العراق: قوى حليفة لإيران تضغط لتغيير المبعوثة الأممية

العراق: قوى حليفة لإيران تضغط لتغيير المبعوثة الأممية

05 اغسطس 2021
خلال زيارة لبلاسخارت إلى النجف، سبتمبر الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

للأسبوع الثالث على التوالي، تواصل قوى سياسية عراقية حليفة لطهران تصعيدها ضد المبعوثة الأممية في العراق جينين هينيس بلاسخارت، بالتزامن مع حملات إعلامية مماثلة تتهم بعثة الأمم المتحدة في العراق بما تصفه بـ"التحيز وتجاوز دورها" في تحركاتها تجاه ملف الانتخابات المبكرة المقررة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، ومن قبله ملف النازحين، وحلّ الأزمة بين أربيل وبغداد.
ووجّه زعيم "الحشد الشعبي" فالح الفياض، في 23 يوليو/ تموز الماضي، انتقادات غير مسبوقة للمبعوثة الأممية في العراق، عقب تصريحات لها حول استهداف البعثات الدبلوماسية الأجنبية من قبل الجماعات المسلحة، وحديثها عن أن بعض الفصائل المسلحة لها أذرع داخل أجهزة الدولة وأخرى خارجها. وقال في تغريدة عبر "تويتر" "نرى أن بلاسخارت تجاوزت الدور المهني، وأصبحت ورقة في الملعب السياسي العراقي". وخاطب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قائلاً "السيد الأمين العام للأمم المتحدة نحن بحاجة إلى دوركم الأممي المهني في دعم العراق".
وأعقبت ذلك تصريحات لرئيس الوزراء الأسبق، زعيم تحالف "دولة القانون" نوري المالكي، الذي اتهم المبعوثة الأممية بالتدخل في الانتخابات، وقال إن بلاسخارت "بحاجة إلى معرفة مهمتها ودورها كمسؤولة لبعثة يونامي (بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق)"، مشيراً إلى أنّ "البعثة تتحرّك بطلب الحكومة العراقية ولا صلاحية لها بالتحرك والتدخل في شؤون الانتخابات، إلا بما تحتاجه المفوضية". ووصف دور المبعوثة الأممية بأنه "مرفوض في حديثها عن أجواء الانتخابات".

من جهتها، تواصل قنوات فضائية ومواقع إخبارية تابعة لفصائل مسلحة وقوى سياسية موالية لطهران، هجومها على المبعوثة الأممية، متهمةً إياها بـ"التحيّز وتنفيذ أجندات قوى غربية في العراق".

حراك الأمم المتحدة حيال الانتخابات أحد أسباب هجوم القوى السياسية على المبعوثة الأممية

وكانت قد صدرت عن بلاسخارت تصريحات عدة خلال الأسابيع الماضية استغلتها بعض الأطراف، أبرزها حديثها عن أنّ الأوضاع الأمنية في العراق "مهزوزة جداً، ولا يمكن توقّع أن تجري الانتخابات من دون تزوير"، مشيرةً إلى أنه "سنبذل كل جهودنا إضافة إلى جهود السلطات العراقية لمنع التزوير". كما تحدثت في لقاء مع قناة تلفزيونية محلية عن أن "ما يشهده العراق اليوم، هو وجود فصائل مسلحة تنشط خارج سيطرة وسلطة الحكومة، ولها أذرع داخل أجهزة الدولة وخارجها"، واصفةً الهجمات التي تتعرّض لها البعثات الدبلوماسية في العراق بأنها "إرهابية".

ولم تعلق البعثة الأممية في بغداد إلى الآن على الاتهامات الموجهة إليها، كما أنّ السلطات العراقية تلتزم الصمت حيال ذلك. لكن مصادر مقربة من حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أكدت لـ"العربي الجديد"، أنّ "حراك الأمم المتحدة الأخير حيال الانتخابات، ومحاولة لعب دور في توسعة نطاق عمل المراقبين الدوليين، أحد أسباب هجوم القوى السياسية على المبعوثة الأممية". ولفتت المصادر إلى أنّ تلك القوى تتهم رئيسة بعثة الأمم المتحدة بـ"تقديم تقارير حول الوضع في العراق إلى مجلس الأمن الدولي، تُحمّل فيها الفصائل المسلحة مسؤولية إعاقة الاستقرار في البلاد، وتحدي سلطة القانون وتهديد السلم الاجتماعي، والتورط باستهداف القوى المدنية والناشطين المطالبين بالإصلاحات". وكشفت عن أنّ تلك القوى "بدأت تتحرك باتجاه الكاظمي للضغط عليه بشأن طلب تغيير المبعوثة الأممية، في مؤشر إلى توتر كبير بين تلك الأطراف وبعثة يونامي".

من جهته، قال عضو بارز في "حركة عطاء"، التي يتزعمها فالح الفياض، إنّ التصعيد الحالي ضد المبعوثة الأممية يعود سببه إلى "تدخلها بملف الانتخابات، ومحاولاتها أن يكون للأمم المتحدة دور إشرافي على هذا الاستحقاق وليس رقابياً فقط، وهذا ما ترفضه قوى سياسية مختلفة تعتبر البعثة الأممية غير حيادية سياسياً في العراق". وأضاف المتحدث نفسه، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "بلاسخارت متورطة في التدخل بأزمة الفصائل المسلحة الأخيرة مع الكاظمي، كما تستخدم ورقة التهديد برفع تقرير سلبي لمجلس الأمن عن الوضع، كوسيلة لعملها في العراق".

وفي السياق ذاته، وصف النائب كريم عليوي، القيادي في تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، المبعوثة الأممية بأنها "تتحرك وكأنها وصي على الدولة العراقية"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "عملها يجب أن يكون رقابياً وتقديم مساعدات استشارية، لكنها تجاوزت هذا الدور". وأقرّ عليوي بشكل ضمني بوجود تحركات باتجاه رئيس الوزراء لطلب تغيير المبعوثة الأممية، بقوله إن "الكاظمي مطالب بشكل فوري بوضع حد لتدخلات بلاسخارت في الشأن العراقي، وبخلاف ذلك عليه التحرك نحو تغييرها، ويمكن ذلك من خلال تقديم طلب رسمي إلى الأمم المتحدة، وهذا ما تريده أطراف وشخصيات عراقية بارزة، كون بلاسخارت تجاوزت بشكل كبير مهامها الأممية في العراق".

عليوي: المبعوثة الأممية لم تعمل بحيادية، وتنحاز لطرف ضد آخر

واتهم عليوي المبعوثة الأممية بأنها "لم تعمل بحيادية، وتنحاز لطرف ضد آخر، وعملت على فرض توصيات خاصة ألزمت بها الحكومة، تخصّ ملف الانتخابات وقضايا سياسية وأمنية أخرى، وهذا ما يدفع القوى السياسية للمطالبة بشدة بتغييرها قبل موعد الانتخابات المبكرة".

في المقابل، اعتبر القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي أن التصعيد الحالي ضد المبعوثة الأممية يأتي "ضمن محاولات منع وجود أي رقابة دولية وأممية على الوضع العراقي؛ السياسي والأمني والإنساني"، مبيناً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "حلفاء طهران يسعون إلى السيطرة على مختلف الملفات في العراق وتمريرها حسب رغبتهم، وحجب حقيقة الوضع عن المجتمع الدولي، وهذا خطير للغاية".

وتحدث شنكالي عن أن السبب الرئيس للهجوم على بلاسخارت "هو تقرير البعثة الأممية الأخير لمجلس الأمن، حول ما تفعله الفصائل المسلحة المدعومة من إيران، وكذلك ما تفعله بعض القوى السياسية في إطار قضايا فساد وتورطها بدعم الجماعات المسلحة المتطرفة، وهذا ما أثار غضب حلفاء طهران، ليبدأوا بشن حملة ضد المبعوثة الأممية من خلال التصريحات والبيانات".

شنكالي: حلفاء طهران يسعون لحجب حقيقة الوضع في العراق عن المجتمع الدولي

بدوره، اعتبر عضو التيار المدني العراقي أحمد حقي أنّ التصعيد الحالي ضد بلاسخارت "مرتبط بمواقفها الأخيرة من الفصائل المسلحة في العراق"، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "القوى السياسية والأطراف الفاعلة في الحشد الشعبي غير راغبة بدور فعّال للأمم المتحدة في العراق، وتحاول تكرار تجربة المبعوثين السابقين، مثل يان كوبيش، ونيكولاي ملادينوف، من خلال تمرير الملفات والقضايا من دون إثارة أو استعداء أي طرف من الأطراف في العراق". ولفت حقي إلى أنه "على الرغم من كل المؤاخذات التي يسجلها التيار المدني على البعثة الأممية، ولا سيما عقب التظاهرات وما تعرّض له الناشطون من تنكيل، لكن يجب الإقرار بأن تعرضها للهجوم من قبل قوى اللادولة يحسب لها لا عليها".

من جانبه، اعتبر الخبير في الشأن السياسي العراقي فاضل أبو رغيف أنّ "تدخل بلاسخارت في الشأن السياسي وفي الخلافات بين القوى الفاعلة، كان السبب في الوضع الحالي والحملة عليها، خاصة بين أوساط القوى الشيعية الرئيسة"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى "وجود اتهامات لها كذلك بالسعي لتأجيل الانتخابات". وتابع "هناك معلومات حول ضغوط من قبل جهات وشخصيات سياسية على الجانب الحكومي العراقي، لطلب تغيير المبعوثة الأممية، ويبدو أن التحرك من أجل هذا التغيير يجري الآن على أرض الواقع".