الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق تحذر من هيمنة المليشيات على سهل نينوى و"سرقة" مقاعدهم البرلمانية

25 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 17:51 (توقيت القدس)
الكاردينال ساكو خلال مراسم دينية في الموصل، 5 مايو 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- حذر الكاردينال لويس روفائيل ساكو من سيطرة مليشيات مثل "بابليون" على مناطق سهل نينوى المسيحية، مشيراً إلى تهميشهم سياسياً ومصادرة تمثيلهم في البرلمان.
- دعا ساكو إلى حماية المسيحيين عبر القوات الأمنية واستعادة الممتلكات، مشدداً على بناء دولة مدنية تقوم على المواطنة المتساوية بعيداً عن الطائفية.
- أكد ضياء بطرس أن سيطرة المليشيات تهدد وجود المسيحيين، داعياً الحكومة لوقف هذا العبث واستعادة التمثيل السياسي الطبيعي وضمان العيش بكرامة وأمان.

حذر بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق، الكاردينال لويس روفائيل ساكو، اليوم الخميس، من خطورة ما وصفه بـ"استمرار سيطرة المليشيات"، على مناطق سهل نينوى ذات الغالبية المسيحية، في إشارة إلى مليشيا "بابليون"، التي يتزعمها ريان الكلداني، أحد الفصائل الحليفة لإيران في العراق. وأكد ساكو أن التمثيل المسيحي في البرلمان "مُصادر" من قبل تلك المليشيا. ويأتي تحذير أعلى جهة دينية مسيحية في العراق، بعد أسابيع قليلة من مطالبة تحالف سياسي يضمّ عدداً من القوى المسيحية في العراق بـ"إنهاء" وجود المليشيات والجماعات المسلحة في المناطق ذات الأكثرية المسيحية بمحافظة نينوى، شمالي البلاد، قبل إجراء انتخابات مجلس النواب بعدما وجهت قوى مسيحية عراقية عدّة، في مارس/آذار الماضي، دعوة مماثلة بعد اتفاقها على خوض الانتخابات التشريعية المقبلة في البلاد، بقائمة واحدة تشمل كل الدوائر الانتخابية بالمحافظات المختلفة.

وقال ساكو في كلمة له نقلتها وسائل إعلام عراقية محلية، إن المسيحيين في العراق "يعيشون منذ أكثر من عقدين ظروفاً استثنائية وصعبة جعلتهم من أكثر المكوّنات هشاشة"، عازياً ذلك إلى "تصاعد العنف الطائفي" و"سيطرة المليشيات والعصابات الإجرامية على بعض مناطق البلاد"، ما أسهم وفقه في "تدهور أوضاع المسيحيين بشكل متواصل". وأضاف أنه "في عام 2014 تأسست مليشيا استحوذت على ممتلكات مسيحيين في بغداد وسهل نينوى، وصادرت مقاعدهم البرلمانية المخصصة، لكنها في الواقع لم تمثل المسيحيين، بل سعت لتهميشهم سياسياً، ولهذا يجب توفير حماية حقيقية في سهل نينوى عبر القوات الأمنية الاتحادية، وليس المليشيات، واستعادة الممتلكات المنهوبة وتعويض المتضررين".

وبيّن بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق، قائلاً: "هناك تراجع ديمغرافي مقلق للمسيحيين في العراق، حيث إن أعدادهم انخفضت من نحو مليون ونصف مليون قبل عام 2003 إلى ما يقارب 400 – 500 ألف فقط اليوم، بعد أن غادر أكثر من مليون منهم البلاد بحثاً عن الأمن والاستقرار، حيث كانت الموصل تحتضن 50 ألف مسيحي قبل 2003، لم يتبقَّ سوى 70 عائلة فقط. أما القرى التابعة لسهل نينوى، فما زالت تعاني من غياب الخدمات وفرص العمل، ما يجعل الحياة فيها شبه مستحيلة".

ودعا ساكو "المجتمع الدولي، ولا سيما الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، إلى ممارسة دور فاعل في حماية الوجود المسيحي في العراق والشرق الأوسط، باعتباره جذور المسيحية في المنطقة، وشهوداً على تاريخها العريق"، معتبراً أن "الحلّ يكمن في بناء دولة مدنية حديثة تقوم على أساس المواطنة المتساوية بعيداً عن الطائفية والمحاصصة، ولهذا يجب إعداد دستور مدني يضمن الحريات الدينية ويحمي وحدة العراق، بعيداً عن هيمنة التفسيرات الدينية أو سلطة المليشيات".

تعليقاً على ذلك، قال السياسي المسيحي المستقل ضياء بطرس، لـ"العربي الجديد"، إن "قلقاً وتخوفاً على مستوى العراقيين المسيحيين من استمرار سيطرة المليشيات المسلحة على مناطق المسيحيين في العراق، فهذا الوضع تهديد وجودي حقيقي للمكون المسيحي ومستقبله في البلاد"، مضيفاً أن "المليشيات، التي عملت على فرض سيطرتها بالقوة على مدن المسيحيين وبلداتهم، لم تكتف بالهيمنة الأمنية، بل تجاوزت ذلك لتسرق الدور السياسي الشرعي للمسيحيين، مستغلة ضعف الدولة وضعف مؤسساتها، وحولت تمثيلنا السياسي إلى أداة طيّعة في أيديها لتنفيذ أجندات لا تمت إلى شعبنا بصلة".

واعتبر أن "ما يحدث اليوم يشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق المسيحيين الدستورية ولقواعد الدولة المدنية، فالمليشيات لم تترك أي مساحة للقرار الحر لأبناء شعبنا، بل فرضت وكلاءها ومرتزقتها على المؤسسات السياسية، وأدخلت المسيحيين في مأزق مستمر بين الخضوع القسري أو الهجرة القسرية". وأكد بطرس أن "هذا العبث بالمصير المسيحي لن يضر إلا بالعراق ذاته، فاستمرار سيطرة المليشيات على مناطقنا يجعلها بؤراً للفوضى والإرهاب، ويهدد وحدة الدولة ويقوّض الثقة بين المكونات، ولهذا على الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها كاملة، وأن توقف هذا العبث الذي يمسّ بأبناء شعبنا، وأن تضمن استقلالية القرار السياسي المسيحي، بعيداً عن الابتزاز والمشاريع الطائفية والمليشيوية التي تستغلنا أداةً لتحقيق مصالح ضيقة".

وختم بالقول إن "استمرار هذا الوضع يعني تدمير وجود المسيحيين في العراق، وإرسال رسالة خطيرة بأن الدولة عاجزة عن حماية مواطنيها، وهو ما لن نسمح به، وسنرفع صوتنا عالياً دفاعاً عن حقوقنا، ولن نتراجع عن المطالبة باستعادة تمثيلنا السياسي الطبيعي وحقنا في العيش بكرامة وأمان". ويتركز الوجود المسيحي في العراق في مناطق سهل نينوى قرب الموصل، وتتكون من الأراضي الممتدة شرق مدينة الموصل وجنوب وشمال شرقها باتجاه أربيل، وتشمل إلى جانب أكثر من 10 بلدات أربعة أقضية إدارية، هي الحمدانية وتلكيف ومخمور والشيخان، إضافة إلى ناحية بعشيقة التابعة لمدينة الموصل، وعشرات القرى الصغيرة، وسكانها من الغالبية المسيحية العراقية.