كشف مسؤول أمني عراقي رفيع في بغداد عن ضغوط سياسية داخلية على حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أرجأت عملية نقلٍ كانت مقررة لدفعة من معتقلي تنظيم "داعش" من الجنسية العراقية، الموجودين لدى "قوات سورية الديموقراطية" (قسد)، بمحافظة الحسكة السورية.
وتضم السجون التابعة لمليشيات "قسد" المئات من المعتقلين العراقيين من أعضاء تنظيم "داعش". وقد تسلّم العراق خلال السنوات الماضية العشرات منهم في إطار برنامج أمني ركز على تسلم قيادات التنظيم البارزة لغرض محاكمتها وفقاً للقوانين العراقية النافذة بالبلاد، بالتعاون مع قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
وتسبب هجوم تنظيم "داعش" على سجن غويران في الحسكة في العشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي، بإحياء المخاوف العراقية من خطورة الأوضاع في سجون "قسد"، وإمكانية فرار عناصر التنظيم من هذه السجون وانتقالهم مجدداً إلى العراق، إذ يقع أقرب تلك السجون على بعد 40 كيلومتراً من الحدود العراقية وتحديداً مع محافظة نينوى التي ما زالت مرتبكة أمنياً.
مسؤول أمني: خطة استعادة عناصر داعش العراقيين على شكل دفعات ومحاكمتهم، توقفت حالياً بسبب ضغوط سياسية
توقف خطة استعادة عناصر "داعش" العراقيين من سجون "قسد"
ووفقاً لمسؤول أمني عراقي في جهاز الأمن الوطني ببغداد، فإن الحكومة "بذلت طوال الفترة الماضية جهوداً كبيرة لاستعادة عناصر خطرة بتنظيم داعش موجودة لدى قسد، لضمان تلاشي فرص هروبها وتشكيلها خطراً في المستقبل". ويلفت إلى أنها "نجحت في تسلم عدد من هؤلاء فعلاً في الأشهر الماضية عبر قوات التحالف الدولي الذي تولّى التنسيق بهذا الملف بين العراقيين وقسد".
وأضاف المسؤول لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، أنّ "خطة استعادة عناصر داعش العراقيين على شكل دفعات ومحاكمتهم، توقفت حالياً بسبب ضغوط سياسية تمثّلت باعتراضات على العملية بالمجمل من قبل قوى نافذة، ومن غير المستبعد ترحيل الملف إلى الحكومة الجديدة".
لكن المسؤول أعرب عن أمله في أن "تساهم جهود حالية لمسؤولين أمنيين بالحكومة اتجاه القوى السياسية المعترضة، في شرح خطورة بقاء هذه السجون على مقربة من العراق بيد جهات غير مؤهلة للمهمة، وإقناعها بأن من مصلحة العراق تسلم هؤلاء وإعادة استئناف تنفيذ الخطة مجدداً".
وتحدث المسؤول عن "خطة متكاملة لاستلام المعتقلين من قسد، وتوزيعهم على سجون مختلفة داخل العراق، بحيث لا يتركون في سجن واحد، ومن ثم محاكمتهم وفقاً للقوانين العراقية، قبل أن تتعثر هذه الخطة بفعل الاعتراضات السياسية".
مخاوف واعتراضات على استعادة معتقلي "داعش" العراقيين
وحول هذا الملف، قال العضو البارز في تحالف "الإطار التنسيقي" الذي يضم قوى مدعومة من إيران، النائب محمد الصيهود، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن تحالفه "لديه مخاوف كبيرة من نقل قادة وعناصر تنظيم داعش الخطرين من السجون في سورية إلى العراق، خصوصاً أن خطوة كهذه تأتي جراء ضغوطات أميركية على الحكومة العراقية".
وتحدث الصيهود عن "خشية من محاولة استخدام هؤلاء المعتقلين كورقة ضغط على الحكومة أو على بعض الأطراف السياسية العراقية، بعد نقلهم إلى داخل العراق، فهؤلاء سيشكلون خطراً كبيراً في حال تم تهريبهم خلال عملية النقل أو بعد نقلهم إلى السجون العراقية".
الصيهود: لدينا خشية من محاولة استخدام هؤلاء المعتقلين كورقة ضغط على الحكومة أو على بعض الأطراف السياسية العراقية
وأكد المتحدث نفسه أن "عملية نقل المعتقلين من سجون الحسكة للعراق توقفت فعلاً، بعد موجة رفض لها من قبل قوى سياسية، لما لها من مخاطر كبيرة على الأمن العراقي، خصوصاً في ظل حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها مصطفى الكاظمي". ولفت إلى أن "هذا الملف الخطير يجب أن تعمل عليه الحكومة الجديدة، من دون أي ضغوط عليها من أي جهة خارجية تريد جعل العراق سجناً كبيراً لعناصر تنظيم داعش".
ترحيل ملف معتقلي "داعش" للحكومة العراقية الجديدة
وفي السياق ذاته، قال الخبير في الشأن العراقي أحمد الشريفي، إن المعلومات المتوفرة لديه تشير إلى "ترحيل الملف للحكومة الجديدة".
وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد" أن "العراق منذ فترة يستشعر الخطر والتهديد الكبير من وضع سجون الحسكة، خصوصاً بعد الحادثة الأخيرة في سجن غويران، ويدرك خطورة بقاء معتقلين خطرين كهؤلاء بيد جماعات مسلحة غير رسمية، مثل قسد. ولهذا، هو يريد ضمان عدم هروب هؤلاء من خلال نقلهم إلى سجون مُحكمة لديه".
وأوضح الشريفي أن "تأجيل عملية نقل قادة وعناصر تنظيم داعش من سجن الحسكة إلى العراق، إلى ما بعد تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، له أسباب عدة، منها الوضع السياسي غير المستقر، والذي أثّر بشكل كبير على الوضع الأمني من خلال ارتفاع العمليات الإرهابية في مدن عراقية مختلفة، كذلك بسبب وجود ضغوط ورفض سياسي لنقل هؤلاء".
الشريفي: العراق يريد ضمان عدم هروب هؤلاء من خلال نقلهم إلى سجون مُحكمة لديه
وتابع "ولهذا، فإن حكومة الكاظمي لا تريد حالياً خلق مشاكل سياسية جديدة، لكن نقل هؤلاء المعتقلين فيه حفظ للأمن القومي العراقي، من خلال إنهاء تشكيل هؤلاء لأي خطر على العراق في المرحلة المقبلة".
وفي الثالث والعشرين من يناير الماضي، أعلنت القوات العراقية تعزيز وجودها على حدودها الشمالية الغربية المحاذية لمناطق دير الزور والحسكة السورية. وجاء ذلك بعد يومين من الهجوم الذي نفذه مسلحو "داعش" على سجن غويران في مدينة الحسكة، تحسباً لانتقال العناصر الفارة إلى داخل الأراضي العراقية.
وخلال الفترات الماضية، أجرت القوات العراقية عمليات عسكرية متتابعة لضبط أمن الحدود مع سورية، ضمن محافظتي الأنبار ونينوى، وتضمنت نشر وحدات عسكرية واستبدال أخرى، ونصب أبراج وكاميرات مراقبة، وغير ذلك من الإجراءات. كذلك نفذت عمليات عسكرية بإسناد من الطيران العراقي، لمنع عمليات التسلل.
ويُعدّ ملف الحدود العراقية مع سورية، التي تمتد لأكثر من 600 كيلومتر، أحد أبرز الملفات الأمنية التي تواجهها البلاد، لا سيما في ظل الكثير من عمليات التسلّل لمسلحي التنظيم لشنّ عمليات واعتداءات إرهابية يذهب ضحيتها مدنيون وأفراد أمن.