استمع إلى الملخص
- تسعى الصين لتعزيز نفوذها في أفريقيا بدعم المجالس العسكرية في دول الساحل وملء الفراغ الذي خلفه انسحاب القوات الغربية، لحماية مصالحها الاقتصادية والأمنية.
- تستفيد الصين من الفرص الاقتصادية في أفريقيا لتعزيز وجودها الأمني وتأمين سلاسل التوريد للمعادن الحيوية لصناعاتها التكنولوجية والطاقة النظيفة.
عيّنت الصين في فبراير/ شباط الماضي العقيد تشين شومينغ ملحقاً دفاعياً لها في النيجر، التي انسحبت منها القوات الأميركة والفرنسية خلال العامين الماضيين. وأكد تشين، في حفل استقبال أُقيم في السفارة الصينية في نيامي، قبل أيام، أمام السفير الصيني جيانغ فينغ، وكبار القادة العسكريين النيجيريين، بمن فيهم الأمين العام لوزارة الدفاع النيجرية، ساني كاشي، استعداده للعمل مع الدولة الواقعة في غرب أفريقيا لتنفيذ مبادرة الأمن العالمي، إطار الصين للتعاون الدولي في القضايا الأمنية، لتوسيع وتعميق التعاون بين جيشي البلدين. ووعد بأن الصين ستدعم النيجر في تعزيز قدراتها الأمنية وفي مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود من أجل الحفاظ على السلام والأمن في النيجر ومنطقة الساحل الأفريقي.
ومبادرة الأمن العالمي هي إطار حدّدته الصين للتعامل مع القضايا الأمنية، صدر ضمن ورقة بعنوان مفهوم مبادرة الأمن العالمي، ونُشرت على موقع وزارة الخارجية الصينية في فبراير 2023. وتقوم المبادرة على ستة مبادئ أساسية، وهي الالتزام برؤية الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام، والالتزام باحترام سيادة جميع البلدان وسلامة أراضيها، وبمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وبأخذ المخاوف الأمنية المشروعة لجميع البلدان على محمل الجد، فضلاً عن الالتزام بحل الخلافات والنزاعات بين الدول سلمياً من خلال الحوار والتشاور، وبالحفاظ على الأمن في المجالات التقليدية وغير التقليدية.
من جهتها، أوضحت وسائل إعلام صينية أن تعيين الملحق الدفاعي الصيني الجديد في النيجر يشير إلى تحرك أكبر من جانب بكين لتعزيز الأمن في أفريقيا. وأضافت أن دعم بكين للمجلس العسكري في النيجر ليس سياسة معزولة. ففي منطقة الساحل الأفريقي شبه القاحلة والتي تقع جنوب الصحراء الكبرى، تدعم الصين أيضاً المجلسين العسكريين في بوركينا فاسو ومالي المجاورتين لمساعدتهما على تعزيز قواتهما المسلحة. ولفتت إلى أن هذا جزء من التحول الجيوسياسي الذي شهد ملء الصين للفراغ الذي خلفه خروج القوات الفرنسية والأميركية من المنطقة، وجزء من استراتيجية مخططة من قبل بكين للمساعدة في حماية مصالحها الأفريقية، وأنه من بين الأسباب وراء تعيين تشين تصحيح التوازن في الملحقين العسكريين، إذ إن للصين ملحقين عسكريّين في أفريقيا أقل مما لأفريقيا في الصين.
جو فانغ: تربط الصين اليوم علاقات وطيدة بالمجالس العسكرية الحاكمة في دول الساحل الأفريقي الغربي
وكانت فرنسا قد سحبت آخر جندي لها من مالي في 15 أغسطس/ آب عام 2022، كما طُردت قواتها من بوركينا فاسو والنيجر وتشاد والسنغال وساحل العاج في أوقات متفاوتة بعد الانقلابات العسكرية التي وقعت في تلك الدول، حيث حضرت القوات هناك بسبب التهديد الأمني من الجماعات المتطرفة مثل بوكو حرام وتنظيم داعش في غرب أفريقيا. كذلك أنهت نيامي في مارس/ آذار 2024 اتفاقاً يقضي بإبقاء نحو ألف جندي أميركي مشاركين في مهمة مكافحة الإرهاب. ووصفت الحكومة النيجرية آنذاك الولايات المتحدة بأنها تتبنّى موقفا متعالياً.
وكان وزير الخارجية الصيني وانغ يي قد توجّه إلى أفريقيا مطلع العام الحالي في أول جولة خارجية له بمناسبة العام الجديد، وشملت الزيارة كلّاً من ناميبيا وجمهورية الكونغو وتشاد ونيجيريا، وقد أثارت هذه الجولة تساؤلات بشأن دور الصين وسعيها لملء الفراغ وتعزيز نفوذها في القارة الغنية بالموارد مع تضاؤل حضور أوروبا وتردد الولايات المتحدة. ورداً على هذه الادعاءات، أكّدت بكين مراراً أنها لا تسعى إلى أن تحلّ مكان أحد، وأن أنشطتها الدبلوماسية والعسكرية في القارة السمراء تندرج ضمن اتفاقيات وشراكات مع هذه الدول تقوم على أساس احترام القواعد والقوانين الدولية ذات الصلة.
مبررات الوجود الأمني في الساحل الأفريقي
في ردّه على سؤال لـ"العربي الجديد" بشأن التطلعات الصينية في القارة السمراء، أعرب الخبير في العلاقات الدولية لي وين، المقيم في بكين، عن أسفه لأنه "عادة ما يتم رصد وتقييم الأنشطة الصينية في الخارج من منظور المنافسة الجيوسياسية الإقليمية، وهذا ينتقص من قيمة العلاقات الصينية الدولية والشراكات الاستراتيجية التي تربطها بحلفائها". وأضاف: "نعم الصين لديها مصالح بحكم مشاريعها الممتدة، وكذلك اعتقاد راسخ بأن القارة الأفريقية أرض الفرص وهي مليئة بإمكانات التنمية، إلى جانب أن بكين لديها التزام ثابت تجاه تنمية القارة بما يخدم مصالحها ومصالح الشركاء على قدم المساواة". وبالتالي برأيه، فإن "مثل هذه الشراكات تحتم العمل على تثبيت بيئة آمنة ومستقرة، خصوصاً في الدول التي تشهد اضطرابات أمنية، من هنا تبرز الحاجة إلى تعزيز الوجود الأمني للصين في تلك المناطق بالتنسيق من حكومات هذه الدول، وليس من منطلق الوصاية والاشتراطات السياسية".
كذلك أشار الخبير في العلاقات الدولية إلى أن النهج غير المتوازن الذي تتبناه الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب في التعامل مع العلاقات الدولية قد يدفع باتجاه تطلع الدول الأفريقية إلى الصين باعتبارها شريكاً موثوقاً. ولربما أبرز هذه الدوافع، بحسب قوله، تجميد الوكالة الأميركية للتنمية مساعداتها الخارجية، ما تسبب بإيقاف عشرات الآلاف من الموظفين عن العمل.
مكاسب الصين
من جهته، أعرب الباحث الزميل في جامعة آسيا (تايوان)، جو فانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأنه لا يمكن فصل تحرك الصين في منطقة الساحل الأفريقي والمناطق الأفريقية عموماً عن التراجع الغربي في القارة، لافتاً إلى أن تتبع مسار الأنشطة الصينية يُبرز بصورة جلية أنها تأتي لتحل في الأماكن التي غادرها التحالف الغربي والمؤسسات الدولية في أفريقيا، كما أن بعضها يتصل بقضايا الأمن الإقليمي.
وقدّم جو فانغ مثالاً دولة تشاد، التي زارها وانغ يي مطلع العام، فهي غنية بالنفط، وتقع في منطقة الساحل الأفريقي المضطربة والتي شهدت سلسلة من الانقلابات في السنوات الأخيرة، وتخضع للحكم العسكري منذ انقلاب عام 2021. ولفت إلى أنه "منذ طرد القوات الفرنسية قبل عامين ونصف، عزّزت الصين من وجودها الأمني والعسكري، وتربطها الآن علاقات وطيدة بالمجالس العسكرية الحاكمة في دول الساحل الأفريقي الغربي، وهذا بطبيعة الحال يخدم مصالحها الاستراتيجية، ويؤمن لها في الوقت ذاته ما تحتاجه من نفط ومعادن في تلك المناطق"، وفق رأيه. يُشار إلى أن تشاد وجيرانها المباشرين يؤدّون دوراً رئيسياً في جهود بكين لتأمين سلاسل التوريد العالمية للمعادن الحيوية في قطاعي التكنولوجيا الفائقة والطاقة النظيفة، بما في ذلك صناعة السيارات الكهربائية التي تهيمن عليها الصين حتى الآن. وتُعد تشاد واحدة من العديد من الدول الإقليمية التي طلبت من القوات الفرنسية المغادرة، وسط تصاعد المشاعر المعادية لفرنسا.