العملية العسكرية في مدينة غزة... تقدم متدحرج يبقي نافذة للتفاوض

29 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 04:12 (توقيت القدس)
قوات للاحتلال على الحدود مع غزة، 5 أغسطس 2025 (جاك غيز/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد غزة عملية عسكرية إسرائيلية مكثفة تحت اسم "عربات جدعون 2"، حيث تتقدم القوات البرية بعمق في المدينة بهدف تطويقها وحصارها، معتمدين على قوة نارية مكثفة لتقليل الخسائر البشرية.
- تتبع القوات الإسرائيلية نهجاً تكتيكياً يعتمد على التوغل الزاحف والتفوق الناري، مع استخدام آليات هندسية وروبوتات، بهدف خلق بيئة جغرافية طاردة للسكان والسيطرة على خطوط الإمداد.
- يحاول الاحتلال إطالة أمد العملية لتدمير الأحياء تدريجياً، مع إبقاء الباب مفتوحاً لاتفاق سياسي، مستخدماً تقنيات متقدمة وسياسة "الأحزمة النارية".

تأخذ العملية العسكرية في مدينة غزة التي تحمل اسم "عربات جدعون 2" طابعاً تصاعدياً مع تقدم قوات الاحتلال الإسرائيلي على الأرض تزامناً مع عمليات القصف الجوي والمدفعي التي تشهدها أحياء المدينة المختلفة. وشهدت الأيام القليلة الماضية تقدماً للقوات البرّية الإسرائيلية على الأرض، بشكل أكثر عمقاً في مدينة غزة، عبر السعي لتطويق المدينة وحصارها من محاور عدة، استناداً إلى قوة نارية أكثر عنفاً، مع أقل عدد ممكن من القوات البرّية العاملة على الأرض.

ويبدو الاحتلال الإسرائيلي متدرجاً في عمليته العسكرية في مدينة غزة لتفادي وقوع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف قواته على غرار ما حصل في عملية "عربات جدعون 1" التي قتل فيها أكثر من 42 جندياً وأصيب العشرات، وسعت فيها المقاومة الفلسطينية لأسر عدد من الجنود في أربع محاولات أسر جرى توثيقها.

وبحسب مصادر ميدانية، فإن قوات الاحتلال تتمركز في منطقة شارع الجلاء قرب حي أبو إسكندر شمالاً، فيما تثبت نقاطاً قرب منطقة المشتل، في الطرف الغربي الشمالي للمدينة، إلى جانب الوجود في أطراف شارع النفق شرقي المدينة، فضلاً عن التمركز في حي تل الهوا جنوبي مدينة غزة.

يسعى الاحتلال إلى تطويق مدينة غزة وحصارها من محاور عدة

وإلى جانب ذلك، يكثف الاحتلال الإسرائيلي من عمليات القصف الجوي والمدفعي على مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب المدينة، موقعاً خسائر كبيرة في صفوف المدنيين عبر سلسلة من المجازر. وبالتوازي مع ذلك، ينفذ الاحتلال الإسرائيلي عمليات نسف وتدمير للأحياء والمربعات السكنية في حي الصبرة جنوبي مدينة غزة، باستخدام الآليات العسكرية بشكل يومي ومكثف، في خطوة تعكس رغبته في تدمير المنطقة تماماً.

وتستمر العملية العسكرية في مدينة غزة على وقع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وجود مساعٍ لإنهاء الحرب في غزة عبر مبادرة سيعرضها ويناقشها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (اليوم الاثنين) تستند إلى نقاش جرى مع زعماء دول عربية وإسلامية (على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي). ورغم التسريبات بتسلّم حركة حماس لمقترح جديد، إلا أن الحركة أعلنت رسمياً عدم تسلمها أي مقترح جديد حتى الآن، وأن المفاوضات مجمدة منذ محاولة الاغتيال الفاشلة في العاصمة القطرية الدوحة (9 سبتمبر/أيلول الحالي).

وقالت الحركة في بيان لها أمس الأحد إن "المفاوضات متوقفة منذ محاولة الاغتيال الفاشلة في التاسع من هذا الشهر في العاصمة القطرية الدوحة"، مؤكدة "استعدادها لدراسة أي مقترحات تصل إليها من الإخوة الوسطاء بكل إيجابية ومسؤولية، وبما يحفظ حقوق شعبنا الوطنية".

النهج التكتيكي الإسرائيلي

بدوره، رأى الباحث والمختص في الشأن العسكري، رامي أبو زبيدة، أن النهج التكتيكي الذي يتبعه الجيش الإسرائيلي في مدينة غزة يرتكز على التوغّل الزاحف مدعوماً بتفوق ناري وتغطية جوية ومدفعية، يهدف إلى فتح محاور مؤقتة وتثبيتها قبل الانتقال إلى محاور أخرى. وأضاف أبو زبيدة في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذا الأسلوب يعكس خشية القوات الإسرائيلية من الكمائن والقنّاصين داخل البيئة الحضرية، ما دفعها إلى تعويض المخاطر البشرية بتفوق ناري واستخدام آليات هندسية وروبوتات للتفتيش والتمشيط.

وأوضح أن التكتيك الإسرائيلي يقوم على إقامة نقاط سيطرة بالتناوب، فضلاً عن سياسات تفريغ متعمدة لمسارات حركة السكّان عبر فتح ممرات محددة وغلقها، إلى جانب تدمير البنى التحتية والسكّانية والطبية لضرب قدرات المقاومة وإضعاف حاضنتها البشرية.

وبيّن أبو زبيدة أن الهدف الميداني يتعدى مجرد طرد المقاتلين من مبانٍ، إلى خلق بيئة جغرافية طاردة للسكان تسهّل السيطرة وتقطع خطوط الإمداد والدعم اللوجستي للمقاومة، مشيراً إلى المحاور التي يركز عليها الاحتلال حالياً، وهي شمال غزة وغربها والشمال الشرقي، إضافةً إلى المحور الجنوبي الغربي نحو تلّ الهوا والزيتون والبلد القديم، مع السعي لقطع الروابط بين الشطر الشمالي ووسط المدينة والجنوب وفتح الطريق الساحلي.

رامي أبو زبيدة: أسلوب الاحتلال يعكس خشيته من الكمائن والقنّاصين داخل البيئة الحضرية

وأضاف الباحث والمختص في الشأن العسكري أن هذا التمدد له بعد سياسي أيضاً، إذ يسعى الاحتلال لخلق "إنجاز ميداني" يؤثر بشروط التفاوض وصفقات التبادل المحتملة ورؤية ما بعد "حماس"، مؤكداً أن الجيش الإسرائيلي قادر على احتلال نقاط ومفاصل مؤقتاً، ما حافظ على التفوق الناري والتموين والغطاء الجوي واستدعاء احتياط كبير، لكنه شدد على أن التثبيت الدائم داخل بيئة حضرية كثيفة يتطلب وقتاً طويلاً وقوات احتياط واسعة وتكاليف بشرية ومادية باهظة، ما يجعل احتمالات الحسم الكامل في الظروف الراهنة ضئيلة.
وذكر الباحث أن سياسة التسوية العمرانية، أي تسوية أحياء بكاملها لفتح محاور حركة أمام المدرعات ووحدات الهندسة، تسهل المناورة العسكرية، لكنها تفرز ركاماً وفوضى عمرانية تزيد من خطورة الاشتباك وتوفر مكامن جديدة للمقاومة، كما ظهر ذلك في تجارب سابقة مثل رفح وخانيونس.

بطء العملية العسكرية في مدينة غزة

إلى ذلك، رأى الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا، أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل السيطرة على أجزاء واسعة من مدينة غزة في إطار العملية العسكرية التي أعلنها، مؤكداً أن ما يجري يهدف إلى تدمير الأحياء السكنية تدريجياً، مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام إمكانية التوصل إلى اتفاق مرتبط بملف الأسرى والضغوط الدولية المتصاعدة. وأوضح القرا لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال يحاول امتصاص ردود الفعل الدولية الغاضبة عبر إطالة أمد العملية العسكرية في مدينة غزة وتنفيذ عمليات تدمير واسعة دون ضجة، كما حدث في مناطق الزيتون، الصبرة، تل الهوا، شمال الشاطئ، وشمال الشيخ رضوان.

إياد القرا: الاحتلال يحاول امتصاص ردود الفعل الدولية الغاضبة عبر إطالة أمد العملية

وأضاف أن هناك رهاناً على إمكانية التوصل إلى صفقة تبادل أو اتفاق سياسي قد يوقف العملية، واصفاً ذلك بـ"إنقاذ اللحظات الأخيرة" الذي قد يتيح الحفاظ على أجزاء من قطاع غزة، يمكن البناء عليها في إعادة الإعمار مستقبلاً، وخصوصاً في غرب غزة، المنطقة الوسطى، خانيونس ورفح. وحذّر القرا من أن الاحتلال يدفع المدنيين الفلسطينيين نحو النزوح القسري عبر تكثيف القصف في الأحياء المكتظة، مبيناً أن "الضغط على السكان في الشمال ترافق مع استهداف متواصل للجنوب والوسط، حيث سقط معظم الشهداء من النازحين الذين لجأوا إلى هناك".

وأشار الكاتب والمحلّل السياسي إلى أن الجيش الإسرائيلي يتبع في ما خصّ العملية العسكرية في مدينة غزة سياسةً تقوم على تقليل خسائره الميدانية عبر استخدام الروبوتات والعربات المفخخة، إلى جانب سياسة "الأحزمة النارية" التي تمسح الأحياء السكنية بشكل شبه كامل، وهو النموذج ذاته الذي طُبِّق سابقاً في رفح وخانيونس والشجاعية وجباليا.

وبحسب القرا، فإن الاحتلال يكرّر هذا النموذج في مدينة غزة، لكن بطابع أبطأ وأكثر تدرجاً بسبب الكثافة العمرانية العالية ووجود مئات الأبراج السكنية، ما يجعل العملية أكثر تعقيداً وتحتاج إلى أشهر طويلة من التدمير المتواصل لتحقيق أهدافها.