استمع إلى الملخص
- شهدت الضفة الغربية تصاعدًا في قتل الأطفال على يد الاحتلال، حيث قُتل 196 طفلًا منذ أكتوبر 2023، وفقًا لمؤسسات حقوق الطفل، وأكد عايد اقطيش أن هذه الأرقام غير مسبوقة منذ 1967.
- أعرب عايد اقطيش عن خيبة أمله من التواطؤ الدولي مع الاحتلال وغياب المساءلة، مما شجع الجنود على ارتكاب المزيد من الجرائم ضد الأطفال.
ما هي إلا دقائق معدودة ابتعد فيها الطفل صدام (10 أعوام) عن والده إياد رجب، حتى سمع الأب صوت رصاصة واحدة، وحين التفت وجد طفله الوحيد يتلوى على الأرض ويصيح "يابا، يابا". وصل الأب بشقّ الأنفس، نظراً لوضعه الصحي وصعوبة حركته، إلى ولده المضرج بالدماء محاولاً رفعه ليُفاجأ بنحو عشرين جندياً إسرائيلياً يحيطون به ويعتدون عليه، ويعيقون إسعاف ابنه.
وقعت الحادثة مساء الثلاثاء 28 يناير/كانون الثاني الماضي وكان الأب وابنه على سطح منزلهم في أحد أحياء مدينة طولكرم، التي كانت تشهد هدوءاً نسبياً نظراً لبعدها عن مكان تواجد جيش الاحتلال في مخيم طولكرم. وبعد وقت قصير طلب الطفل النزول إلى الشارع، وما كاد يقف على الرصيف الملاصق لمدخل بيتهم، حتى مرت عدة آليات للاحتلال، وأطلق جندي رصاصةً استقرت في صدر صدام، فوقع مضرجاً بدمائه وهو ينادي على والده. ووثقت كاميرا مراقبة المشهد لتؤكد أن الطفل كان أعزلاً تماماً حين قتله الاحتلال.
وقال الأب المكلوم لـ"العربي الجديد" مستذكراً تفاصيل ما جرى: "عندما وصلت إليه كانت الدماء تغطي وجهه، حملته بين يدي لنقله إلى أقرب سيارة ومنها إلى المستشفى، لكنني فوجئت بعدد كبير من جنود الاحتلال يعتدون عليّ بالضرب بأعقاب البنادق واللكمات على وجهي، ولمحت مسعفاً يقترب مني، لكن الجنود لم يسمحوا له بالاقتراب بداية الأمر، وحتى عندما وصلت سيارة الإسعاف أجبروها على أن تسلك طريقاً أبعد نحو المستشفى".
وإمعاناً من جنود الاحتلال بمضاعفة معاناة الأب رفضوا السماح له بمرافقة ابنه، وابقوا عليه برفقة اثنين من الجيران محتجزين لنحو ساعة. وأضاف الأب: "وصلت المستشفى لأجد صدام في غرفة العمليات، وأبلغني الطبيب أن الإصابة بالغة الخطورة، لأن الرصاصة دخلت من أسفل الخاصرة اليمنى وخرجت من جهة الصدر من الجهة اليمنى، ما تسبب بفتحة كبيرة وتمزق للأمعاء وضرر كبير في الأحشاء الداخلية والأعضاء الحيوية داخل البطن".
مرت الساعات بطيئة وعصيبة جداً على إياد رجب بينما يحاول الأطباء إسعاف ابنه إلى أن قرّروا نقله إلى مستشفى رفيديا الحكومي في مدينة نابلس، لكن الاحتلال احتجز مركبة الإسعاف لأكثر من ساعة، وأجبر كلّ من فيها على النزول وفتشهم بمن فيهم الطبيبة المرافقة، وقال رجب: "كان الاحتلال مُصراً على قتل ابني بأي شكل. إذ طلبوا من سائق السيارة إنزال المصاب، فأبلغهم باللغة العبرية أنه طفل وفاقد للوعي تماماً، فرد الجندي (هذا إرهابي ولازم يموت)".
وبعد معاناة طويلة وسلوك طرق التفافية نظراً لحصار الاحتلال مدينة طولكرم، وصل الطفل إلى نابلس وبقي فيها عدة أيام، ثم نُقل إلى المستشفى الاستشاري برام الله، ليعلن مساء أول أمس الجمعة 7 فبراير/ شباط عن استشهاده. يصمت الأب لدقائق ثم يمضي قائلاً: "صدام كل اشي بحياتي. عندي بنتين أكبر منه، وبنت أصغر. كنت اعتمد عليه بعدما أصبت خلال عملي قبل سنتَين، ولم أعد أقوم بواجبات البيت، فكان هو يدي اليمين وعكّازي الذي استند عليه، لقد كان يقوم بإحضار مطالب البيت من البقالة، ويرافقني إلى الطبيب والمستشفى".
قتل الطفولة
وشهد معدل قتل الاحتلال للأطفال في الضفة الغربية تصاعداً غير مسبوق بحسب إحصاءات مؤسسات تعنى بحقوق الطفل، ورصدت الحركة العالمية للدفاع عن حقوق الأطفال قتل الاحتلال 196 طفلاً في الضفة الغربية بما فيها القدس منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى اليوم، وفق ما صرح به مدير برنامج المساءلة في الحركة عايد اقطيش لـ"العربي الجديد"، ووضح اقطيش أن "184 طفلاً قُتلوا بالضفة منذ 7 أكتوبر 2023 حتى نهاية 2024، وفي العام الجديد 2025 قتل الاحتلال 12 طفلاً آخرهم الشهيد صدام رجب".
وقال اقطيش: "هذه أرقام لم نرصدها منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967. وبين عامي 2002 و2005 كان هناك تصاعد كبير في قتل الأطفال، لكن ليس بهذا المستوى، لم نتحدث عن قطاع غزة الذي شهد مجزرة مفتوحة بحق الطفولة على مدار 15 شهراً". وبخصوص قتل الطفل رجب، يشير اقطيش إلى أن مقطع الفيديو الذي وثق إطلاق الرصاص عليه قطع الطريق أمام الاحتلال لترويج روايته الكاذبة، التي يلجأ إليها دوماً، في أن جنوده شعروا بالخطر أو تعرضوا للرشق بالحجارة.
استشهاد الطفل صدام رجب من بلدة كفر اللبد شرق طولكرم متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال
— جريدة القدس (@alqudsnewspaper) February 7, 2025
فيديو يوثق اعدام الطفل صدام رجب pic.twitter.com/8GL2Ccwh07
وأعرب اقطيش عن شعوره بخذلان كبير بسبب التواطؤ الدولي والحقوقي مع الاحتلال وعدم الاكتراث لقتله هذا العدد الكبير من الأطفال، وقال: "لا توجد مساءلة تجاه قتلة الأطفال، وهذا عزّز من وحشيتهم وشجعهم على ارتكاب المزيد من الجرائم. إنّ غياب المساءلة سواء داخل جيش الاحتلال تجاه الجنود الذين يرتكبون الجرائم ويقتلون الطفولة وضعف، بل انعدام، المساءلة من المؤسسات الحقوقية الدولية، زاد من شهية الجنود على القتل".