، ما أدى إلى تدمير أبرز مخيّمات الفلسطينيين في سورية، ومنهم عاصمة الشتات الفلسطيني، مخيّم اليرموك، الذي دمّر تدميرًا كاملاً.

تبقى المخاوف قائمةً بشأن مستقبل مخيّمات الفلسطينيين في سورية وبشأن إدارتها، خصوصًا أنّ الغالبية العظمى من اللاجئين الفلسطينيين في سورية قد بنوا حياتهم ضمن المخيّمات

مع سقوط نظام الأسد في الثامن من يناير/كانون الثاني 2025، برزت مخاوف جديدةٌ لدى اللاجئين الفلسطينيين، تركز معظمها على الأوضاع المعيشية والنواحي القانونية، ثمّ تبددت بعض المخاوف القانونية المتعلقة بامتيازاتهم القانونية، خصوصًا بعد تعيين الوزير الفلسطيني السوري غياث دياب في حكومة الإنقاذ المؤقتة، واستعمال الحكومة الجديدة عبارة "الفلسطينيين ومن في حكمهم"، المستخدمة سابقًا (حتّى في المرحلة التي سبقت سيطرة نظام الأسد على الحكم في سورية) في التعميمات الإدارية والقانونية كافّة، وتفاعل السوريين مع الحدث الفلسطيني، ومع خروج تظاهراتٍ من أجل غزّة عقب اتّفاق وقف إطلاق النار، ما يعني أنّ الذهنية السورية الجديدة قد حافظت على الوضع القانوني للفلسطينيين في سورية، ومكانة القضية الفلسطينية مكرّسةٌ في وعي الشعب السوري رغم استعمالها من قبل النظام السابق في سياق نهجٍ سلطويٍ قمعيٍ، بل واستخدمها شماعةً لتبرير جرائمه المتكررة في سورية.

لكن ظلت الأوضاع المعيشية في صدارة التحديات، مع نزوح نحو 40% من اللاجئين الفلسطينيين في سورية داخليًا، بسبب تدمير مخيّماتهم على يد النظام السابق، وخصوصًا مخيّم اليرموك، إضافةً إلى تهجير أكثر من 100 ألف لاجئٍ إلى دول الجوار والشتات الأوروبي من أصل 450 ألف لاجئٍ مسجل لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".

إعادة الإعمار: التخوف الأكبر.. قضية بلا حلول

يعد ملف إعادة إعمار مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في سورية من أبرز القضايا المطروحة اليوم، إذ تثار تساؤلاتٌ حول كيفية إدارة هذا الملف، والمدد الزمنية المطلوبة لإعادة الإعمار، ومدى مسؤولية الدولة السورية الجديدة تجاه المخيّمات وسكانها. كما يخشى بعضهم تبني الدولة السورية الجديدة لنموذجٍ يشابه النموذج اللبناني، حيث تُدار المخيّمات بمعزلٍ عن مسؤولية الدولة ومساعدتها، ما عطل مسار إعادة الإعمار، إن لم يوقفه. لكن؛ وفي الوقت ذاته تظهر مؤشراتٌ سوريةٌ إيجابيةٌ مثل تضمين اللاجئين الفلسطينيين في التعميمات الإدارية الجديدة، واستمرار العمل بالقانون الصادر عام 1956، وإعادة صفة المخيّم لمنطقة اليرموك.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

رغم ذلك، تبقى المخاوف قائمةً بشأن مستقبل مخيّمات الفلسطينيين في سورية وبشأن إدارتها، خصوصًا أنّ الغالبية العظمى من اللاجئين الفلسطينيين في سورية قد بنوا حياتهم ضمن المخيّمات، ولا يملكون بدائل عنها. كما تتصاعد المخاوف من أن يستمر الوضع كما هو لعقودٍ قادمة، كما حدث مع مخيّم نهر البارد في لبنان، الذي لم يكتمل إعادة إعماره منذ تدميره عام 2007.

كذلك يزيد تفاقم أزمة وكالة "الأونروا" المالية من تعقيد أوضاع الفلسطينيين في سورية، إذ تقلصت خدماتها إلى الحدّ الأدنى، ولا توجد مؤشراتٌ على بدء إعادة إعمار المخيّمات، سواء من الجهات الفلسطينية الرسمية، أو وكالة "الأونروا" ذاتها. إضافةّ إلى ما يمثله غياب الدعم المادي من عائقٍ كبيرٍ أمام عودة اللاجئين الفلسطينيين المهجرين، لا سيّما أولئك الذين فروا إلى لبنان، إذ عاد منهم إلى سورية نحو 4 آلاف فقط، من أصل 23 ألف لاجئٍ فلسطيني، ومعظم العائدين إلى سورية لم يتحملوا الظرف السوري الصعب والقاسي، لذا عادوا بشكلٍ عكسي مرّةً أخرى إلى لبنان.

بينما تظل المخيّمات الفلسطينية المدمرة في سورية من دون أيّ مؤشراتٍ على موعد إعادة الإعمار وطريقته، وفي ظلّ أوضاعٍ معيشيةٍ صعبةٍ للغاية، تبرز مؤشرات فقدان الأمل لدى العديد من اللاجئين الفلسطينيين، في استقرارٍ قريبٍ، ما يضع ملف اللاجئين الفلسطينيين في سورية أمام تحدياتٍ ضخمةٍ تتطلّب جهودًا دوليةً ومحليةً لإيجاد حلولٍ مستدامةٍ.

المساهمون