العدالة الانتقالية في سورية... دعوات لتضافر الجهود وإشراك ذوي الضحايا

17 فبراير 2025
مؤتمر العدالة الانتقالية في دمشق، 17 فبراير 2025 (عامر السيد علي)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أكد عمار عز الدين على أهمية تعريف ذوي ضحايا النظام السابق بمفهوم العدالة الانتقالية، مشيراً إلى ضرورة تسليم المجرمين وتأمين المتضررين لتحقيق العدالة.
- تناول المؤتمر السوري للعدالة الانتقالية في دمشق بنوداً مثل المحاسبة وكشف الحقائق والإصلاح المؤسساتي، مع التأكيد على عدم تكرار الانتهاكات لتحقيق مجتمع آمن.
- شدد ممثلو رابطة المحامين السوريين الأحرار على إشراك ذوي الضحايا في سياسات العدالة الانتقالية، وضرورة إنشاء هيئة مستقلة لمراقبة العدالة الترميمية والاستفادة من تجارب دول أخرى.

أكد عضو مجلس فرع نقابة المحامين في حمص عمار عز الدين ضرورة تعريف ذوي ضحايا النظام البائد بمفهوم العدالة الانتقالية وتبيان ما هو متاح لتحقيقها بما يتوافق مع متطلباتهم خلال المرحلة الحالية. وأشار عز الدين خلال كلمة له ضمن جلسات المؤتمر السوري للعدالة الانتقالية الذي أقيم اليوم الاثنين في دمشق، إلى أن نقابة المحامين أجرت لقاءات خلال الفترة السابقة مع ذوي الضحايا، ما دفعها لحث الدولة ومساعدتها لأخذ خطوات للبدء بتحقيق العدالة الانتقالية.

ولفت إلى أن أي تأخر في ذلك يؤدي إلى خطر كبير على المجتمع، موضحاً أن النقابة التقت "بالأشخاص الذين كانوا يعتبرون "الخزان البشري" لمد النظام بعناصر الأمن، وتم التعرف إلى وجهات نظرهم، وتبين من خلال تلك اللقاءات أنه لا يوجد طائفة مدانة بحد ذاتها، إنما يُدان من ارتكب الانتهاكات من كل الفصائل والطوائف، لذلك فإن الجرم يقع على الشخص نفسه، وبالتالي يجب على المجتمع تسليم الأشخاص المجرمين".

ورأى عز الدين أن مفهوم العدالة الانتقالية "لا يتمثل في معاقبة من ارتكب الانتهاكات فقط، وإنما يجب تأمين الأشخاص الذين وقع عليهم التعذيب، لذلك يجب على كل الجهات المهتمة الخروج من الفنادق ومقابلة ذوي الضحايا والخارجين من المعتقلات لمعرفة أوجاعهم ومتطلباتهم، كي لا يكون الحديث منطلق من القصور العاجية، والسيارات الفارهة"، مؤكداً أن العدالة الانتقالية ليست وصفة تحقق خلال فترة قصيرة، إنما تحتاج تكاتف جهود نقابة المحامين ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية، لمعرفة كل الإجراءات المطلوب اتخاذها.

واعتبر أن المطالب بإصدار قانون للعدالة الانتقالية بعد إعلان الدستور المؤقت، هو أمر صعب ويحتاج وقتاً طويلاً، لذلك يمكن الاستعانة بالقانون السوري ذاته الذي يتضمن مواد لإلقاء القبض على مرتكبي الانتهاكات سواء ارتكبوا جرم القتل أو تشكيل العصابات وغير ذلك، وبالتالي يجب اليوم إعادة تفعيل الأطر القانونية والقضاء بالدرجة الأولى.

أهم متطلبات العدالة الانتقالية

وأشار عمار عز الدين إلى أن "أهم متطلبات العدالة الانتقالية اليوم تتعلق بجبر الضرر، وتعويض المتضررين الذي هدمت منازلهم في محافظات حمص وريف دمشق وإدلب وغيرها، إذ يوجد إلى اليوم الكثير من العائلات التي ما تزال تجلس في الخيم لأنها غير قادرة على إعادة إعمار منازلها في ظل الوضع الاقتصادي المتراجع، ليتسنى فيما بعد الحديث بمنحى المسائلة والمحاسبة، كما يجب العمل على إصلاح المؤسسات كالمؤسسة القضائية التي تعد فاسدة من جهة القوانين والأشخاص الذي يعملون عليها".

بنود العدالة

المدير التنفيذي لمنظمة "العدالة من أجل السلام" المحامي رامي النومان، يرى أن العدالة الانتقالية ستحاسب الجناة وتؤسس لمجتمع سوري قوي يسوده القانون، بهدف "الوصول إلى المصالحة وبناء السلام، من خلال عدة بنود، أولها: المحاسبة وفقاً لآليات مختلفة إما دولية عن طريق مجلس حقوق الإنسان ومؤسسة المفقودين والأمم المتحدة ولجان التحقيق الدولية ومحكمتي الجنايات الدولية والعدل، علماً أن هذه الآليات كان بعضها قاصراً ومسيّساً خلال الفترات الماضية، كما يمكن أن تتم المحاسبة من خلال آليات وطنية يمكن اللجوء إليها كتشكيل محاكم خاصة، إضافة إلى وجود آليات مختلطة كتشكيل محاكم خاصة بإشراف دولي، وهذا ما يفضله رجال القانون".

أما البند الثاني من العدالة الانتقالية، بحسب كلمة النومان، فيتمثل في "كشف الحقائق، وعادة ما تشكل اللجان من المجتمع المدني وذوي الضحايا والحكومة نفسها، لتوثيق الانتهاكات، أما البند الثالث يتمثل بجبر الضرر الذي يكون إما مادياً من خلال إنشاء صندوق وطني لدعم ضحايا الحرب أو معنوياً من خلال إعادة تأهيل الجروح النفسية لذوي الضحايا، فيما يتركز البند الرابع على الإصلاح المؤسساتي وخاصة الأجهزة الأمنية والقضائية، ليأتي فيما بعد بند المصالحة الوطنية ونشر السلام، وهذا البند تهدف إليه العدالة الانتقالية ولكن في النهاية وليس في البداية".

واعتبر النومان في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "سورية دخلت فعلياً في مرحلة العدالة الانتقالية، ويجب على الجهات المعنية المباشرة بالإجراءات، فلا بد من محاسبة الجناة وكشف الحقائق وتعويض الضرر وإصلاح المؤسسات للوصول إلى مجتمع آمن يسوده السلام والحديث حينها عن المصالحة الوطنية"، لافتاً إلى أن "هدف المؤتمر رسم خارطة الطريق للعدالة الانتقالية والخروج بأجندة معينة ووضعها تحت تصرف الحكومة، ومناشدتها بالإسراع في هذه العملية، خوفاً من توجه الضحايا إلى الانتقام العشوائي، والفوضى".

وأكد ضرورة نشر الوعي بأن ليس كل من عمل في مؤسسات النظام السابق هو مجرم، وهذا الأمر يقع على عاتق المجتمع المدني، كما يجب تأكيد أن القوانين السورية ليست جميعها قوانين رئيس النظام المخلوع بشار الأسد.

محاسبة تسلسلية

وبالعودة إلى مجريات المؤتمر، قلب ممثل رابطة المحامين السوريين الأحرار سامر الضيعي، في كلمة له: "أهم ما يريده ذوو الضحايا اليوم أن تكون أصواتهم مسموعة وأن يكونوا جزءاً من رسم سياسات عملية العدالة الانتقالية، ومسار المحاسبة والمسائلة، علماً أن العدالة الانتقالية ليست مجرد محاكمات، إنما تشمل أيضاً الاعتراف بالحقيقة وجبر الضرر وعدم تكرار الانتهاكات، وأن يكون هناك قوانين تحمي السوريين".

وشدد على "ضرورة أن يعرف أهالي الضحايا أن عملية المحاسبة هي عملية تسلسلية، فليس كل من كان جزءاً من النظام سيكون تحت مطرقة المسائلة أو يتعرض للمحاسبة، وهنا يجب التمييز بين القيادات التي خططت لارتكاب الجرائم، والأفراد الذين نفذوا وساهموا في هذه الجرائم، إضافة إلى الأفراد العاديين، وهنا يجب إجراء عملية موازنة نفسية واجتماعية بين قضية الاستقرار والمحاسبة".

كما أكد "ضرورة إحداث هيئة مستقلة تضم عائلات الضحايا والأشخاص الذين تعرضوا لانتهاكات، لتراقب مسار عمل العدالة الانتقالية والمحاسبة، كي لا تتحول المحاسبة إلى عملية انتقامية ضد طرف معين، بل يجب أن تكون متوازنة هدفها الاستقرار"، لافتاً إلى الحاجة للعدالة الترميمية إلى جانب العدالة الانتقالية، كونها تساهم في إعادة نسيج المجتمع السوري كي لا يفقد السوريون مكتسبات الثورة ومشروع التغيير الذي قاموا به وقدموا من أجله آلاف الضحايا والشهداء والمهجرين.

أما مدير البرامج في رابطة المحامين السوريين الأحرار حسين المحيميد، فأشار في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "مفهوم العدالة الانتقالية هو مفهوم قديم، لكنه حديث بالنسبة للسوريين بعد أن تحرروا من النظام البائد وكشفوا الحجم الهائل من الانتهاكات وجرائم الحرب، بدليل شهادات المعتقلين الذين خرجوا والمفقودين الذين لم يعرف مصيرهم حتى اليوم"، داعياً إلى ضرورة تعريف السوريين وأهل الضحايا بالمعنى الحقيقي للعدالة الانتقالية وإجراءاتها للوصول إلى تماسك مجتمعي ومستقبل جيد لسورية.

ولفت إلى أن عملية التوثيق هي العملية الأساسية لتحقيق العدالة الانتقالية من ناحية التقدم بشهادات أمام المحاكم الوطنية والدولية والمختلطة، ولكن ما حدث هو ضياع بعض من تفاصيل جرائم النظام، إلا أنه يوجد أدلة أخرى قد يتم الاستئناس بها لمتابعة عمليات الادعاء، ويمكن الاستفادة من تجارب الكثير من الدول الأخرى لتحقيق مفهوم العدالة الانتقالية كتجربة جنوب إفريقيا وصربيا وتونس والعراق وغير ذلك.

المساهمون