الفجوة بين سلاحي الجو الإسرائيلي والإيراني... الأسباب والمعطيات والإمكانات

05 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 07 أغسطس 2025 - 00:13 (توقيت القدس)
طائرة حربية إيرانية بمعرض في طهران، 4 إبريل2025 (علي رضا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التفوق الجوي الإسرائيلي: الصراع الإيراني-الإسرائيلي بلغ ذروته في يونيو 2025، حيث أظهر الفجوة الكبيرة في القدرات الجوية بين البلدين. تمتلك إسرائيل أسطولاً حديثاً من الطائرات الأميركية مثل أف-35، بينما تعاني إيران من تقادم أسطولها الجوي بسبب العقوبات.

- الإنفاق العسكري والفجوة النوعية: تنفق إسرائيل 46.5 مليار دولار سنوياً مقارنة بـ7.9 مليارات دولار لإيران، وتمتلك 2903 طائرات مقابل 337 لإيران. تعتمد إسرائيل على دعم غربي قوي، بينما تواجه إيران تحديات اقتصادية.

- استراتيجيات بديلة وتحديات مستقبلية: طورت إيران عقيدة دفاعية تعتمد على الصواريخ الباليستية والفرط صوتية، لكن قدرتها على موازنة التفوق الجوي الإسرائيلي تظل محدودة. تعتمد إيران على أدوات غير تقليدية لتعويض الخلل.

بلغ الصراع الإيراني - الإسرائيلي ذروته في العدوان الإسرائيلي الذي دام 12 يوماً بين 13 و24 يونيو/ حزيران 2025. وفي هذا السياق، برز سؤال رئيسي عن طبيعة قدرات سلاح الجو الإيراني في مواجهة الإسرائيلي، ومدى هشاشة منظومات الدفاع الإيرانية وعدم قدرتها على استعادة السيطرة الجوية. على صعيد القوة الجوية لإيران، يشير المتخصص في السياسة السيبرانية، خالد محمود، في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن فشل سلاح الجو الإيراني يُعزى إلى مجموعة من العوامل المتشابكة التي تكوّن معاً فجوة يصعب ردمها في المدى المنظور. فمن ناحية، شكلت العقوبات الدولية عقبةً أمام تحديث الأسطول الجوي الإيراني، حيث حرمتها لعقود من الحصول على تقنيات متطورة أو حتى قطع غيار أساسية لطائراتها القديمة مثل أف ـ 14 وميغ ـ 29، مما أجبرها على الاعتماد على جهود التطوير المحلي التي بقيت، رغم طموحها، متأخرةً تقنياً عن ركب التكنولوجيا العسكرية العالمية.


آخر عام استوردت فيه إيران طائرات مقاتلة هو عام 2006

تقادم الأسطول الجوي الإيراني

ما سبق يتضح عبر معلومات قاعدة بيانات معهد استوكهولم لأبحاث السلام الدولي (سيبري)، فقد كان آخر عام استوردت فيه إيران طائرات مقاتلة هو عام 2006 بعدد ست طائرات من روسيا من طراز سو ـ 25 التي تنتمي إلى الجيل الثالث، مما يبرز مدى تقادم الأسطول الجوي الإيراني مقارنة بالإسرائيلي. ووفقاً لقاعدة بيانات عمليات نقل الأسلحة لـ"سيبري"، فإن إجمالي عدد الطائرات العسكرية التي دخلت الخدمة في إيران منذ قيام الثورة الإسلامية في عام 1979 وحتى اليوم بلغ 337 طائرة فقط، مقابل 2903 استوردتها إسرائيل منذ ما قبل عام 1950، وهو ما يعكس فجوة هائلة في ترسانة الطائرات المملوكة لدى طهران وتل أبيب. في هذا السياق، يلفت المتخصص في الشؤون الإقليمية والدولية، الباحث أمجد جبريل، في تصريحات لـ"العربي الجديد" إلى أن إيران اتجهت تحت ضغط العقوبات الاقتصادية، إلى تطوير عقيدة دفاعية بديلة قائمة، أحد أركانها تطوير برنامج صواريخ باليستية وفرط صوتية لردع أي عدوان على أراضيها. وهو ما يؤكد عليه الباحث خالد محمود، بقوله إنها تعد استراتيجية أقل كلفةً وأكثر ملاءمةً لاستراتيجية "الحرب غير المتماثلة"، ورغم أن التعاون مع روسيا أو الصين، عبر صفقات محتملة مثل مقاتلات سو ـ 35 أو جي ـ 10، قد يُحدث تحسناً نسبياً، إلا أن ذلك لن يغلق الفجوة مع التفوق النوعي الإسرائيلي المدعوم غربياً.

على الجانب الآخر، تكشف قاعدة بيانات "سيبري" لحجم الإنفاق العسكري، تفاوتاً كبيراً في حجم الإنفاق العسكري لإيران وإسرائيل. في حين بلغت قيمة الإنفاق العسكري السنوي لإيران 7.9 مليارات دولار سنوياً، قُدر حجم الإنفاق العسكري الإسرائيلي 46.5 مليار دولار، أي ما يزيد عن خمسة أضعاف الإنفاق الإيراني. وتعكس نسبة الإنفاق العسكري من الناتج المحلي الإجمالي هذا التفاوت، إذ لا تتجاوز نسبة ما تخصصه إيران للدفاع سوى 2% من اقتصادها، وهي نسبة مستقرة عند هذا الحد منذ التسعينيات. أما إسرائيل، فتخصص ما نسبته 8.8% من اقتصادها للجيش خلال 2024، في سياق الحرب على غزة وغيرها من الهجمات والتي شملت إيران.

وتظهر أحدث بيانات "سيبري" أن جميع الطائرات المقاتلة العاملة حاليا في سلاح الجو الإسرائيلي أميركية، مع تعديلات خاصة للاستخدام الإسرائيلي. ويُلزم القانون الأميركي منذ 2008 بضمان "التفوق العسكري النوعي لإسرائيل". ووفق تقارير "سيبري"، فقد شكلت المقاتلات الحديثة ما نسبته 92% من واردات إسرائيل بين 2017–2021، بما في ذلك 31 طائرة أف ـ 35، إضافة إلى صفقات أف ـ 35 وأف ـ 15 جديدة أُقرّت في يناير/كانون الثاني 2024. وخلال منتدى ريغان الوطني للدفاع لعام 2024، شدد رئيس مجلس إدارة شركة لوكهيد مارتن، أكبر شركة أسلحة أميركية، جيم تايكليت، على أهمية المقاتلات المأهولة مثل أف ـ 35 في الحفاظ على التفوق الجوي.

وبحسب الباحث أمجد جبريل، فإن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك مقاتلات أف ـ 35 الأميركية، وربما الأهم من ذلك هو النفوذ الإسرائيلي المعروف في الكونغرس الأميركي، الذي توظّفه تل أبيب دائما لوضع "فيتو" على تسليح أي من دول المنطقة، على نحو يمكنه تهديد التفوق الإسرائيلي. ويوضح السجل الرسمي للكونغرس الأميركي أن إسرائيل طلبت شراء 50 طائرة متعددة المهام من طراز أف ـ 15 إيه آي، لمساعدة إسرائيل على مواجهة التهديدات الجوية. وتتميز هذه الطائرة بأنظمة حرب إلكترونية متقدمة، وحمولة أسلحة كبيرة.


أمجد جبريل: إسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك مقاتلات أف ـ 35 الأميركية

روسيا المورد الوحيد لإيران

أما إيران فقد استوردت كميات صغيرة من الأسلحة حيث شكّلت فقط 0.2% من واردات الأسلحة لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الفترة 2020–2024. وفي الفترة من 2020–2024 أصبحت روسيا المورد الوحيد لإيران، وقد شملت واردات إيران من الأسلحة الروسية خلال السنوات العشر الأخيرة أنظمة الدفاع الجوي، والصواريخ، والطائرات. ووفقاً لموقع الاتحاد الأوروبي، فإن العقوبات المفروضة على إيران تستهدف الطيران العسكري والطائرات المسيرة بالأخص. وتسلمت إسرائيل منذ 2016 نحو 33 طائرة من طراز أف ـ 35 آي أدير الشبحية (الجيل الخامس)، بجانب أسطول من طائرات الجيل الرابع المطورة مثل أف ـ 15 سي، وأف 16 آي، التي خضعت لبرامج تحديث مستمرة، إضافة إلى صفقة حديثة لطائرات أف ـ 15 أيه آي طُلبت عام 2024. في المقابل، لا تمتلك إيران أي طائرات من الجيل الخامس، وتقتصر على طائرات قديمة مثل سو ـ 25. وعلى صعيد الدفاع الجوي، أظهرت بيانات "سيبري" أن آخر استيراد إيراني من الصين كان عام 2004 لأنظمة كروتال، رغم حصولها لاحقاً على أس 300 من روسيا عام 2016. بينما واصلت إسرائيل تحديث دفاعاتها الجوية حتى عام 2023 بشراء نظامي القبة الحديدية، مع استمرار تطوير نظام باتريوت ودمجه ضمن طبقات الدفاع الجوي.

ويرى محمود، أن التفوق الجوي الإسرائيلي سيظل قائماً، بفعل تراكمات استراتيجية وتقنية ودبلوماسية، بينما ستستمر طهران في الاعتماد على أدوات غير تقليدية لتعويض هذا الخلل، من دون أن تنجح فعلياً في موازنته أو مجاراته في ظل الظروف القائمة ما لم يحدث تغيّر جذري في موازين التحالفات الدولية لإيران، أو قفزة تقنية عسكرية داخلية حقيقية، وهذا مشكوك فيه في ظل اختراق الموساد الإسرائيلي للداخل الإيراني. وهو ما تؤكده بيانات "سيبري" حول الفجوة الكمية بل والنوعية بين جيشي البلدين. ونتيجة لذلك تظل قدرة إيران على ردع الضربات الجوية مقيدة في أي حرب مقبلة، مقابل هيمنة تامة لسلاح الجو الإسرائيلي.