استمع إلى الملخص
- الوضع في مستوطنة المطلة: لا يزال الدخول ممنوعاً بسبب كونها منطقة عسكرية مغلقة، وتعرضت لضربات قوية. رئيس المجلس المحلي يعارض اتفاق وقف إطلاق النار لعدم تحقيقه الأمان الكافي.
- كيبوتس منارة والتدابير الأمنية: لم يعد السكان إليها، وتبدو كمنطقة أشباح. تم وضع أسلاك شائكة وأكياس رملية للحماية، مع استمرار القلق من التسلل وتضرر البنية التحتية.
أجرى "العربي الجديد" جولة رصد خلالها المناطق الإسرائيلية القريبة من الحدود مع لبنان، بعد ساعات من إعلان وقف إطلاق النار على الجبهة الشمالية، في وقت تبدو فيه تلك المناطق شبه خالية، مليئة بالمركبات المدمرة والمنازل المتضررة، فيما يواصل جيش الاحتلال حظره التواجد في مناطق أخرى.
الطريق إلى كريات شمونة
مركبة هنا وسيارة هناك في الطريق إلى كريات شمونة، القائمة على أراضي قرية الخالصة المهجرة، في اليوم الثاني من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله. أما المستوطنات والبلدات الأصغر التي زارها مراسل "العربي الجديد" فحالها أسوأ، وتكاد تكون مناطق أشباح. الدمار في كل مكان، مبانٍ كثيرة تبدو "واقفة" لكن داخلها مهترئ بفعل صواريخ حزب الله، ما قد يعرّضها للانهيار أو الهدم لاحقاً، إذ لم تعد صالحة للسكن.
الطريق إلى كريات شمونة كانت دون أي عوائق، في نقطة ما داخلها بدا الدمار كبيراً على منزلين، فيما يقول سكان المنطقة إنّ الأضرار طاولت عشرات المنازل في محيطهما. أكثر من 80 منزلاً تضررت على نحو كبير، ونحو 400 بشكل أقل، عدا عن وقوع عدد من القتلى والجرحى. لكن عدداً كبيراً من السكان الذين غادروها منذ بداية الحرب، وخاصة في الشهرين الأخيرين مع تصاعد الأوضاع أكثر على الجبهة الشمالية مع لبنان، لم يعودوا إليها بعد.
الكثير من المطاعم والمصالح التجارية أغلقت أبوابها منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، اليوم التالي لعملية "طوفان الأقصى" التي نفّذتها حركة حماس، ولم يعد أصحابها إليها. بدا واضحاً للمتجول في المكان أن الكثير من المحال مهجورة منذ فترة طويلة.
المطلة منطقة عسكرية مغلقة
لا يزال الدخول إلى مستوطنة المطلة ممنوعاً، وهي المُطلة على جزء من الأراضي اللبنانية. قبل الوصول إلى بوابتها، تشي بذلك المركبات العسكرية الكثيرة والدبابات المنتشرة في المنطقة. على بوابتها جنود يعيدون كلّ من يصل إلى المكان، حتى الصحافيين، أما حجتهم فهي "هذه منطقة عسكرية مغلقة"، لا تزال كذلك وستبقى، وفق ادعائهم، لأيام عدة. تلقت المطلة ضربات قوية أدّت إلى تضرّر معظم منازلها بدرجات متفاوتة، فضلاً عن عن الإصابات البشرية. رئيس مجلسها المحلي ديفيد أزولاي من أشد المعارضين لاتفاق وقف إطلاق النار الحالي، ويعتبره عودة إلى "سياسة الاحتواء"، وأن "شيئاً لم يتغير منذ 7 أكتوبر". ويمثل موقف أزولاي موقف العديد من رؤساء السلطات المحلية في البلدات والمستوطنات القريبة من الحدود الذين يرون أن وقف إطلاق النار لم يحقق الأمن المطلوب لإعادة السكان.
أسلاك شائكة داخل المنازل خشية تسلّل حزب الله
تابع مراسل "العربي الجديد" جولته في المنطقة. وكان "كيبوتس منارة" المحطة التالية. لم يكن دخوله سهلاً، وتطلّب اتصالات وتنسيقاً. مستوطنة في أعالي الجبال، تترك كريات شمونة وسهل الحولة تحتها من الشرق، أما الأراضي اللبنانية فتحيط بها من ثلاث جهات، وكأنها شبه جزيرة تحيط بها نيران الحرب. من إحدى الجهات تُرى بالعين بعض المباني والمنازل المدمّرة في ميس الجبل جنوبي لبنان. وبين الفينة والأخرى يُسمع صوت القصف الإسرائيلي، بحجة "إبعاد عناصر حزب الله الذين يحاولون الاقتراب".
وتعبّر المستوطنة إلى حد كبير عن حال معظم المستوطنات في المنطقة، التي لم يعد سكانها إليها، "مناطق أشباح" بالمعنى الحرفي. غالبيتها تضم بضع مئات، وبالمجمل ترك عشرات الآلاف المناطق القريبة من الحدود. عدد من في المستوطنة أكثر بقليل من عدد أصابع اليد الواحدة من أصل نحو 300. أحد السكان الموجود بسبب مهام الحراسة التي يقوم بها، قال إن أكثر من 80% من المنازل تضرّرت. منها ما دُمر ومنها ما زال قائماً، ذلك أنه مصنوع من الإسمنت المسلّح، لكن الأضرار الداخلية قد تكون كافية لهدم معظم المباني وإعمارها من جديد. أما السكان فلم يعودوا. فضلاً عن هذا فقد قال إن نحو ستة منهم قد فارقوا الحياة بعد إخلائهم إلى فنادق وتغيّر نمط حياتهم المعتاد في مكان كان قبل الحرب ساحراً وهادئاً.
في نقطة قبالة الأراضي اللبنانية يحذّرنا شخص من الوقوف: "حتى الأمس (الأربعاء) كان الوقوف هنا ممنوعاً. كانوا يطلقون علينا الصواريخ مباشرة كلما رأوا شخصاً في المكان". ومن مكان قريب يُمكن سماع أصوات أفراد تابعين لقوات تابعة للأمم المتحدة.
كان لافتاً وجود أسلاك شائكة داخل العديد من المنازل التي دخلها "العربي الجديد"، خاصة على السلالم (الأدراج)، أما التفسير فخشية تسلّل عناصر من حزب الله. وقبالة كل مبنى أكياس مملوءة بالرمل، على ارتفاع نحو نصف متر، يحتمون خلفها أحياناً، ويجهّزون سلاحهم إن شكوا في وجود تسلل. كلّما سُمع صوت يدلّ على حركة، صاح أحد الحراس في محاولة لمعرفة من هناك. يتأكدون حتى بعد اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تنتهكه إسرائيل، من أن عناصر حزب الله لم يتسللوا إلى المكان.
رائحة الحرائق تفوح من كل مكان، من المنازل المتضررة والأحراش في المستوطنة ومحيطها. السواد غالبٌ والأمن غائبٌ. أما التلفريك الذي يربط بين كريات شمونة والمنارة فمعطّل ومدمر، كما السياحة في سائر المنطقة الخلّابة. خسائر بشرية ومادية كبيرة، لكنه لا شيء أمام المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال في لبنان، والدمار الذي خلّفه هناك.