الصين والولايات المتحدة... نذر فصل جديد من الحرب الباردة
استمع إلى الملخص
- رغم العقوبات، يتوقع الباحثون بقاء قنوات التواصل الدبلوماسية مفتوحة، لكن من غير المرجح تحقيق اختراق في قضايا مثل تايوان والاستراتيجية الأميركية في المحيطين الهندي والهادئ.
- قضية تايوان تظل حساسة، حيث تعتبرها الصين جزءًا منها، وتحذر الولايات المتحدة من تجاوز الخطوط الحمراء، مما يزيد التوترات مع تعزيز الوجود العسكري الأميركي في المنطقة.
لم يمضِ شهران على عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لكنه استطاع خلال هذه المدة القصيرة أن يحيي مجدداً حرب التصريحات والاتهامات والتعرفات الجمركية المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة والتي سادت خلال ولايته الأولى (2017-2021). ولعل أحدث فصول هذه الحرب الباردة إعلان وزارة التجارة الصينية اليوم الثلاثاء عن سلسلة من التدابير الانتقامية، بفرض عقوبات على عدد من الشركات الأميركية، بالإضافة إلى فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 15% على بعض الواردات الأميركية. وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان خلال مؤتمر صحافي اليوم الثلاثاء، أنه في حال واصلت واشنطن شن "حرب الرسوم الجمركية وحرب تجارية أو أي شكل من أشكال النزاعات ستكون الصين مستعدة لمجاراتها حتى النهاية". وجاء ذلك بعد إعلان البيت الأبيض أمس الاثنين أن ترامب وقّع أمراً تنفيذياً بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية إلى 20% بسبب ما وصفه بإخفاق بكين في التصدّي للاتجار بالفنتانيل.
مسار العلاقات الأميركية الصينية
وحول تأثير ذلك على مسار تطبيع العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، توقع الباحث في الشؤون الدولية لي تشونغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ينحصر تأثير الإجراءات العقابية في مجالها التجاري والاقتصادي، من دون أن يمسّ ذلك قنوات التواصل الدبلوماسية، خصوصاً في ظل إعلان ترامب في ولايته الثانية انفتاحه على خصومه التقليديين بما في ذلك الصين وروسيا وكوريا الشمالية. لكنه استبعد أن يحقق الرئيس الأميركي أي اختراق في الملفات الشائكة بين البلدين، بما في ذلك مسألة تايوان، والاستراتيجية الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ التي تقوم على أساس التهديد الصيني لحلفاء واشنطن في المنطقة.
استبعد لي تشونغ أن يحقق الرئيس الأميركي أي اختراق في الملفات الشائكة بين البلدين، بما في ذلك مسألة تايوان
وفي تعليقه على الرسوم الجمركية التي فرضتها الصين على بعض البضائع الأميركية، قال أستاذ الدراسات الاقتصادية في جامعة "صن يات سن" الصينية، قوه جيانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هذا أول رد من الصين على سلسلة العقوبات الأميركية في ولاية ترامب الثانية، وذلك يؤكد أن بكين ستمضي على النهج نفسه الذي اتّبعته مع إدارة ترامب الأولى، أي أن أي تعرفات جمركية أميركية ستُقابل بالمثل وبالنسبة نفسها، وكذلك في ما يتعلق بالعقوبات التي تستهدف الكيانات والشركات الصينية. وأضاف أنه بموجب العقوبات الجديدة، ستُمنع الشركات الأميركية المدرجة في قائمة الكيانات غير الموثوق بها من التجارة مع الصين أو القيام بأي استثمارات جديدة في البلاد، لافتاً إلى أن هذا الإجراء سيكون بمثابة الطلقة الأولى لحرب تجارية جديدة بين البلدين، قد تمتد على مدار الأربع سنوات المقبلة.
خطوط بكين الحمر واستفزازات واشنطن
ولطالما شددت الصين على أن قضية تايوان هي المشكلة الأكثر أهمية وحساسية وانفجاراً في العلاقات الصينية الأميركية. وتقول إنه في حال كانت الولايات المتحدة لا تريد إشعال فتيل الصراع، فعليها أن تتوقف عن تجاوز الخطوط الحمر في قضية تايوان.
ورأى ترامب في تصريحات أمس الاثنين أن غزواً صينياً لتايوان سيكون "حدثاً كارثياً". ولكن، قبل ذلك كان ترامب قد تحدث بصورة ودية عن علاقته بنظيره الصيني شي جين بينغ، ووجّه له دعوة لحضور مراسم تنصيبه في العشرين من يناير/كانون الثاني الماضي، كما أبدى استعداده لتصحيح مسار العلاقات مع بكين، ورفض أخيراً التعليق عما إذا كانت الولايات المتحدة ستسمح للصين بالسيطرة على تايوان بالقوة، وقال: "لن أعلق على ذلك أبداً. لا أريد أن أضع نفسي في هذا الموقف أبداً". واكتفى بالتعبير عن رغبته في الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة، قائلاً: "نريدهم أن يأتوا ويستثمروا. نريدهم أن يستثمروا في الولايات المتحدة. هناك الكثير من الأموال القادمة وسنستثمر في الصين. سنفعل أشياء مع الصين. ستكون العلاقة التي سنقيمها مع الصين جيدة جداً".
رأى ترامب أن غزواً صينياً لتايوان سيكون "حدثاً كارثياً"
في المقابل، أثارت تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، بشأن جزيرة تايوان، والاقتصاد والتجارة، ومنشأ كوفيد-19، وشؤون المحيطين الهندي والهادئ، وملف الأويغور، غضب بكين. وكان روبيو قد قال في مقابلة مع قناة فوكس نيوز، بُثت قبل أيام، إن أفضل طريقة لمنع الصراع في مضيق تايوان هي أن تكون لدى الولايات المتحدة "قدرة عسكرية" قوية، مضيفاً أن الولايات المتحدة بحاجة إلى أن تكون حاضرة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ للتعامل مع الصين. وتابع: "لدينا موقف راسخ بشأن تايوان لن نتخلى عنه، وهو أننا ضد أي تغيير قسري في وضع تايوان".
وفي رده على هذه التصريحات، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان، في إفادة صحافية أمس الاثنين، إن تصريحات روبيو ذات الصلة مليئة بعقلية الحرب الباردة وتهدف إلى نشر الأكاذيب والمغالطات. وأضاف أن الصين مستاءة بشدة وتعارض ذلك بشدة، وقد قدّمت احتجاجات رسمية للولايات المتحدة. وفي ما يتعلق بمسألة تايوان، قال لين إنه لا توجد سوى صين واحدة في العالم، وتايوان جزء لا يتجزأ من الصين. ولفت إلى أن الولايات المتحدة تشوه مبدأ الصين الواحدة وتصر على استخدام جزيرة تايوان لاحتواء الصين.