العلاقة بين جونسون وعائلة ليبيديف: تأثير سلبي على سياسة بريطانيا؟

العلاقة الوثيقة بين جونسون وعائلة ليبيديف: تأثير سلبي للأموال الأجنبية على سياسة بريطانيا؟

24 مايو 2022
ليبيديف بقي عصيّاً على العقوبات البريطانية (Getty)
+ الخط -

فرضت الحكومة الكندية قبل أيام عقوبات جديدة على شخصيات روسية تنتمي إلى الأقلية الحاكمة، أو لديها صلات مع نظام فلاديمير بوتين، إضافة إلى حظر السلع الكمالية، كالفودكا والكافيار والماس، واعتبرت الحكومة الكندية أن هذه الخطوة تتماشى مع الإجراءات المماثلة التي فرضها "الحلفاء كالولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي".

وتغطي حزمة العقوبات الجديدة، بحسب وزيرة الخارجية ميلاني جولي، سلعاً تصل قيمتها إلى 75.7 مليون دولار، أي ما يعادل 47 مليون جنيه إسترليني، مضيفة أن "نظام بوتين سيحاسب على أفعاله غير المبرّرة ولن نحيد عن دعمنا لأوكرانيا وشعبها".

وقد يحلو لمعارضي الحكومة البريطانية أن يقرأوا ما بين السطور، وأن يروا في الخطوة هذه إحراجاً للحكومة البريطانية التي لم تحذُ حتى اليوم حذو "حليفها" الكندي في فرض عقوبات على ضابط الاستخبارات الروسية السابق ألكسندر ليبيديف. لا بل إن البعض يرى أن الخطوة الأخيرة هذه تمثّل تحديّاً سياسياً لرئيس الوزراء بوريس جونسون، نظراً لعلاقته الوثيقة بعائلة ليبيديف.

صحيح أن بريطانيا فرضت، يوم الجمعة الماضي، عقوبات على 386 عضواً في مجلس الدوما لاعترافهم باستقلال المنطقتين الانفصاليتين دونيتسك ولوغانسك، لكن ليبيديف بقي عصيّاً على العقوبات البريطانية، وما يحميه، بحسب منتقدي جونسون، هو العلاقة الشخصية التي تجمعه برئيس الوزراء، ما يجعل جونسون عرضة من جديد لتهمة "انتهاك القانون" عبر حمايته أصدقائه والمساهمة بتحويل لندن إلى "مغسلة أموال".

 كما أن بريطانيا، بحسب الكثيرين، لم تفعل حتى اللحظة سوى اللحاق بالركب في ملف العقوبات. فمعظم من أدرجتهم على قائمتها السوداء يخضعون لعقوبات أميركية وأوروبية. إضافة إلى أن قائمتها تضمّ ​​أقل من نصف الأشخاص الـ35 الذين حدّدهم زعيم المعارضة الروسي المعتقل أليكسي نافالني لتُدرج أسماؤهم في قائمة العقوبات بسبب "دورهم في دعم نظام فاسد".

تأثير سلبي محتمل للأموال الأجنبية

ويرى توماس ماين، الخبير في دراسات الفساد وسياسات آسيا الوسطى، في لقاء مع "العربي الجديد"، أن "الصداقة التي تجمع جونسون بليبيديف تسلط الضوء بشكل فعلي على التأثير السلبي المحتمل للأموال الأجنبية على سياسة المملكة المتحدة".

وأضاف ماين أنه في السنوات العشرين الماضية لم تُطرح أي أسئلة متعلّقة بالأموال الروسية إلى أن أقدمت روسيا على تسميم ألكسندر ليتفينيكو، الذي يحمل الجنسية البريطانية، على الأراضي البريطانية، عندها فقط "أدركنا أن روسيا ليست صديقة جيدة للمملكة المتحدة. ومع ذلك، واصلنا قبول الأموال من الأوليغارشية".

وقدّرت مجلة "فوربس" ثروة ألكسندر ليبيديف قبل الانهيار المالي عام 2008 بـ3 مليارات جنيه إسترليني. لكنه صرّح بعد الانهيار لصحيفة "ذا غارديان" بأن أسهمه تساوي مليار دولار، حيث جنى ليبيديف ثروته بعد "اعتزاله" العمل الاستخباراتي من صناعات أخرى، بما فيها الطيران.

وتملك العائلة صحيفة "إيفنينغ ستاندر" المجانية والشعبية في بريطانيا، إضافة إلى معظم الأسهم في صحيفة "ذا اندبندنت"، إلا أنها منيت بخسائر فادحة خلال الجائحة. كما أنها تمتلك أسهماً في صحيفة "نوفايا غازيتا" الروسية المعارضة.

ثلاثة عوامل أعادت إلى الواجهة الحديث عن علاقة جونسون بعائلة ليبيديف. العقوبات الكندية الأخيرة، وقبلها المعلومات التي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" عن وصول مبلغ يفوق الـ630 ألف دولار إلى "حزب المحافظين" في فبراير/ شباط 2018 من حساب روسي، إضافة إلى رفض الحكومة نشر معلومات طالب بها "حزب العمّال" المعارض حول حيثيات تعيين جونسون لرجل الأعمال يفغيني، نجل ألكسندر ليبيديف، في مجلس اللوردات، عام 2020، متجاهلاً بذلك تحذيرات جهاز الاستخبارات الخارجية MI5 الذي عبّر عن مخاوفه من هذه الخطوة.

وكان بنك "باركليز" قد أرسل، بحسب "نيويورك تايمز"، تنبيهاً للوكالة الوطنية للجريمة في يناير/ كانون الثاني العام الماضي، حول تبرّع كبير وصل إلى "حزب المحافظين" قبل انتخابات العام 2019، ما يشتبه في أن يكون "غسلاً" للأموال ومساهمة غير قانونية في دفع الحزب إلى الفوز الساحق.

وتسمح القوانين البريطانية للأحزاب السياسية بقبول تبرّعات لدعم حملاتها الانتخابية شرط ألا تزيد عن 500 جنيه إسترليني في حال وصلتها من مواطنين أجانب لا يحق لهم الإدلاء بأصواتهم. إلا أن "حزب المحافظين" لم يكتف باستلام مبلغ يزيد عن المسموح به بثلاثة أصفار (500 ألف جنيه إسترليني)، بل إنه استلمه أيضاً عبر تحويل سرّي من حساب روسي يملكه إيهود شيليغ، تاجر الفنون الثري، وعمّه والد زوجته سيرغي كوبيتوف، الذي كان عضواً سابقاً في الحكومة الموالية لروسيا في أوكرانيا، ويملك العديد من الشركات العقارية والفنادق في شبه جزيرة القرم، علاوة على أن اسمه غير مدرج في سجلّ الناخبين.

وبعد أن أصبح جونسون رئيساً للوزراء في انتخابات العام 2019، عيّن شيليغ أميناً وحيداً لصندوق "حزب المحافظين"، فابتكر شيليغ مجلساً استشارياً سرياً كشفت عنه لاحقاً صحيفة "التايمز" يتألف من مانحين محافظين فاحشي الثراء. كما حصل بعد فترة على لقب "فارس".

وكان شيليغ بالفعل أميناً "وفياً" للصندوق، إذ تهافتت على زمنه التبرعات المرتبطة بروسيا، حتى أنه تبرّع بنفسه بما مجموعة 4 ملايين جنيه إسترليني بين عامي 2017 و2020.

لتحقيق جدي بشأن التبرعات السياسية الروسية

وحول تلك التبرّعات المثيرة للشكوك، يقول الخبير ماين إن "المملكة المتحدة بدأت تدرك مدى جدية هذا السؤال. إلا أن الأمر معقد جداً، إذ يصعب في بعض الأحيان تعقّب مصدر الأموال القادمة من الخارج".

ويؤكّد ماين في المقابل أن "لدى المملكة المتحدة قيودا على التمويل السياسي، إلا أن بعض المموّلين يحملون الجنسية البريطانية أيضاً. وإن كنت مواطناً بريطانياً، فلا توجد الكثير من القيود حول ما تريد التبرّع به للأحزاب السياسية، لا سيما حزب المحافظين".

 ويرى الخبير في دراسات الفساد وسياسات آسيا الوسطى أن على وسائل الإعلام والرأي العام البريطاني في المملكة المتحدة "التجمّع من أجل الدعوة إلى إجراء تحقيق جدّي في التبرعات السياسية الروسية وفي قضية ليبيديف، وأيضاً في التأثير الروسي بشكل عام على المجتمع البريطاني وعلى السياسة البريطانية".

واتّهمت المعارضة الحكومة بمحاولة "التستّر" بعدما رفضت تعليمات مجلس العموم بالإفصاح عن معلومات حول قرار تعيين يفغيني ليبيديف في مجلس اللوردات على الرغم من تحذيرات الـMI5، لكن الحكومة تذرّعت بـ"حماية الأمن القومي"، معتبرة أن أي معلومات إضافية "ستقوّض سرية المرشّحين".

وسبق لليبيديف الابن أن دافع عن غزو بوتين لشبه جزيرة القرم عام 2017 في مقابلة مع محطة "بي بي سي"، وإن كان قد تراجع عن هذا الموقف مع الغزو الروسي لأوكرانيا، موجّهاً نداء للرئيس الروسي فلاديمير بوتين كمواطن روسي وبريطاني لـ"وقف قتل الروس لإخوتهم الأوكرانيين ولإنقاذ أوروبا من الحرب".  

بعد يوم من إدراج بريطانيا لسبعة من كبار رجال الأعمال الروس على قائمة عقوباتها، نظم سكان الحي الثري كينزينغتون وتشيلسي احتجاجاً أمام منزل رئيس دولة أذربيجان إلهام علييف، والذي يقدّر بملايين الدولارات.

وعلييف هو واحد من مئات الأثرياء الأجانب الذين استغلوا "تراخي" المملكة المتحدة لتكديس الممتلكات عبر شبكة شركات خارجية تخفي أصولها في كثير من الأحيان.

لـ"محاربة الأموال القذرة"

ويقول جو بويل، أحد مؤسّسي مجموعة "كينزينغتون من أجل محاربة الأموال القذرة"، لـ"العربي الجديد": "حملتنا ليست فقط ضدّ القلة الروسية. نحن نركز على الأموال القذرة القادمة من العديد من البلدان، خاصة العقارات الفاخرة في لندن. ونضغط من أجل مزيد من الشفافية بشأن هوية مالكي تلك العقارات والمتحكّمين بها".

وأضاف بويل أن "معظم العقارات مسجّلة من خلال شركات وهمية في ملاذ من الضرائب، مثل جزر فيرجن البريطانية"، كما قال إن مجموعته تريد من الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة التحقيق بشفافية في القضايا المتعلّقة بتبييض الأموال.

أما في ما يتعلق بالأموال الروسية، فتحدث بويل عن الشقة التي تملكها ابنة زوجة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في "هاي ستريت كينزينغتون" بولينا كوفاليفا، إضافة إلى البيت الفخم الذي يملكه رومان أبراموفيتش ليس بعيداً من هناك.

وعما إذا كانت مجموعته قد تلقت أي ردّ من الحكومة البريطانية بعد إطلاقها تلك الحملة، يقول بويل لـ"العربي الجديد": "قامت الحكومة بخطوة أولى جيدة في شهر مارس، حيث أصدرت تشريعاً لإنشاء سجل عام لملكية العقارات استناداً إلى قانون الجرائم الاقتصادية، إلا أنه تشريع متسرّع وينطوي على الكثير من الثغرات ولم نلمس جدّيته حتى هذه اللحظة".

ويقول بويل، الذي استندت حملة مجموعته على "وثائق باندورا"، إن من شأن غياب الشفافية أن يقوّض الديمقراطية وجهود المجتمع المدني لمحاربة الفساد، متسائلاً عن مصدر ثروة الرئيس الأذربيجاني الذي يتقاضى راتباً سنوياً لا يتجاوز رسمياً عتبة الـ175000جنيه إسترليني، في حين أن إمبراطورية العقارات التي يملكها في المملكة المتحدة تقدّر بـ600 مليون جنيه إسترليني.

ويقول بويل: "على الرغم من أهمية (وثائق باندورا) والصحافيين الاستقصائيين، إلا أن هذه المعلومات يجب أن تكون علنية، وأن تصرّح بها الحكومات بكل شفافية".

المساهمون