العدوان على قطر | إسرائيل تستفيق على أثمان استراتيجية باهظة "لم تكن في الحسبان"
استمع إلى الملخص
- الضربة غيّرت المعادلة الأمنية لقادة حماس، ولم تُعتبر انتصارًا عملياتيًا، بل وضعت إسرائيل في موقف دولي معقد، حيث أدان المجتمع الدولي الهجوم باعتباره انتهاكًا لسيادة دولة مستقلة.
- رد فعل قطر قد يشمل إجراءات دبلوماسية وقانونية ضد إسرائيل، وقد يُعتبر الهجوم انتصارًا سياسيًا لنتنياهو، لكن عدم تحقيق الأهداف قد يؤثر على العلاقات مع دول الخليج.
ما يقرب من أسبوع على العدوان الإسرائيلي الذي استهدف الدوحة، يوم الثلاثاء الماضي، والذي روّج له الاحتلال بدايةً أنه قضى على قيادات حركة حماس، حتّى اتضح وفقاً لما أوردته صحيفة "معاريف"، اليوم الأحد، أنه عملية معقدة ذات نتائج وتبعات لم تكن في الحسبان.
السبب في ما تقدم، لا يقتصر على أن قادة الوفد المفاوض لحماس الذين استهدفتهم إسرائيل قد نجوا، فيما استشهد آخرون، بينهم عنصر أمن قطري، بل يمتد ليشمل تبعات الهجوم الذي بات نقطة محورية فاصلة في علاقة إسرائيل مع دول الخليج، مُشكلاً في العموم علامة استفهام على مكانة إسرائيل في الساحة الدولية.
وبحسب الصحيفة، فإن هذه المرّة لا يمكن تصوير ما حصل باعتباره هجوماً دقيقاً معهوداً ومألوفاً، بل هو انتهاك لعُرف وقاعدة غير مكتوبة حكمت لسنوات نظام الوساطة بين تل أبيب والعالم العربي. وحتّى لحظة الضربة ظلت حماس تعرف أين تكون آمنة، سواء في غزة أو الضفة أو لبنان، وهي مناطق معرّفة بأنها ساحات قتال بديهية بالنسبة إلى إسرائيل. أمّا قطر، بحسب الصحيفة العبرية، فكانت خلافاً لذلك، ساحة آمنة وحصينة، ما سمح لقادة حماس بتنفس الصعداء.
وترى الصحيفة أن الضربة الإسرائيلية غيّرت المعادلة؛ إذ إنه حتى إن نجا قادة حماس، فقد ترك الهجوم عملياً رسالة واضحة مفادها بأنه لم يعد ثمة ملاذ آمن لقادة الحركة. وتوضح في السياق، أنه قد يكون ذلك إنجازاً إدراكياً - عملياً على مستوى الأهداف في الخارج، ولكنه أيضاً إعلان من جانب إسرائيل أنها مستعدة للمخاطرة في الوقوع بمواجهة دبلوماسية، وحتّى قانونية من أجل تشويش حرية التنقل التي يشعر بها قادة حماس.
وعند هذه النقطة، تبدأ الأسئلة الصعبة، بحسب الصحيفة؛ فالهجوم على الدوحة لا يبدو انتصاراً عملياتياً، ثم إنه وضع إسرائيل في اختبار دولي مُعقد، وقطر التي تشعر بالغضب والصدمة، قابلها المجتمع الدولي بإدانة الهجوم الذي اعتبره انتهاكاً لسيادة دولة مستقلة. وبالتالي -حسب الصحيفة- حتّى لو ادعت إسرائيل أن السبب وراء هجومها، أن "قطر لا يمكنها ولا تريد" منع حماس من العمل من أراضيها، فإن هذه السردية المعهودة والمعروفة لن تصمد على مستوى القانون الدولي، بل إن من شأن الانتقادات أن تلاحق إسرائيل لزمن طويل، خصوصاً في الوقت الذي تحتاج فيه بالفعل لشرعية دولية من أجل الاستمرار في حربها وعملياتها العسكرية.
من جانبها، توعدت قطر برد فعل، والتقديرات في إسرائيل طبقاً للصحيفة هي أنها ستنفذ وعودها. وصحيح أن قطر لن تطلق الصواريخ على إسرائيل، فهذه ليست طريقتها، ولكنها بالطبع قادرة وفقاً للصحيفة على العمل من خلال قنوات أخرى مثل إغلاق الأبواب التي كانت لا تزال مُشرّعة، مروراً بإضعاف قدرات الوساطة، فضلاً عن الدفع بإجراءات ضد إسرائيل في الساحة الدبلوماسية، وليس نهاية بخطوات ضد قادة ومسؤولين إسرائيليين، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وخصوصاً على المستوى القانوني الدولي. ولذلك، فإن رد قطر المزمع قد يكون بحسب الصحيفة "مؤلماً أكثر بالنسبة إلى إسرائيل من المبادرة إلى ضربة عسكرية مباشرة".
من جهة ثانية، فإنه في الساحة الداخلية الإسرائيلية، لا شكوك بشأن الرابح؛ حيث سيتمكن نتنياهو من استعراض نفسه كمن تجرأ حيث تردد الآخرون، خصوصاً أن العدوان أتى بعد شهور من الهجمات المتواصلة في إطار صورة من الجمود، فيما الهجوم على قطر يمكن تسويقه للجمهور على أنه انتصار، وفق ما تذكر الصحيفة.
ومع ذلك، تلفت الصحيفة إلى أن السؤال عما إذا كان الهجوم انتصاراً حقيقياً أو مغامرة باهظة الثمن، لا يزال مفتوحاً وبلا إجابة. والسبب في ذلك عائد أولاً إلى أن الأهداف الرئيسية لم تُصفَّ بشكل فعلي، وهو ما قد يُضعف هذا "الإنجاز"، وثانياً أن ما حدث قد يعرّض جهود استعادة الأسرى للخطر، وقد يضر بعلاقات حيوية مع دول الخليج. وبالتالي، فإن التأييد الداخلي للهجوم قد ينقلب بحسب الصحيفة، وينسحب هذا الانقلاب أيضاً على قاعدة نتنياهو الانتخابية نفسها.
ما تقدّم، يتعزز خصوصاً في ضوء أن الهجوم لا يُنظر إليه فقط على أنه مسألة محصورة بين إسرائيل وقطر؛ حيث باتت كل دول الخليج بحسب الصحيفة تعتبره إشارة مقلقة، لأنه "إذا كانت إسرائيل قادرة على التحرك بحرية في قلب الدوحة، فماذا يعني ذلك بالنسبة إلى الحماية الأميركية التي وُعدت بها؟". وعملياً "بدل أن تعزز إسرائيل تحالفاتها، قد تجد نفسها أمام شراكات تصبح أكثر تشككاً، وربما حتى تنأى بنفسها عنها".
إلى ذلك، اعتبرت الصحيفة أن الهجوم على قطر يُجسّد المعضلة الإسرائيلية المعروفة التي تتلخص بتحقيق إنجازات سريعة في ميدان المعركة مقابل ثمن محتمل في الساحة السياسية. وبحسبها، صحيح أن مجرد تنفيذ الهجوم على قادة حماس يعزز الرسالة بأنه لم يعد ثمة مكان محصَّن، لكن حقيقة أن الأهداف نفسها نجت قد تُبهت هذا الإنجاز، وتجعله أقل وضوحاً مما بدا في البداية.
وخلصت الصحيفة إلى القول إن السؤال ليس فقط كم من الأشخاص قد استشهدوا، ومن نجا، بل السؤال الحقيقي هو ما إذا كانت إسرائيل ستعرف كيف تتعامل مع التبعات أيضاً عندما تتعالى الشكوك أكثر فأكثر بأن الضربة لم تحقق نتائجها، "فقد تكون هذه ضربة تكتيكية، ولكنها ذات ثمن استراتيجي باهظ"، على حد وصفها.