تتسارع المؤشرات على رفع الغرب المواجهة مع روسيا، باحتساب أن الحرب في أوكرانيا لن تتوقف قريباً. الشيء الراسخ في علاقة حليفي ضفتي الأطلسي، أوروبا وأميركا، تحمّلهما، ولو إلى حين، تكلفة زيادة جرعات المواجهة على طول جبهة الحرب الباردة (1947 ـ 1991) السابقة.
ليس فقط أن تدريب الطيارين الأوكرانيين على طائرات "أف 16" الأميركية انطلق بالفعل، بل وبحسب قراءات متخصصين في السياسات الغربية فإن رقعة المواجهة الغربية ـ الروسية تتسع. فأوكرانيا التي عرض قادة الغرب على رئيسها فولوديمير زيلينسكي نقله بداية الغزو إلى مكان آمن، وعرض إرسال ألمانيا خوذاً عسكرية، تتحول اليوم إلى حجر زاوية غربي هام، تُفتح لأجله المستودعات العسكرية.
صحيح أن موسكو، المصرة على تسمية حربها في أوكرانيا بـ"عملية خاصة"، تلتف على بعض العقوبات الغربية، لكن ذلك ليس نهاية القصة. فمجرد مناوراتها لمنع انهيار الاقتصاد بفعل العقوبات، وتحول "الردع" إلى ردود أفعال على تحركات عسكرية غربية، وكذلك تزايد تآكل خطاب الردع النووي، يكشف عن ضعف وعن معضلة مع إظهار أوروبا لأنيابها في مقابل مخالب الكرملين السابقة.
أحد مؤشرات النقل الغربي التدريجي لخطوط المواجهة، واستغلال الإحباط الروسي، أن ما ساد منذ 2014 فوق مياه بحر البلطيق، باضطرار طائرات دنماركية وسويدية إبعاد "سوخوي" الروسية ينقلب منذ غزو أوكرانيا إلى اضطرار موسكو لمطاردة الطائرات الأميركية فوقه، وعلى تخوم روسيا ذاتها.
الأربعاء الماضي أيضاً شهدت العاصمة النرويجية، أوسلو، مؤشراً آخر ينذر حقاً بعصر جديد من حرب باردة ـ ساخنة. فرسو حاملة الطائرات الأميركية "يو أس أس جيرالد فورد" في مينائها، وباستعراضية على طول مسار خليج أوسلو، فيه رسائل كبيرة، على ما يرى متخصصون في قضايا دفاعية.
فالنرويج، العضو في حلف شمال الأطلسي، لم تعد فقط تحتضن قواعد أميركية، بل تعتبر الوجود الأميركي ضامنا لأمن إسكندنافيا، غير آبهة بالاحتجاج "اللفظي" لموسكو، مثلما لم تعد كوبنهاغن تعير اهتماماً لاعتبار بعض وسائل الإعلام الروسية موانئها "أهدافاً مشروعة".
ومع ذلك يقرأ البعض تدرج تورط أوروبا وحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا، كما حصل مع قضية دبابات "ليوبارد" الألمانية ومنظومة "باتريوت" الأميركية، والآن "أف 16"، على أنه مخاطرة كبيرة.
فالروس ظلوا يكررون تحذير تجاوز "الخطوط الحمراء"، ومنها استهداف شبه جزيرة القرم الأوكرانية، التي استولت عليها روسيا بالقوة في عام 2014، باعتبارها "استهدافا لأراضي روسيا"، بينما واشنطن منحت أخيراً كييف ما يشبه ضوءاً أخضر لاستهدافها بأسلحة الغرب. وعلى حافة جرف خطر في علاقة موسكو بالغرب يترقب الجميع الخطوات التالية.