استمع إلى الملخص
- الأحزاب الكندية ترفض خطاب ترامب، مما يغير أولويات الانتخابات من القضايا المحلية إلى التركيز على حماية الهوية الوطنية وتقليل الاعتماد الاقتصادي على الولايات المتحدة.
- مارك كارني، السياسي الليبرالي، يشهد ارتفاعاً في شعبيته بفضل قدرته على مواجهة ترامب، بينما يتراجع حزب المحافظين بقيادة بيير بواليفير بسبب توجهه نحو اليمين والشعبوية.
تتجه كندا نحو انتخابات عامة، اليوم الاثنين، وسط تقلبات في شعبية الأحزاب والشخصيات، فرضتها التصريحات "العدوانية" للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفقاً للكنديين، حول رغبته بالتوسع وضم كندا إلى بلاده.
وفي العادة، لا تثير الانتخابات البرلمانية الكندية اهتماماً أميركياً وأوروبياً، لكن وقائع المائة يوم منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تفرض اهتماماً بما يمكن أن تفرزه. فكندا عضو في مجموعة الدول الصناعية السبع، فضلاً عن كونها عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والجار الأقرب ثقافة ولغة (عند الأغلبية) للأميركيين. وبالنسبة لنحو 17 إلى 18 مليون ناخب كندي، فإنه ليس بمبالغة القول إن تصويتهم هذه المرة يسوده عدم الثقة بالجار الجنوبي، وبعض الخوف على مستقبل بلادهم، إذ عدا عن أن ترامب يريد جعلهم مواطني الولاية الـ51 الأميركية، فإنه يخوض ضدهم حربه التجارية، ما يدفعهم إلى وضع التصويت على خلفية أيديولوجية جانباً.
وما يأمله مواطنو كندا هو فرز قيادة قادرة على مواجهة تحديات ترامب، تماماً كما جرى مع انتخابات جزيرة غرينلاند التابعة للدنمارك، بتصويت المواطنين لأحزاب ترفض طلبات ترامب ضمها إلى بلاده. ببساطة إذاً، اختيار الكنديين لبرلمانييهم اليوم يأتي برغبة ترتيب البيت الداخلي للدفاع عن هويتهم الوطنية، واقتصادهم، وثقافتهم الخاصة. وعلى مستوى الاهتمام الخارجي بهذه الانتخابات، فيبدو أنها تأتي على خلفية تعبير الكنديين عن رأيهم بترامب ومطالبه، فهم الأقرب لأميركا والأكثر تماساً معها عبر التاريخ.
وما يمكن ملاحظته أن معظم الأحزاب السياسية التي تخوض الانتخابات اليوم، من الحزب الليبرالي والاجتماعي الديمقراطي الجديد، وحتى المحافظ، والكتلة الكيبيكية، والخضر، عبّرت عن رفضها لخطاب ترامب الذي تصفه بـ"العدائي" بشأن ضم بلدها. صحيح أن رتابة انتخابات كندا، لولا العامل الترامبي هذه المرة، كانت ستخوض في مسائل تهم مصالح سكانها، من الشرق إلى الغرب، كقضايا ارتفاع تكاليف المعيشة، وأجرة وأسعار المساكن، فضلاً عن تغير المناخ، إلا أن طغيان مستقبل الأمة أمام ما يرونه تهديداً آتياً من الجار الجنوبي، بات عاملاً هاماً في شعبية الأحزاب وقادتها.
ويرتفع اليوم صوت البحث عن قيادة كفوءة بعيداً عن الأيديولوجيا، للإجابة على سؤال: من يستطيع مواجهة ترامب؟ أضف إليه أن كندا الصناعية أصبحت بحاجة لسياسيين براغماتيين قادرين على جعل بلادهم أقل اعتماداً اقتصادياً في علاقتهم على الجار الجنوبي الأميركي، وبالتالي جعل البلاد أقل عرضة للمخاطر والضغوط السياسية.
مارك كارني... شعبية قلبت المشهد
ويبدو أن السياسي الليبرالي ورئيس الوزراء مارك كارني قطع خلال فترة قصيرة أميالاً طويلة في السياسة الكندية. فالرجل القادم من عالم المصارف، في بنك كندا وبنك بريطانيا (إنكلترا)، أصبح مفضلاً لدى كثيرين من الناخبين في مواجهة "التاجر" ترامب. فقبل أن تندلع سجالات ترامب مع كندا، كانت المؤشرات تذهب إلى خسارة فادحة للحزب الليبرالي، خاصة لو بقي رئيس الوزراء السابق جاستن ترودو على رأسه. لكن، ومنذ دخول ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي، تبدّل منحنى شعبية الأحزاب والشخصيات. إذ كان من المتوقع في ذلك الشهر أن يفوز حزب بيير بواليفير المحافظ بنحو 47% من الأصوات، ليشكل أغلبية كبيرة في البرلمان. الحزب الليبرالي، تحت جناح كارني، كان يواجه خطر التراجع إلى المرتبة الثالثة بنحو 18.6%، إذ تقدّم عليه الاجتماعي الديمقراطي الجديد بنحو 18.7%، وتلته في المركز الرابع كتلة كيبيك بنحو 10%.
الآن، وبعد نحو 100 يوم من وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وتحديداً في استطلاعات جرت بين 18 و23 إبريل/نيسان الحالي، انقلب المشهد. حصل الليبراليون على دعم 40.7% من المستطلعين، بينما تراجع المحافظون إلى 39.7، وكذلك تراجع "الديمقراطي الجديد" وكتلة كيبيك إلى 9.2 و6.4% على التوالي.
وبالطبع فإن هذا التحول في المشهد ليس بدون تفسير. فتغيير قيادة الليبراليين ساهم في إظهار أن الأمة في وقت الأزمات يفضل ناخبوها القادة الأقوياء والأكفاء. وهناك تفسير إضافي مثير للاهتمام بنفس القدر، فالمرشح الذي كان الأوفر حظاً من حزب المحافظين، بواليفير، تحوّل قبل تلمّس العامل الترامبي نحو اليمين أكثر، وأصبح يُصنَّف شعبوياً، وينسج علاقات خاصة مع يمين الجمهوريين في الولايات المتحدة، بل ونسخ بعض خطابات ترامب عن "جعل كندا عظيمة مرة أخرى"، وسوّق نفسه بوصفه سياسياً صارماً في مجالات الاقتصاد الكندي.
إذاً، نزيف بواليفير من شعبيته يبدو واضحاً، إلى حدّ توقع بعض الكنديين أن يخسر مقعده الشخصي في البرلمان القادم بدائرة أونتاريو الانتخابية. وبالطبع، فإن تراجع المحافظين، وبالتالي ما يشبه هزيمة للتيار الشعبوي، قد يفرض على هذا المعسكر اليميني مراجعة مواقفه، وربما الابتعاد عن ترامب حتى يستطيع لملمة ما يخسره.
وفي نهاية المطاف، إذا ما صمدت الاستطلاعات، وأفرزت فوزاً لليبرالي مارك كارني، فإن الرسالة ستكون أوضح للجانب الأميركي، وربما بعض أوروبا التي تراقب عن كثب، بأن الشعب يختار من يجد فيه قيادة كفوءة وقادرة على التخطيط طويل الأمد، ومواجهة الضغوط الترامبية بتأييد شعبي لممارسة ضغوط مضادة.