العلاقات المغربية الإسرائيلية: تسليم بهيمنة تل أبيب 

العلاقات المغربية الإسرائيلية: تسليم بهيمنة تل أبيب 

27 يوليو 2022
زار غانتس المغرب في نوفمبر الماضي (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

اختار وزير القضاء الإسرائيلي غدعون ساعر، الذي يزور المغرب منذ أول من أمس الإثنين، أن يمهد للزيارة بمقال نشر أمس الثلاثاء في صحيفة "الأحداث المغربية" ومجلة "لوبسيرفاتور" المغربيتين، ركز فيه على البعد الأمني للعلاقات المغربية – الإسرائيلية. 

يأتي هذا مع العلم أن الأمن ليس مجال اختصاص ساعر، إذ إنه المسؤول عن ملف القضاء والعدل، ويصرّ على منح التأييد المطلق لجنود الاحتلال في جرائمهم التي يواصلون ارتكابها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وجاء تركيز ساعر على البعد الأمني، على الرغم من أن زيارته إلى المغرب تأتي بعد أسبوع واحد فقط من زيارة رئيس أركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي لها. كما أعقبت زيارة وزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس إلى المغرب. وإلى جانب ساعر، يوجد حالياً في المغرب وزير التعاون الإقليمي في حكومة الاحتلال عيساوي فريج عن حزب "ميرتس" الصهيوني.

سعي لزرع بذور الفرقة بين الشعبين المغربي والفلسطيني

ويمكن القول إن الحالة المغربية، واستباق التعاون الأمني والعسكري والاتفاقيات الأمنية أي اتفاقيات تطبيع أخرى، تتزامن مع سعي إسرائيل لزرع بذور الفرقة بين الشعبين المغربي والفلسطيني، من خلال استعدادها لجلب آلاف العمال المغاربة في شتى فروع أعمال البناء، لسد النقص في العمالة المحلية، بفعل الحصار والحواجز والشروط التي تفرضها دولة الاحتلال على منح تصاريح للعمل في إسرائيل للعمال الفلسطينيين، مع اعتماد دولة الاحتلال على ما تفترضه مسبقاً بالأجور المتدنية للعمال المغاربة مقارنة بالفلسطينيين.


تسعى إسرائيل لزرع بذور الفرقة بين المغاربة والفلسطينيين
 

ويُستدل من تكثيف زيارات الوزراء الإسرائيليين المدنيين، بعد إتمام رسم خيوط التعاون الأمني والعسكري بين الطرفين، المنظور الحقيقي الإسرائيلي لشروط التطبيع والتحالف بينها وبين أي دولة عربية توقع على معاهدات سلام مع إسرائيل.

ومع أن التفاهمات الأمنية والعسكرية بين إسرائيل وكل من الأردن ومصر باتت اليوم معروفة، بفعل فضحها بالأساس من قبل الطرف الإسرائيلي، إلا أن الحالة المغربية تشبه إلى حد كبير حالة التحالف بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين، إذ سبق التعاون الأمني أي تعاون آخر، وكان حجر الأساس "لبناء الثقة" بين أنظمة هذه الدول وبين الاحتلال الإسرائيلي.

وفيما يشهر كل من المغرب والإمارات والبحرين اليوم الاتفاقيات الأمنية والعسكرية مع إسرائيل، فإن الأخيرة تحرص باستمرار على الإشارة لهذا النوع من التعاون، مع إبراز حقيقة عدم وجود علاقات رسمية بينها وبين الدول المقصودة. 

وكانت آخر هذه التصريحات تلك التي أطلقها الأسبوع الماضي وزير الأمن الإسرائيلي الجنرال بني غانتس، خلال مشاركة له في مؤتمر في الولايات المتحدة، أعلن فيه أن إسرائيل شاركت بأكثر من 150 تدريباً ومناورة عسكرية إقليمية ودولية، مع دول عربية لا تربطها بإسرائيل علاقات رسمية.

البعد الأمني مفتاح لأي علاقات مع الدول العربية

ويشكل البعد العسكري والأمني في المنظور الإسرائيلي اليوم المفتاح لأي علاقات مع الدول العربية، بعد أن كانت في سنوات ماضية تقبل بكل سرور بأي شكل من أشكال التعاون في أدنى مستوياته. وبعد أن كانت لا تجرؤ على أن تطرح، ولو نظرياً، أي شكل من التعاون والتنسيق العسكري، باتت اليوم تعرض "بضاعتها العسكرية" قبل أي شيء آخر.

والمفارقة التي تمثلها حالة المغرب، البعيد جغرافياً عن أرض الصراع الرئيسي في المنطقة، هي الاستقواء الواضح بإسرائيل وعتادها العسكري والسيبراني على جاراته العربية، بينما تمنح إسرائيل صكاً مفتوحاً في مواصلة ممارساتها القمعية والإجرامية تحت العبارة التي اختارها ساعر، في مقاله، بقوله: "المغرب وإسرائيل ملتزمان بهذه العلاقة، وحريصان على محاربة كل من تسول له نفسه ضرب استقرارهما وأمنهما".

ولم يكن الوزير ليبرز هذا البعد في العلاقات بين البلدين لولا إدراكه حجم التوظيف الإسرائيلي للنزاعات العربية الداخلية كمدخل للتسلل إلى الوطن العربي كله، حاملاً لواء الاستقرار والأمن والازدهار الاقتصادي، فيما يتطلع عملياً إلى بسط هيمنة إسرائيلية أمنية وعسكرية.

وتقوم الاستراتيجية الإسرائيلية في هذا المجال على أساس قبول المتصالحين العرب مع إسرائيل بالعقيدة الإسرائيلية بوجوب الخضوع والقبول كأمر مفهوم ضمناً، بشرط التفوق العسكري الإسرائيلي على كافة دول المنطقة، والسعي لأن تكون إسرائيل، ولا أحد غيرها، المزود الأساسي للمنظومات الدفاعية لهذه الدول، وبالتالي جعل أمنها مرتبطاً بالقرار الإسرائيلي في نهاية المطاف.

وبالرغم من الترويج والتغني بالعلاقات التاريخية بين المملكة المغربية ويهود المغرب الذين جُلِبوا إلى فلسطين في خمسينيات القرن الماضي، واستوطنوا قرى وبيوت من طردوا من فلسطين من أصحاب الوطن، وحتى محوا حياً مغربياً كاملاً، قرب باحات المسجد الأقصى لصالح بناء أول بؤرة استيطانية في محيط الحرم القدسي عند باحات ساحة البراق، إلا أن كل هذه العبارات التي تقوم على "الحنين للماضي ليهود المغرب" ليست أكثر من شعارات وبيع للوهم من جهة ومحاولة ترسيخ "علاقة أخوية" بين الشعب المغربي وبين المجتمع الإسرائيلي الصهيوني، ومحاولة كسر تقليد السلام بين الأنظمة، للقفز إلى سلام بين الشعوب.

ولعله من المفيد التذكير في سياق انتقال إسرائيل من مجرد استجداء الاعتراف وإقامة علاقات معها إلى بناء العلاقات على أساس التحالف العسكري، تحولها إلى المزود الأول للسلاح (ما دام لا يمكن لهذا السلاح المسّ بأمنها هي)، ببعض الصفقات التي زودت بواسطتها إسرائيل المغرب بوسائل قتالية ومنظومات دفاعية وبرامج هجوم سيبرانية، (مثل برنامج بيغاسوس) خلال "فترة القطيعة بين البلدين"، كانت فضخت أمرها الصحف الإسرائيلية، في الأسابيع الأخيرة.

فبحسب تقرير لصحيفة "هآرتس"، نشر بالتزامن مع زيارة كوخافي إلى المغرب، الأسبوع الماضي، فإن العلاقات والتعاون الأمني والاستخباراتي بين إسرائيل والمغرب يعود لسنوات طويلة إلى الوراء، منذ ما بعد حرب يونيو/ حزيران 1967، حتى إنه كان للموساد مكتب ومقر في المغرب. وفي تلك الفترة باعت إسرائيل المغرب مخلفات عتادها العسكري فرنسي الصنع، ولا سيما الدبابات والمدافع، عدا عن تزويد المغرب بخبراء ومستشارين عسكريين في حربه ضد جبهة "البوليساريو" في الصحراء.

إسرائيل تبيع المغرب طائرات بدون طيار

وفي عام 2014، اشترى المغرب من إسرائيل طائرات بدون طيار من طراز "هارون" بـ 50 مليون دولار. وفي 2021 اشترت المملكة من إسرائيل "مسيرات انتحارية" من طراز "هاروب". 


زودت إسرائيل المغرب بوسائل قتالية ومنظومات دفاعية
 

وفي مطلع العام الحالي أفادت تقارير بأن الصناعات الجوية الإسرائيلية ستزود المغرب بمنظومات دفاعية من طراز "براك إم إكس" المضادة للطائرات وكل أشكال التهديد الجوي، من المروحيات والمسيرات وانتهاء بالصواريخ الموجهة. 

كما كان المغرب من بين مجموعة الدول التي اشترت برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس" من تطوير شركة "أن أس أو" (NSO). وذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية أخيراً أن هاتف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد يكون استهدف من خلال البرنامج بعملية مراقبة "محتملة" لصالح المغرب.

المساهمون