في موازاة الحرب الأوكرانية يخوض الأوروبيون في أسئلة مصيرية. فباختلاف أو اتفاق الأوروبيين على نموذج الحكم الديمقراطي، وأغلبه ليبرالي، يسود الآن نقاش حيوي حول أهمية التمسك بنماذج حكمهم، مقارنة بجيرانهم شرقاً، أو حتى جنوباً.
ولعل حجم الهواجس، التي تختلف عن تلك التي لدى بعض العرب، يجعلهم يبدون أكثر تبريراً لازدواجية ظاهرة، وليس بالضرورة قبولها بقدر فحص دوافعها، سواء تعلق الأمر باللاجئين، أو استدعاء مصير حلب السورية، التي تُركت كغيرها لمصيرها عربياً وغربياً.
الاصطفاف الكبير أوروبياً وراء أوكرانيا يعتبره الأوروبيون "ضروريا وحتميا" للدفاع عن نماذج حياتهم وحكمهم. فأوروبا لم تولد فيها الديمقراطية ودول القانون كمسلمات، بل بمسارات تاريخية دامية.
وكلما تطالب بعض النخب بالنموذج الروسي للحكم (بل وحتى الصيني) يصاب الأوروبي بفزع على مرض ديمقراطيته، في سياق التطرف القومي، أو بما أصيبت به ألمانيا في ظل الحكم النازي، في ثلاثينيات القرن الماضي.
صور قمع معترضين على الحرب في موسكو وسان بطرسبرغ، واستصدار قوانين تجرم من يعبّر عن رأي خارج أحادية سردية الكرملين، تعمق، وغيرها من الممارسات، نقاشات الأوروبيين عن افتراق نموذجي حكم: تعددي ديمقراطي وتسلطي قمعي.
فتلك الشوارع لم تعتد على أحادية السرد، وهي بنفسها التي تظاهرت بالملايين في أثناء التحضير لغزو العراق 2003، من دون أن يُخوّنوا، وبالتالي تعبير الشوارع نفسها عن رفضها للغزو الروسي في أوكرانيا أكثر مما جرى في سورية يتعلق بالقلق جدياً على المستقبل.
في كل الأحوال، وبعيداً عن الظواهر الشعبوية، التي لا تخلو منها موسكو ولا حتى شوارع عربية، فإن حالة الحرب والقلق في مجتمعات أوروبا تشكل فرصة لتفاعل من نوع آخر مع قضايا عربية متعددة.
ومثلما تستحضر بعض النخب الأوروبية مقاربات تتعلق بالاحتلال في فلسطين والتدخل الروسي الدامي في سورية، وقوافل لاجئي 2015، ومن بوابة افتراق مفهومي "العدالة" وما يطلقون عليه "البلطجة بالقوة"، فهي أيضاً فرصة أخرى للضغط على أوروبا نحو سياسة لا تفضل الاستبداد باسم "الاستقرار" والمصالح في عموم دول الجنوب، التي يقلد بعض حكامها حرفياً سياسات الكرملين، بما فيه نظام دمشق بحجة "النيل من هيبة الدولة".