العراق يبدأ تقييم "اتفاقية الجزائر" مع إيران لترسيم شط العرب

خبراء عراقيون يبدؤون تقييم "اتفاقية الجزائر" مع إيران: خط التالوك في شط العرب والأنهر المشتركة

17 فبراير 2022
أهمل العراق صيانة جانبه ما تسبب بزحف مجرى شط العرب إلى داخل الأراضي الإيرانية (Getty)
+ الخط -

في خطوة هي الأولى من نوعها، بدأ فريق حكومي عراقي في بغداد، يضم خبراء بالأمن والدفاع ودبلوماسيين وأساتذة جامعات وباحثين، بعقد ورشة عمل لبحث بنود "اتفاقية الجزائر" بين العراق وإيران، الموقعة في العام 1975 بين البلدين، والتي كانت لاحقاً أحد أسباب اندلاع حرب الثماني سنوات (1980 ولغاية 1988).

ووفقاً لبيان صدر عن مكتب مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي أمس الأربعاء، فإن الأخير ترأس ورشة عمل بعنوان (اتفاقية الجزائر عام 1975 بين الإلغاء أو التنفيذ)، بحضور رئيس دائرة الدول المجاورة والمستشار القانوني في وزارة الخارجية وأساتذة القانون والدراسات الاستراتيجية في الجامعات العراقية والمختصين في وزارات الدفاع والنقل والموارد المائية ودائرة المستشارين والموانئ العراقية.

وبحسب البيان، فإن "الورشة تضمّنت مراجعة قانونية وسياسية شاملة لاتفاقية الجزائر لعام 1975 وفقاً لمصالح الأمن القومي العراقي، حيث جرى استعراض الموقف القانوني من الاتفاقية، والتطرق إلى المشكلات المتعلقة بالأنهار المشتركة بين العراق وإيران، فضلاً عن مناقشة أوضاع ترسيم الحدود البرية والبحرية والمخافر الحدودية البرية".

وبيّن أن الاجتماع خلص إلى "الاتفاق على عقد عدة اجتماعات وتوسيع دائرة المشاركة فيها، للخروج برؤية وطنية موحدة حول هذا الملف".

وفي العام 1975، وقعت بغداد وطهران في الجزائر اتفاقية مشتركة بشأن ترسيم الحدود المائية والبرية بين البلدين، برعاية الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين.

وتتضمن الاتفاقية عدة بنود تتعلق بالحدود المشتركة، جرى خلالها قبول العراق بالتنازل عن نصف شط العرب في البصرة لإيران، وهو ما اعتبر اتفاقاً سياسياً آنذاك، حيث كان العراق يتعرض لضغوطات إيرانية مرتبطة بالوضع شمالي البلاد، ودعم إيران حركات مسلحة كردية عراقية كانت تواجه الجيش في أربيل والسليمانية ومناطق أخرى من البلاد.

لكن العراق أعلن عام 1980 وقف العمل بالاتفاقية مع إيران إثر التصعيد العسكري على الحدود بين البلدين، الأمر الذي كان شكّل شرارة لحرب الثماني سنوات.

وفي مارس/آذار 2019، أصدر العراق وإيران بياناً مشتركاً بعد زيارة للرئيس السابق حسن روحاني إلى بغداد، أعلن فيه الطرفان "عزمهما الجاد على تنفيذ اتفاقية الحدود وحسن الجوار بين العراق وإيران لعام 1975"، في إشارة إلى "اتفاقية الجزائر".

ويبلغ طول شط العرب نحو 200 كيلومتر وعرضه يصل إلى كيلومترين، ويعد شرياناً مهماً للعراق من الناحية الاقتصادية، ويعتبر القناة الملاحية للسفن المتوجهة إلى موانئ البصرة من الخليج العربي، وهو مصدر رئيس لري بساتين النخيل في مناطق جنوبي العراق، ويرتبط مع إيران، ويفصل الحدود المائية بين البلدين، ما يُعرف بـ"خط التالوك"، وهو خط وهمي يمثل نقطة خط القعر، بحسب الاتفاقية.

لكن ترك العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003 عمليات صيانة الجزء الخاص به من المياه أدى لحدوث عمليات طمر كبيرة فيه، على عكس الجانب الإيراني المواظب على الصيانة والتنظيف، ما تسبب بزحف مجرى شط العرب إلى داخل الأراضي الإيرانية على حساب العراق خلال السنوات الـ18 الماضية.

ويقول مسؤولون في البصرة إن العراق يخسر سنوياً مساحات كبيرة من مياهه بفعل ذلك، عدا عن استغلال الجانب الإيراني ذلك في عمليات الحفر لزيادة عمق شط العرب من جانبهم، بما يخالف الاتفاق الدولي، الذي يقر بوجوب وجود عمليات مماثلة من العراق وبالتساوي.

وفي العام الماضي، عاد ملف التجاوزات الإيرانية على الحدود المائية العراقية في شط العرب إلى الظهور مرة أخرى، بعد مقال نشره وزير النقل العراقي السابق كاظم فنجان الحمامي، قال فيه إن إيران أنشأت محطتها الملاحية الأولى فوق حطام رافعة عراقية غارقة في منتصف مدخل شط العرب من جهة الخليج العربي، فضلاً عن المباشرة في تثبيت ركائز وقوائم فولاذية جديدة لتقيم عليها محطة أخرى في مكان وصفه الحمامي بـ"المثير للقلق".

مسؤول عراقي في وزارة الخارجية قال لـ"العربي الجديد"، خلال اتصال هاتفي معه، إن ورشة العمل، التي عقدت ببغداد يوم أمس، كان هدفها الاستماع إلى خبراء عراقيين ومعرفة رأيهم قبل توجّه العراق للدخول بأي مفاوضات مع إيران في هذا الإطار".

مضيفاً أن هناك عدة ملفات حدودية مع الإيرانيين، أبرزها ترسيم الحدود البرية والمائية، وحقول النفط المشتركة وتقاسم مياه روافد الأنهار ووقف الألسن الملحية التي تصل إلى شط العرب سنوياً وتتسبب بتلوث وضرر بيئي كبير في الجانب العراقي".

وتابع: "المقصود بعبارة (بين الإلغاء والتنفيذ)، عند الحديث عن اتفاقية الجزائر، هو الإشارة الواضحة إلى أنها غير مُفعلة، والوضع حالياً مستمر وفق تفاهمات بين الجانبين لا أكثر، ويجب وضع تأطير قانوني معترف به دولياً، وهو ملف بات تحت الإجراء في مستشارية الأمن القومي العراقي ولجنة من وزارتي الخارجية والدفاع".

وأكد المسؤول أن أي اتفاق يجب أن يكون وفقاً لموقع خط التالوك القديم، وهو مناصفة شط العرب بين البلدين بعد إعادة عمليات رفع الرواسب والطمي من الشط إلى ما كان عليه، حيث إن الزحف الأخير للشط كان على حساب الأراضي العراقية لصالح الجانب الإيراني، وهو ما يتفهمه الإيرانيون جيداً، حيث كانت هناك عمليات كري من جانب واحد، وهو إيران، طوال السنوات الماضية وهذا عكس ما هو متفق عليه".

واعتبر المسؤول أن الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي أكثر تفهماً لأهمية حصول ترسيم نهائي للحدود بين البلدين من الإدارات الإيرانية السابقة".

الخبير الملاحي العراقي محمد الفتلاوي قال، لـ"العربي الجديد"، إن الوضع الحالي لبغداد لا يساعد المفاوض العراقي على خوض مفاوضات عادلة مع أي من دول الجوار، وليس إيران فقط".

واستدرك الفتلاوي: "من الضروري معرفة أهمية التفاوض على شط العرب وفقاً لرسومات وحدود ومسارات ما قبل الغزو الأميركي للعراق عام 2003. بعد هذا العام، أهمل شط العرب ولم يتم كريه أو تنظيفه، ما أدى الى حصول تغيير بمجرى الشط، وبات أكثر من 65% منه داخل إيران، لذا، فإن العودة إلى خط التالوك (خط منتصف الشط) يجب أن يكون أساس التفاوض".

واعتبر أن وجود مناخ سياسي ملائم في إيران للاتفاق على صيغة نهائية بشأن شط العرب والحدود البرية، وخاصة منطقة الفكة التي تضم أكبر حقول النفط المشتركة، مهم جداً للعراق في الوقت الحالي، وسيؤدي إلى منع أية مشكلات قد تحصل مستقبلاً، كما أنه سيساعد العراق على إعادة رسم خطوط حرس الحدود، ووقف عمليات التسلل والتهريب".