العلاقات التركية السورية: تحالف دفاعي وقواعد عسكرية وتدريب الجيش

06 فبراير 2025
أردوغان والشرع في أنقرة، 4 فبراير 2025 (محمد علي أوزكان/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التعاون الأمني والعسكري: أكد الرئيسان السوري والتركي على العمل المشترك لمواجهة التهديدات الأمنية، بما في ذلك إنشاء قواعد عسكرية تركية في سوريا وتدريب الجيش السوري الجديد، مما يعكس تحولاً في العلاقات نحو شراكات استراتيجية.

- إعادة هيكلة الجيش السوري: تسعى سوريا لتجديد هيكل الجيش بالتعاون مع تركيا في مجالات الدفاع الجوي والطائرات بدون طيار، مع إمكانية نشر طائرات مقاتلة تركية لحماية السيادة السورية.

- التحديات الإقليمية والمبادرات المشتركة: أعلنت تركيا عن مبادرات إقليمية بالتعاون مع سوريا والعراق والأردن لمكافحة الإرهاب، مع استعدادها لدعم إعادة إعمار سوريا رغم العقوبات الدولية.

برزت تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، عقب محادثاتهما بالمجمع الرئاسي في أنقرة أول من أمس الأول الثلاثاء، بـ"العمل معاً على ملفات استراتيجية كبرى على رأسها بناء استراتيجية مشتركة لمواجهة التهديدات الأمنية"، بحسب ما أوردته وسائل إعلام غربية سبقت الزيارة، ومعلومات سابقة لـ"العربي الجديد" حول مضي البلدين، في إطار العلاقات التركية السورية بإبرام اتفاقات دفاعية، يتخللها نشر قواعد تركية ضخمة في الأراضي السورية.

وأكدت مصادر تركية دبلوماسية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، أمس، أن المواضيع الأمنية والدفاعية هي التي سيطرت على المحادثات بين أردوغان والشرع، وأخذت حيزاً كبيراً من المناقشات بشأن العلاقات التركية السورية وتم الاتفاق على إنشاء قاعدة عسكرية تركية في الوقت الحالي وسط سورية مستفيدة من قاعدة التيفور القريبة من مدينة تدمر وسط البادية السورية. كما شملت المحادثات مسألة تدريب وتأهيل وتدريب قوات الجيش السوري الجديد، ومواضيع إعادة الإعمار، والأوضاع شرق الفرات. ولفتت المصادر إلى أن هناك توافقاً في وجهات النظر في القضايا الأمنية والدفاعية، دون تقديم تفاصيل أكثر.

وكانت وكالة "رويترز" قد نقلت الثلاثاء الماضي عن أربعة مصادر مطلعة قولها إن أردوغان سيناقش مع الشرع، خلال الزيارة، إمكانية إنشاء قاعدتين عسكريتين تركيتين ومنظومات دفاع جوي في مطاري تدمر والتيفور، مشيرة إلى أن المناقشات تشمل السماح لتركيا باستخدام المجال الجوي السوري لأغراض عسكرية وتولي دور قيادي في تدريب الجيش السوري الجديد.
وكانت مصادر عسكرية سورية قد أشارت، لـ"العربي الجديد" في وقت سابق، إلى إمكانية نشر قوات تركية في مناطق جديدة وسط وجنوب سورية خلال الفترة المقبلة، مؤكدة أن القوات التركية المنتشرة في منطقة إدلب، التي تضم أجزاء من ريف حلب وريف حماة وريف اللاذقية شمال غرب سورية، كانت تستعد لنقل جزء من نقاطها العسكرية إلى ريف حمص وسط سورية، وريفي دمشق والقنيطرة غرب وجنوب سورية، وأن هذه النقاط ستحل مكان نقاط المراقبة العسكرية الروسية السابقة قبل سقوط نظام بشار الأسد.

ولفتت المصادر إلى أن هذه النقاط ستنتشر في بادية تدمر بريف حمص الشرقي، وفي محافظة القنيطرة المتاخمة للجولان السوري المحتل، إضافة إلى ريف دمشق. وأوضحت أن القوات التركية ستعيد توزيع نقاط مراقبتها على خطوط التماس مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) شمال وشمال شرق سورية، نظراً لتراجع أهمية بعض النقاط في إدلب، بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في مارس/ آذار 2020.
وفي منطقة إدلب شمال غرب سورية، والتي تضم أجزاء واسعة من ريفي حماة وحلب واللاذقية (منطقة خفض التصعيد الرابعة سابقاً)، 81 نقطة مراقبة عسكرية تركية، معظمها في منطقة جبل الزاوية جنوب إدلب، وكانت تنتشر على خطوط التماس مع قوات نظام الأسد. وتُعتبر نقطتا معسكر المسطومة بريف إدلب الجنوبي الغربي، ومطار تفتناز بريف إدلب الشمالي الشرقي، من أهم النقاط العسكرية التركية في شمال غرب سورية، حيث تشرفان على إدارة جميع النقاط التركية في المنطقة.

وفي إطار تطوير العلاقات التركية السورية قال أردوغان خلال المؤتمر الصحافي إن بلاده ستواصل دعمها الكامل للشعب السوري، واصفاً زيارة الشرع تركيا بأنها "تاريخية". ولفت إلى أنه ناقش مع الشرع الخطوات التي يتعين اتخاذها ضد المسلحين الأكراد في "قسد" شمال شرق سورية. وقال إن تركيا مستعدة لمساعدة القيادة السورية الجديدة في المعركة ضد تنظيم "داعش" والمسلحين الأكراد. وشدد على أن تركيا "مستعدة لتقديم الدعم اللازم لإعادة إعمار سورية"، وأن العقوبات الدولية عائق أمام نهوض البلاد. وقال، في هذا الصدد: "من المهم تقديم الدول العربية والإسلامية الدعم للإدارة الجديدة في سورية".

تحويل العلاقات التركية السورية إلى شراكات 

من جهته، شدد الشرع على تحويل العلاقات التركية السورية التاريخية إلى شراكات استراتيجية في كل المجالات. وأضاف أنه ناقش مع أردوغان ضرورة الضغط الدولي على إسرائيل للانسحاب من المنطقة العازلة في جنوب سورية، مردفاً: "نعمل معاً على ملفات استراتيجية كبرى على رأسها بناء استراتيجية مشتركة لمواجهة التهديدات الأمنية بما يضمن أمننا".
ويوم أمس الأربعاء، قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إن الشرع لديه موقف واضح تماماً تجاه تنظيم حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب، وهذا الموقف يلبي الاحتياجات الأمنية لأنقرة. وأوضح أن الدولة السورية ستعمل على إعادة جميع أعضاء تنظيم "العمال الكردستاني" الذين جاؤوا من بلدان مختلفة، أو القضاء عليهم لضمان وحدتها الوطنية. وفي ما يتعلق بمكافحة تنظيم "داعش"، أعلن فيدان عن مبادرات إقليمية مشتركة بين تركيا والعراق وسورية والأردن تهدف إلى إنشاء آلية تنسيق لمكافحة التنظيم.

وسائل إعلام تركية: الإدارة السورية تقدمت بمطالب أمنية

أميركا تخطط للانسحاب من سورية

ونقلت شبكة "أن بي سي نيوز"، أمس الأربعاء، عن مسؤولين في وزارة الدفاع (البنتاغون)، قولهما إن واشنطن تستعد لسحب قواتها من سورية. وأشار المسؤولان إلى أن الرئيس دونالد ترامب ومسؤولين مقربين منه أبدوا أخيراً اهتماماً بسحب القوات الأميركية من سورية، وفي هذا الصدد، بدأ مسؤولو البنتاغون وضع خطط للانسحاب الكامل للقوات الأميركية خلال 30 أو 60 أو 90 يوماً. في المقابل، قال المتحدث باسم "قسد" فرهاد شامي، لوكالة رويترز أمس، إن "قوات سوريا الديمقراطية" لم تتلق أي خطط لانسحاب القوات الأميركية من البلاد، معتبراً أن "داعش والقوى الخبيثة الأخرى تنتظر فرصة الانسحاب الأميركي لإعادة النشاط والوصول إلى حالة 2014"، في إشارة إلى سيطرة التنظيم على مناطق واسعة في سورية والعراق وقتها.

وسائل إعلام تركية، لا سيما صحيفة "خبر"، أشارت إلى أن الإدارة السورية تعمل على تجديد هيكل النظام وعقيدته العسكرية والأمنية بشكل كامل، وأنها تقدمت بسلسلة من المطالب في ما يتصل بأمن الحدود، فضلاً عن إعادة هيكلة الجيش. وأشارت الصحيفة إلى بنود أخرى تتعلق باتفاق دفاعي محتمل، تتضمن نشر تركيا 50 طائرة مقاتلة من طراز "إف-16" في هذه القواعد لمنع أي هجوم قد يستهدف سيادة البلاد، حتى اكتمال بناء القوات الجوية السورية. ولفتت وسائل الإعلام التركية إلى أن الحصول على طائرات بدون طيار مطلب أساسي للحكومة السورية من أنقرة، بالإضافة إلى نشر المزيد من الرادارات وأنظمة الحرب الإلكترونية وأنظمة الأمن المتكاملة على طول الحدود، خاصة من أجل السيطرة على الممر الحدودي مع إسرائيل.

ونقلت صحيفة "خبر" عن مصدر سوري قوله إن "تكنولوجيا الدفاع الجوي التركية تتمتع بأهمية كبيرة في القضاء على تهديد منظمة العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب الإرهابية وضد عمليات التسلل الإرهابية المحتملة التي قد تحدث بعد ذلك، وكذلك ضد الاحتلال الإسرائيلي والانتهاكات. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الطائرات بدون طيار التركية، التي تحظى قدراتها وتفوقها الميداني بالتقدير في جميع أنحاء العالم، ستضمن أمن حدودنا ضد تجارة المخدرات، التي كانت سياسة الدخل الوطني للنظام السابق على الحدود الأردنية، وتهديد حزب الله الذي قد يأتي من لبنان".

وفي إطار العلاقات التركية السورية كشف المصدر للصحيفة، عن زيارة أحد القادة العسكريين الأتراك سورية، ومناقشة العديد من التفاصيل التقنية، وأين وكيف سيتم نشر التكنولوجيا التركية. وأكد المسؤول السوري أن "بعض الدول الغربية على وجه الخصوص منزعجة من هذا التعاون". وقال: "لقد اتخذنا خيارنا"، موضحاً أن "الأخبار التي تتداولها وسائل الإعلام الغربية بهدف التخريب لا تعكس الحقيقة".

تعاون كبير بين البلدين

ورأى المحلل العسكري والاستراتيجي العميد فايز الأسمر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المرحلة المقبلة في العلاقات التركية السورية "ستشهد تعاوناً كبيراً بين تركيا وسورية، في ضوء زيارة الشرع أنقرة ولقائه أردوغان، ما يمهد لبناء تحالفات استراتيجية قد تشمل تحالفاً دفاعياً يضم البلدين". وأوضح أن "تركيا تعتمد على الجغرافية السورية باعتبارها عمقاً استراتيجياً لها، والعكس صحيح، إذ تسعى لتثبيت وجودها في سورية من خلال إنشاء قواعد عسكرية، مستفيدة من ضعف الدولة السورية الحالية وعجزها عن حماية حدودها، وهو ما يتجلى في تقدم إسرائيل وسيطرتها على عشرات الكيلومترات من المنطقة العازلة وتجاهلها اتفاقية عام 1974 (فض الاشتباك)".

فايز الأسمر: تركيا تسعى لتثبيت وجودها في سورية

وأضاف الأسمر أن "إقامة نقاط عسكرية تركية جديدة في سورية أمر وارد جداً، كما هو الحال مع النقاط الموجودة في الشمال السوري، مع احتمالية توسع هذه النقاط لتصل إلى وسط البلاد، وإنشاء قواعد عسكرية قد تشمل وسائط دفاع جوي. وهذا التطور يعكس شرعنة الإدارة السورية الجديدة للوجود العسكري التركي، الذي كان يُعتبر في عهد نظام بشار الأسد احتلالاً تركياً". وأشار إلى أن "المباحثات بين الرئيسين تناولت في إطار العلاقات التركية السورية التركيز على القضايا الأمنية ومكافحة الإرهاب، وتأسيس تحالف عسكري استراتيجي يشمل تسليح الجيش السوري وتدريبه. ومن المتوقع أن يتغير مصدر تسليح الجيش السوري مستقبلاً ليبتعد عن السلاح الشرقي، مع احتمال أن تلعب تركيا دوراً محورياً في عمليات التسليح والتدريب، ما قد يعزز ولاءات مستقبلية للإدارة التركية نتيجة لهذا التقارب السوري-التركي".

من جهته، رأى الصحافي والمحلل السياسي التركي هشام غوناي، أنه من الطبيعي أن يكون في إطار العلاقات التركية السورية تعاون بين الإدارة السورية الجديدة وتركيا، لا سيما أن أنقرة دعمت المعارضة السورية منذ البداية، لافتا، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه من الطبيعي أن يشمل ذلك التعاون العسكري. وأضاف غوناي: "ترغب الإدارة السورية الحالية باستخدام الأدوات العسكرية المستخدمة في المؤسسة العسكرية التركية، والتي تعتمد أنظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في الإعداد والحرب، وهذا يشير إلى أن الإدارة السورية تريد المضي باستراتيجية عسكرية مختلفة عن الاستراتيجية السابقة في عهد النظام المخلوع، الذي كان يعتمد نظام التجهيز والحرب الروسية".

وأعرب غوناي عن اعتقاده أنه "سيكون لتركيا دور في تغيير مفهوم العقيدة القتالية، من خلال عمليات التدريب والتجهيز والبناء للجيش السوري"، مشيراً إلى أن "هناك تحديات أمنية مشتركة لكل من سورية وتركيا، ما سيدفع إدارتي البلدين للتعاون المشترك في مكافحة التنظيمات الإرهابية، والممرات التي تشكل خرقاً أمنياً لا سيما في مسألة مكافحة المخدرات، وبالتالي فإننا قد نشهد اتفاقات دفاعية في أكثر من جانب، ولا بد أنها ستتضمن إنشاء قواعد تركية للتدريب والدفاع المشترك".

المساهمون