العدوان على جنين كان مبيّتاً والتخطيط له بدأ من فبراير

العدوان على جنين كان مبيّتاً والتخطيط له بدأ من فبراير

14 ابريل 2022
واصل الاحتلال تشديد الإغلاق على جنين وقراها (جعفر اشتية/فرانس برس)
+ الخط -

صعّد الاحتلال الإسرائيلي، أمس الأربعاء، عدوانه المبيّت على جنين شمال الضفة الغربية، وتمدد الاعتداء ليطاول قباطيا وجبع وكفر راعي جنوبي جنين، ومدينة نابلس وبيتا جنوبي نابلس، وقلقيلية وسنجل وصولاً إلى الخليل والخضر جنوبي الضفة الغربية، كما لم تسلم البيرة هي الأخرى من حملة اعتقالات ومداهمات مكثفة.

وواصل الاحتلال تشديد الإغلاق المفروض على جنين وقراها، إلى جانب مواصلة مطاردة والد الشهيد رعد حازم منفذ عملية تل أبيب الخميس الماضي، لاعتقاله، من دون أن يتخذ قراراً رسمياً بعد بفرض الإغلاق على كامل الضفة الغربية المحتلة اليوم الخميس وغداً الجمعة بمناسبة عيد الفصح اليهودي.

اقتحام مدينة نابلس

واقتحم الجيش الإسرائيلي منذ ساعات الصباح الباكر مدينة نابلس بزعم تأمين أعمال ترميم قبر يوسف في المدينة، مصحوباً بناشطين من المستوطنين في الضفة الغربية، وعلى رأسهم رئيس مجلس مستوطنات السامرة يوسي داغان.

وأبرز الاحتلال أمس عبر وسائل إعلامه اقتحام المدينة في ساعات النهار وعلى رؤوس الأشهاد، مع بث أوامر قائد القوة المقتحمة لجنوده وهو يقول لهم "إننا ندخل نابلس ليس كلصوص في ساعات الليل، وإنما كأبناء الملوك لنعيد المجد"، بحسب رسالته عبر جهاز الاتصال اللاسلكي، كما بثتها الإذاعة الإسرائيلية العامة ظهر أمس.

وأبرزت الإذاعة حقيقة مرافقة مراسلتها كرميل دانغور، للقوات التي اقتحمت المدينة باكراً أمس، مع وقوع مواجهات واشتباكات مع الفلسطينيين في المدينة الذين أطلقوا النيران باتجاه القوات الإسرائيلية ليرد عليها الاحتلال بوابل من الرصاص والإطلاق مكثف للنيران، ما أدى إلى استشهاد الشاب الفلسطيني محمد حسن عساف (34 عاماً).

مويئيل: لا نقيم أي وزن لتعريفات تقسيم مناطق السلطة الفلسطينية والضفة وفق اتفاق أوسلو

الاحتلال لا يعترف بتقسيمات أوسلو

وتزامن اقتحام مدينة نابلس في ساعات النهار، وعلناً، مع اعتراف قائد لواء جنين في جيش الاحتلال، العقيد إريك مويئيل، في مقابلة مع صحيفة "يسرائيل هيوم"، نشرت مقاطع منها أمس الأربعاء، أن جيش الاحتلال لا يقيم أي وزن لتعريفات تقسيم مناطق السلطة الفلسطينية والضفة الغربية المحتلة، وفق اتفاق أوسلو 1993 بين "أ" و"ب" و"ج"، وأنه يعمل في منطقة جنين من دون أي قيود تذكر على نشاطه.

كما كشف العقيد مويئيل أن العدوان على جنين الذي بدأ السبت الماضي كان في واقع الحال مبيّتاً، بانتظار موعد مناسب، منذ مطلع فبراير/شباط الماضي، لتغيير سياسته في محافظة جنين وقراها، أي عملياً قبل عمليتي بني براك (في 29 مارس/آذار الماضي التي نفذها ضياء حمارشة وهو من بلدة يعبد جنوب جنين) وتل أبيب (التي نفذها رعد حازم)، اللتين يدعي الاحتلال أنهما سبب اقتحاماته الأخيرة لجنين، بزعم البحث عن مطاردين ونشطاء في الفصائل الفلسطينية ولا سيما حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وعن نشطاء غير منظمين في الفصائل يمكن أن ينفذوا عمليات داخل دولة الاحتلال.

وأضاف العقيد مويئيل: "قررنا أن نبدأ بتنظيف المنطقة في أسرع وقت ممكن قبل حلول شهر رمضان، ونفذنا أكثر من 150 عملية إحباط، واعتقالات، وقمنا بنصب حواجز مفاجئة (يسميها الفلسطينيون حواجز طيارة) وكذلك بأعمال تمشيط عن أسلحة، واقتحامات لقرى ومناطق لم نكن ندخلها سابقاً بما في ذلك في مخيم جنين".

تحضيرات إسرائيلية لتصعيد في الضفة الغربية

وكانت قد سبقت تصريحات مويئيل أمس، سلسلة تحذيرات أطلقها قائد فرقة "يهودا والسامرة" في جيش الاحتلال في الضفة الغربية، العميد أفي بلوط، وكشفت عنها القناة الإسرائيلية العامة "كان 11" في 15 من الشهر الماضي، وتتعلق بتوجيهه تعليمات لجنوده والقادة العسكريين الذين تحت إمرته، للاستعداد لسيناريوهات تصعيد عسكري في الضفة الغربية بدءاً من الأول من إبريل/نيسان الحالي، بفعل تزامن ذلك مع حلول شهر رمضان، وعيد الفصح اليهودي الذي يبدأ غداً الجمعة.

مويئيل: قررنا أن نبدأ بتنظيف المنطقة في أسرع وقت ممكن قبل حلول شهر رمضان

كل ذلك يشير إلى أن التصعيد الإسرائيلي والحرب على جنين كانت مبيّتة ولا يمكن عزلها عن السياسة التي يكررها وزير الأمن الإسرائيلي الحالي بني غانتس، منذ تشكيل الحكومة الحالية في مايو/أيار من العام الماضي، بشأن الاتجاه نحو تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية وتمكينها من بسط سيطرتها وحكمها في الضفة الغربية.

وتقوم سياسة حكومة الاحتلال الحالية على السعي لتأمين الاستقرار والهدوء في الضفة الغربية، وإضعاف أي تأثير لفصائل المقاومة، خصوصاً "الجهاد الإسلامي" و"حماس"، مقابل تسهيلات إسرائيلية وتعزيز التعاون الاقتصادي بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال.

ويتفق هذا مع حقيقة أن مسألة تعزيز التبادل الاقتصادي والتنسيق الأمني هو المجال الوحيد الذي كان رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينت مستعداً لمنح وزيري الأمن بني غانتس والخارجية يئير لبيد الإذن للتواصل بشأنه مع السلطة الفلسطينية ورئيسها والمسؤولين فيها.

ضرب نفوذ "حماس" و"الجهاد الإسلامي"

وعلى مدار الشهر الأخير، كان الاحتلال يعدّ الخطط لحرب على فصائل المقاومة وضرب تأثير ونفوذ كل من "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في الضفة الغربية المحتلة، ومحاولة الضغط على السلطة الفلسطينية لتعزيز سلطتها في مختلف أنحاء الضفة الغربية ولا سيما في جنين شمالي الضفة.

وتركزت تقارير الاحتلال الإعلامية على تراجع تأثير السلطة الفلسطينية ونفوذها في شمالي الضفة الغربية، بموازاة تركيز الأنظار في تحذيرات الاستخبارات، على القدس المحتلة والمسجد الأقصى وباحاته كمكان محتمل لاشتعال الأوضاع في شهر رمضان، وتأثيرات ذلك وتداعياته على قطاع غزة، لناحية رد فصائل المقاومة فيها على احتمال تصعيد الأوضاع في القدس المحتلة.

عمليتا بني براك وتل أبيب، شكلتا الشرارة التي كانت تنتظر إسرائيل اندلاعها لشن حملتها على جنين

ورافق ذلك نشاط دبلوماسي إسرائيلي طاول دول عربية عديدة، خصوصاً مصر، لكي تمارس بدورها ضغطاً على فصائل المقاومة في قطاع غزة لمنع أي تصعيد. فضلاً عن نشاط اتجاه الأردن للتوصل إلى تفاهمات مسبقة معه وتفادي أزمة دبلوماسية، بالإضافة إلى توجيه الجهود نحو السلطة الفلسطينية وحثها على أخذ دورها في "تثبيت خفض مستوى التوتر في القدس المحتلة ومنع التصعيد في مدن الضفة الغربية المحتلة".

ويمكن القول أخيراً إن عمليتي بني براك وتل أبيب، شكلتا الشرارة التي كانت تنتظر إسرائيل اندلاعها لشن حملتها على جنين، بعد شهر متواصل من التهويل لانفجار في القدس.

ويبدو أن هذا التهويل كان هدفه الوحيد صرف الأنظار عن مخطط العدوان على جنين، وإيهام قوى الفصائل فيها بأن لبّ الجهد والاستنفار الإسرائيلي يستهدف القدس المحتلة ومحيطها، فضلاً عن تفادي كسر التهدئة في قطاع غزة، ومنع رد فصائلها على تصعيد في القدس، وتجنب ما حدث في مايو/أيار العام الماضي بعد إطلاق فصائل غزة لمعركة "سيف القدس" التي رد عليها الاحتلال بعدوان "حامي الأسوار".

المساهمون