العراق: حراك لتشكيل تحالف مدني بالانتخابات وسط تشكيك في الجدوى

27 ابريل 2025
الانتخابات العراقية في ذي قار، 10 أكتوبر 2021 (أسعد نيازي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد الساحة السياسية العراقية تحركات لتشكيل تحالفات انتخابية بين القوى المدنية والحركات السياسية التقليدية والناشئة، مع انقسام الحركات المدنية إلى تحالفين يضمان قوى جديدة مدعومة من أحزاب تقليدية.

- تتجه نحو عشرين جهة سياسية لتكوين تحالف موحد، لكن هذه التحركات لم تلقَ صدى شعبيًا، بينما يسعى الحزب الشيوعي العراقي لتشكيل تحالف مدني واسع يواجه رفضًا شبابيًا.

- تواجه القوى المدنية تحديات بسبب قانون الانتخابات الذي يخدم الأحزاب الكبيرة، مما يقلل من فرص نجاحها في إحداث تغيير حقيقي.

شهدت الأيام الماضية اجتماعات بين القوى المدنية والحركات السياسية الناشئة والتقليدية المدنية، لتشكيل تحالفات في الانتخابات البرلمانية المقبلة في العراق، وسط تشكيك في جدوى الخطوة. وشاركت الحركات المدنية التقليدية في أكثر من انتخابات سابقة في العراق لكنّها أخفقت في إحداث التغيير السياسي وتطبيق الشعارات التي ترفعها، وضمنها الإصلاح وإلغاء المحاصصة الطائفية والتناوب الحزبي على المناصب المهمة وتقاسم الوزارات والدوائر والهيئات الحكومية، وبحسب مصادر من نشطاء مدنيين، فإن الحركات المدنية قد تنقسم إلى تحالفَين يجمعان قوى وأحزاب جديدة، معظمها بلا تأثير شعبي، وبعضها مموّل أصلاً من أحزاب تقليدية نافذة في البلاد.

وتستعد نحو عشرين جهة سياسية للمشاركة في تحالف موحد في الانتخابات التشريعية المقرّرة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، منها؛ حركة نازل آخذ حقي وحزب البيت الوطني وتيار قضيتنا وتجمع الفاو زاخو وحركة كفى، بالإضافة إلى نواب مثل سجاد سالم وعدنان الزرفي، ونواب في دورات سابقة، وقد اجتمعت هذه الكيانات أخيراً لمناقشة تكوين تحالف انتخابي سياسي جامع لكل هذه الأطراف، لكن مخرجات الاجتماع لم تحدث أي صدى على المستوى الشعبي العراقي، بل لم تترك أي ردود فعل على مستوى النخب المدنية والليبرالية في البلاد.

في المقابل، نشطت قوى سياسية مدنية أخرى في إجراء اتصالات مكثفة من أجل تحقيق تقارب قد ينتج عنه تحالف انتخابي مدني واسع، يرفع شعار التغيير، ويواجه قوى المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت، وبادر لذلك الحزب الشيوعي العراقي عبر جمع حلفائه التقليديين مثل التيار الاجتماعي الذي يتزعمه السياسي علي الرفيعي والتيار الديمقراطي العراقي الذي يرأسه أثير الدباس، إلا أن هذا التجمع يُعد من التجمعات المرفوضة على مستوى شباب الحركات المدنية الجديدة، خصوصاً وأن القوى المشكلة له شاركت في السابق بالانتخابات ودخلت إلى البرلمان، بل تسلمت مناصب وأوكلت إليها وزارات عبر مبدأ المحاصصة المعمول به في البلاد.

وفي الواقع، لم يعد هناك ذكر لحراك الأحزاب المدنية العراقية كما كان قبل بضع سنوات، خصوصاً بعد فشل تحالف قيَم في الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات) التي أجريت في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023. وعلى الرغم من حصول التحالف على ستة مقاعد في الانتخابات، لكنّ أياً من الفائزين لم يكونوا ضمن صفوف أي حزب من الأحزاب، ما أدى إلى تدهور تماسكه وتشتته والتخلي عن عقد أي اجتماعات، باستثناء لقاءات شخصية وفردية لا أهمية سياسية لها. وترى معظم شرائح الشعب العراقي أن الأحزاب المدنية الجديدة لا تختلف كثيراً عن الأحزاب التقليدية، من ناحية القدرة على التغيير وعدم الوضوح في الأهداف، بالإضافة إلى التشكيك الدائم في مصادر التمويل.

في السياق، قال الناشط السياسي من محافظة النجف علي الحجيمي، إن "فكرة التحالفات والانتخابات تراجع تأثيرها ووقعها على العراقيين؛ بسبب اليأس من إحداث أي تغيير أو حالة إصلاحية حقيقية، وهناك حالات احتيال كثيرة استهدفت الناخبين وتحديداً المدنيين، خصوصاً أن الأحزاب الدينية والتقليدية تمكنت من شراء ذمم بعض قادة الأحزاب الجدد، بل إن الأحزاب التقليدية أقدمت على تسجيل أحزاب جديدة بعناوين مدنية وديمقراطية"، وأضاف الحجيمي لـ"العربي الجديد"، أن "العراقيين منفصلون عن الواقع السياسي حالياً وصاروا لا يتابعون حتى نشرات الأخبار، لذلك فإن التحركات الأخيرة للنشطاء في المجتمع المدني لم تحظ بأي اهتمام".

لكنّ عضو تيار سياسي جديد، ينوي الاشتراك في الانتخابات المقبلة ضمن تحالف ليبرالي موسع، أشار إلى أن "أكثر المشكّكين بالحركات المدنية هي وسائل إعلام الأحزاب التقليدية، وهم يتهموننا بالحصول على الدعم والتمويل الخارجي، وتتهمنا بأننا تابعون لشخصيات سياسية نافذة مع العلم أن أغلب الأحزاب والتكتلات المدنية الجديدة يقودها متظاهرون سابقون، ونحن نعمل حالياً على تشجيع الناخبين لانتخابنا لصناعة بديل سياسي حقيقي بدلاً من أحزاب التبعية التي ورطت العراق بالفساد والولاء لإيران"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "المطلوب حالياً من القوى المدنية أن توحّد صفوفها، وتواجه أحزاب السلطة عبر صناديق الاقتراع".

من جهته، لفت العضو المستقل في البرلمان العراقي وأحد أبرز الأصوات المدنية المعروفة في البلاد، سجاد سالم، إلى أن "القوى المدنية دائماً ما كانت تصل إلى مرحلة التفاهمات والدخول في جو الانتخابات في وقت متأخر، لكنها اليوم وصلت إلى تفاهمات جيدة، يمكن الاعتماد عليها في تشكيل تحالف مدني انتخابي واسع".

وأضاف في تصريح صحافي أنه "ليس أمام تلك القوى سوى أن تتوحد في تحالف انتخابي، لا سيّما في ظل الانتهاكات التي تطاول الحريات العامة والخاصة، وفي ظل حالة اللا استقرار وتفشي السلاح المنفلت، وأن جميع القوى المدنية والديمقراطية والوطنية تحمل هذه الأفكار، لذا فإن التحالف فيما بينها الآن بات ضرورياً بحكم المعطيات الراهنة".

لكن الباحث في الشأن السياسي عبد الله الركابي، بيَّن أن "قانون الانتخابات المعمول به حالياً لا يخدم القوى المدنية الناشئة، ومُصمم لخدمة الأحزاب الكبيرة صاحبة المال السياسي والإنفاق العالي والتمدد الجغرافي وشراء المرشحين، لذلك فإن فرص نجاح الأحزاب المدنية متدنية جداً".

وأشار الركابي في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الأحزاب والشخصيات المدنية أهملت جانب تثقيف العراقيين بأهمية المشاركة في الانتخابات، وعمدت إلى مفاجئة جمهورها بأهمية المشاركة من دون أن تعطي الحلول أو تطرح برامج، ولو أمعنا النظر في الشعارات المدنية سنجدها تشبه إلى حد كبير شعارات الأحزاب التقليدية"، مضيفاً "هناك حاكم آخر لما يحدث حالياً، وهو أن المشاركة المتدنية للناخبين المدنيين ستخدم الأحزاب التقليدية، لذلك لن تكون هناك نتائج طيبة للأحزاب المدنية".

وشهد العراق بعد الغزو الأميركي في عام 2003 خمس عمليات انتخاب تشريعية، أولاها في عام 2005 (قبلها أجريت انتخابات الجمعية الوطنية التي دام عملها أقلّ من عام)، فيما كانت الأخيرة في أكتوبر 2021. وجرى اعتماد قانون الدائرة الواحدة لكلّ محافظة في النسخ الأربع الأولى، فيما أجريت الانتخابات الأخيرة في عام 2021 وفق الدوائر المتعدّدة، بعد ضغط قوي من الشارع والتيار الصدري لإجراء هذا التعديل الذي كان يعارضه "الإطار التنسيقي". وفي مارس/آذار 2023، صوّت البرلمان العراقي على التعديل الثالث لقانون الانتخابات، الذي أعاد اعتماد نظام الدائرة الواحدة لكل محافظة.

المساهمون