ترامب في عشاء الحزب الجمهوري، 8 إبريل 2025 (آنا مانيماكر/ Getty)
10 ابريل 2025   |  آخر تحديث: 04:12 (توقيت القدس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استخدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب لغة مهينة وغطرسة في تعامله مع الدول الحليفة والخصوم، مما يعكس نهجه في فرض سيادة قانون الغاب لتحقيق مصالحه الشخصية والسياسية.
- أكد ترامب على سياسته الخاصة بالتعرفات الجمركية، مما أثار انتقادات من داخل فريقه الحكومي ومن اقتصاديين يحذرون من تأثيرها على الاقتصاد العالمي.
- وصف المحللون أسلوب ترامب في السياسة الخارجية بأنه يعكس "غطرسة القوة"، مما أدى إلى توتر العلاقات وانعدام الثقة بين الولايات المتحدة وحلفائها.

أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أول من أمس الثلاثاء، تصريحات اعتُبرت مهينة وبعيدة عن الأصول والأعراف الدبلوماسية في السياسة الخارجية، والتعاطي التقليدي للولايات المتحدة مع الدول الحليفة أو في دائرة الخصوم. وهذه ليست المرة الأولى التي يرخي فيها ترامب العنان لمخيلته ولسانه وسرديته الشعوبية، لإثارة المتابعة والإعجاب واللغط، لا سيما لجذب قاعدته المرحبة بسياساته الحمائية والانعزالية، وإقناع المشكّكين بصوابية أسلوبه. فخلال ولايته الأولى، تحدث دونالد ترامب بسخرية عن "حلب" دول الخليج، في إشارة إلى حصوله على أموال النفط العربي. وبعد توليه منصبه لولاية ثانية، استقبل نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، وحاصره مع نائبه جي دي فانس بالضغط والتنمر و"الطرد"، ما شكّل علامة فارقة في تاريخ العلاقات الخارجية للبيت الأبيض، حيث يؤسّس ترامب في الولايات المتحدة لمرحلة من سيادة قانون الغاب، يقدم فيها مصلحته سواء المالية أو السياسية ويستخدم فيها لهجة التعالي والغطرسة أداةً للإخضاع وحتى الاستفراد إذا ما تسنى له ذلك، عبر دفع الدول إلى مفاوضات من موقع قوة.

طلب الرضى

وفي عشاء للجنة الوطنية لانتخاب النواب الجمهوريين، أقيم أول من أمس بالمتحف الوطني في واشنطن، أثار ترامب الجدل، بكيفية مقاربته لسياسته الخاصة بالتعرفات الجمركية، التي فرضها على عشرات الدول حول العالم، منها الحليفة كدول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا واليابان، وأعلاها التي فرضت على الصين وتخطت الـ100%. وأكد ترامب، بربطة عنق عقدة الفراشة، أن الدول "تقبل مؤخرتي" لإبرام اتفاقات مع أميركا، للوصول إلى حلّ بشأن الرسوم التي يحذر اقتصاديون من أنها قد تأخذ الاقتصاد العالمي للركود.

وأضاف ترامب، الذي أسّست أوامره التنفيذية، لوضع تتراجع فيه آليات المراقبة من الكونغرس لسياسات الرئاسة، أن زعماء الدول التي تطاولها الرسوم الجمركية "يتوقون للتوصل إلى اتفاق، ويقولون: من فضلك، من فضلك يا سيدي، فلنبرم أي صفقة، نحن مستعدون لفعل أي شيء سيدي"، مقلداً بسخرية توسل الزعماء، وذلك رغم النصائح الموجهة إليه من داخل فريق الحكومي، بضرورة التفاوض سريعاً، حتى تبدو الرسوم الأميركية، ذات مغزى، خشية تشكيك المجتمع بتسيّد "شريعة الغاب" في ممارسات السياسة الدولية، اقتصادياً وسياسياً ومالياً.

ترامب: زعماء العالم يقولون نحن مستعدون لفعل أي شيء سيدي

ويضع ترامب أسلوبه المتكبر والمتعالي والذي يستخدمه في تصريحاته المتعلّقة بخصوم الداخل والخارج، والتي لا توفر حلفاء الخارج، في إطار "عدّة الشغل"، وهو قالها صراحة بالعشاء الجمهوري، حين اعتبر موجهاً كلامه (دون تسمية) إلى السيناتور راند بول، المنتقد بشدّة لسياسة التعرفات، أن "لا أحد يعرف أن يفاوض مثله"، فيما ترى دول متضررة، على رأسها الصين، أن ما يمارسه الرئيس الأميركي هو ابتزاز دولي و"تنمر أميركي".

وكان المؤرخ الأميركي لورانس وايتنر، المناصر لقضايا العدالة الاجتماعية، كتب في موقع "فورين بوليسي إن فوكس"، في 4 مارس/آذار الماضي، عن نظرية "غطرسة القوة" التي حذّر منها سياسيون في الولايات المتحدة بستينيات القرن الماضي رفضاً لحرب فيتنام، مذكراً بأن الرئيس ليندون جونسون وصف فيتنام مرةً، بدولة "المؤخرة الحمقاء". واعتبر وايتنر أن هذه الغطرسة، ظهرت حين استقبل دونالد ترامب زيلينسكي ووبّخه وأهانه، في فبراير/شباط الماضي، مع إشاعة ترامب معلومات كاذبة، عن مدى سرقة أوكرانيا للأموال الأميركية، وأنها من أطلق شرارة الحرب مع روسيا. ويعود ذلك برأيه إلى عدم تكافؤ الفرص بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، في إشارة إلى التفوق الأميركي، معتبراً أن "غطرسة ترامب تلعب دوراً أساسياً في مقاربته للهيمنة الأميركية على العالم"، مذكّراً كذلك في تعاطيه مع كندا ورئيس حكومتها السابق جاستن ترودو. من جهتها، اعتبرت مجلة ذا إيكونوميست في تقرير لها بعنوان "ترامب يضع حدوداً جديدة للخطاب السياسي"، أن الأمر لا يقتصر على الملياردير الجمهوري، بل ينسحب على فريقه، مذكّرة بزيارة نائبه جي دي فانس الأولى إلى أوروبا بعد تسلّمه منصبه في يناير/كانون الثاني الماضي، حين أطلق خطاباً في ميونخ، وبّخ به القارة، وشجّع فيها على حكم اليمين المتطرف.

دونالد ترامب "الأميركي البشع"

واعتبر جايمس بورتون، في موقع جيوبوليتيكال مونيتور الكندي، في 6 مارس الماضي، أنه يجب القول "وداعاً" لـ"الأميركي الهادئ" (مقتبس من رواية للكاتب البريطاني غراهام نيل كتبت خلال حرب فيتنام). ورأى أن ترامب يعتمد "دبلوماسية عقد الصفقات الجافة والمتغطرسة"، والتي "تخدم نفسها بنفسها"، حيث إنها تتشابه أيضاً مع رواية "الأميركي البشع" (1958 – وليام ليديرير وأوجين بورديك)، والتي تصف المسؤولين الأميركيين (في ظلّ إخفاق السياسة الخارجية الأميركية في جنوب شرق آسيا)، بأنهم منعدمو المعرفة بعادات الدول الأخرى، محتقرون لقادة العالم، ومهووسون بالسلطة أكثر من الديمقراطية. وشدّد التقرير على أنه "بالإضافة إلى الإضرار بالعلاقات مع الحلفاء، فإن غطرسة ترامب تقدّم مثالاً واضحاً عن الأميركي البشع".

رغم ذلك، كان موقع بوليتيكو الأميركي، أشار في يناير 2021، مع تسلّم جو بايدن الرئاسة بعد أربع سنوات من ولاية دونالد ترامب الأولى، إلى ما وصفه بـ"الغطرسة الأميركية الشريرة" ومثيلتها "الجيّدة"، متحدثاً عن ارتياح أوروبي لعودة النمط الثاني، أي "الغطرسة التقليدية". وجاء ذلك بعدما أسّس ترامب في ولايته الأولى لانعطافة نموذجية في العلاقة مع الحلفاء ومع حلف شمال الأطلسي والمنظمات الدولية والأممية.

ورأت صحيفة نيويورك تايمز، في الثامن من إبريل/نيسان الحالي، أن سياسة ترامب "المتهورة" تقوم على "احرقها أولاً ولا تستعجل التبعات"، إذ أكد الخبير الاقتصادي جون ليبسكي من معهد أتلانتيك، أن دونالد ترامب أطلق حرباً تجارية عالمية "من دون أي حليف دولي". وكانت الصحيفة ذاتها اعتبرت في الخامس من إبريل أن ترامب يعامل الحلفاء الأوروبيين كـ"بقرة حلوب"، مشيرة في تقرير آخر بـ31 مارس، إلى أن واشنطن وحلفاءها دخلوا في دوامة من انعدام الثقة. وحذرت وكالة رويترز، في الرابع من إبريل، من أن الرئيس الأميركي قد يستخدم السياسة المالية سلاحاً ضد الحلفاء، لما تتمتع به الولايات المتحدة من عناصر ضغط على رأسها قوة الدولار. وكان خبراء حذروا لصحيفة ماين مورنينغ ستار في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، من أن ترامب زاد من استخدام "اللغة السوداء، التي تمزج بين الخوف والغضب والإهانات".

المساهمون