الصومال: جدل حول الانتخابات المباشرة ومخاوف على الوضع الأمني

24 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 04:09 (توقيت القدس)
شيخ محمود في مقديشو، 27 فبراير 2025 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الخلافات السياسية في الصومال: فشل خمسة اجتماعات بين الحكومة والمعارضة يعكس عمق الخلافات، حيث تشكك المعارضة في شفافية العملية السياسية، بينما يركز الرئيس حسن شيخ محمود على استكمال الدستور كنقطة محورية.

- التقدم في المباحثات السياسية: تم تحقيق تقدم نسبي في الاتفاق على انتخاب الرئيس عبر البرلمان ومناقشة مرونة النظام الحزبي لتمكين الأحزاب الصغيرة من الاندماج.

- التحديات والفرص الانتخابية: تسعى الحكومة لتنظيم انتخابات مباشرة وسط مخاوف المعارضة من الفساد، مع تسجيل مليون ناخب في إقليم بنادر، مما يعكس رغبة قوية في المشاركة السياسية.

أظهر فشل خمسة اجتماعات متتالية بين الحكومة الصومالية والمعارضة المنضوية تحت مظلة "منصة الإنقاذ الصومالية"، عمق الخلافات السياسية الراهنة في الصومال. يأتي ذلك في ظل مخاوف أبداها قادة المعارضة حيال شفافية العملية السياسية وجدّية الحكومة في الالتزام بتعهداتها المتعلقة بالدستور والانتخابات، في وقت يزداد الانقسام حول مستقبل النظام الديمقراطي في البلاد.

وكان بارزاً اعتبار الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، خلال زيارته مدينة طوسمريب، عاصمة ولاية جلمدغ، الخميس الماضي، أن المشهد السياسي الحالي في الصومال يفتقر إلى معارضة موحدة تحمل مشروعاً وطنياً متماسكاً. وقال إن "المعارضة التي كنتُ جزءاً منها عام 2022 تختلف كلياً عن المعارضة الحالية. اليوم لا توجد رؤية موحدة، كل طرف يسير في اتجاه خاص به، وهذا لا يقود إلى أي تقدم". وشدد شيخ محمود على ضرورة استكمال الدستور، وهو وعد قطعه منذ حملته الانتخابية قبل فوزه عام 2022، معتبراً أن ذلك يمثل خطوة محورية نحو تنفيذ نظام انتخابي يقوم على مبدأ "شخص واحد، صوت واحد". وأضاف: "علينا تجاوز العقبات الراهنة مثل استكمال الدستور وإعادة السلطة للشعب". كما انتقد الرئيس الصومالي اعتماد المشهد السياسي على الأفراد والمصالح الشخصية، قائلاً: "يجب أن نغادر السياسة المبنية على الأشخاص فقط، ونؤسس أحزاباً قائمة على مبادئ ورؤى واضحة، فهذا هو السبيل إلى إحداث تحول سياسي واجتماعي مستدام".

مباحثات شاقة

وفي السياق، كشف المتحدث باسم كتلة المعارضة السياسية (منصة الإنقاذ الصومالية)، السفير طاهر محمود جيلي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المباحثات مع الرئيس الصومالي شاقة وصعبة، لكنها لم تصل بعد إلى طريق مسدود". وضرب مثالاً بأن "إحدى الجلسات استغرقت أكثر من 19 ساعة متواصلة، وهو ما يعكس جدية الطرفين في النقاش".ولفت إلى أن "لجنة الحوار تألفت من ستة أعضاء، ثلاثة من المعارضة وثلاثة من الحكومة".

طاهر محمود جيلي: جرى الاتفاق على أن يتم انتخاب الرئيس عبر البرلمان

وبحسب طاهر جيلي، تم تحقيق تقدم نسبي بشأن النقاط الجوهرية المثارة حولها الخلافات، إذ "جرى الاتفاق على أن يتم انتخاب الرئيس عبر البرلمان الصومالي كما كان معمولاً به في السابق"، موضحاً أن "المبدأ الأساسي يتمثل في أن المرشح للرئاسة يجب أن يكون محل توافق وألا تشوبه أي شبهات، بل أن يحظى بدعم واضح يضمن حصوله على الأغلبية، وهذه الأغلبية ينبغي أن تُستمد من البرلمان الصومالي، بوصفها المؤسسة التي تمثل الشعب الصومالي بشكل مباشر". وأضاف أن "مسألة سحب الثقة من رئيس الوزراء يجب أن تتم أيضاً عبر البرلمان، وليس من خلال رئاسة المجلس كما ورد في المسودة الأخيرة لتعديل الدستور"، مؤكداً أنه "حتى الآن، ما زالت النقاشات تدور حول هذه النقاط الجوهرية، ونعمل معاً على توسيع دائرة التفاهم بشأنها".

وشرح طاهر جيلي أنه "طُرحت أيضاً قضية الأحزاب السياسية، حيث نص التعديل الدستوري الأخير (في 2024 جرت تعديلات رئيسية على الدستور المؤقت لعام 2012) على ضوابط صارمة". إلا أن التوافق "كان باتجاه جعل النظام أكثر مرونة، بحيث يُسمح للأحزاب التي تحصل على 8 أو 9 أو 10 مقاعد بدخول البرلمان مباشرة، بينما يُطلب من الأحزاب التي تقل عن ذلك أن تندمج مع غيرها للوصول إلى النسبة المطلوبة". 

تأجيج النعرات القبلية

ورأى مراقبون أن تدهور الوضع السياسي في الصومال يؤدي إلى تأجيج النعرات القبلية، ما يؤثر سلباً على التماسك الداخلي والاستقرار الأمني النسبي. وفي هذا الصدد قال الصحافي الصومالي، أويس حسين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "انزلاق الوضع السياسي إلى الفشل وعدم الاستقرار يمكن أن يؤدي إلى لجوء المعارضة السياسية إلى خيار إذكاء القبائل وزعماء العشائر، لمواجهة الحكومة الفيدرالية، ما يعرقل جهودها للقضاء على الإرهاب". وبالتالي، وفق حسين، "يمكن أن تستغل المعارضة هذا الفراغ والتواصل مع ضباط في الجيش الصومالي وقوات الشرطة وحثهم على التمرد والعصيان العسكري على الحكومة وقراراتها، كما حصل عام 2021 عندما واجهت الحكومة الفيدرالية تمرداً داخلياً من الشرطة والجيش، لأن النظام السياسي عماده الأساسي من القبائل وسطوة رجالها".

أويس حسين: الخلافات السياسية يمكن أن تؤدي إلى تفويت الفرصة على الحكومة الفيدرالية لمكافحة الإرهاب

وأشار إلى أن الخلافات السياسية في الصومال "يمكن أن تؤدي إلى تفويت الفرصة على الحكومة الفيدرالية لمكافحة الإرهاب وتنفيذ مشاريع تنموية في البلاد، مقابل تكثيف جهودها في استقطاب السياسيين والمعارضين وانشغالها عن مهامها الرئيسة في تنظيم انتخابات مباشرة والحرب على الإرهاب، ما يقوض جهود سنوات طويلة وتعود البلاد إلى نقطة الصفر مجدداً".

وأوضح حسين أن "الخلافات بين الرئاسة الصومالية والمعارضة يمكن أن تتعمّق أكثر كلما اقتربنا من موعد انتهاء ولاية الرئاسة الصومالية الحالية" في مايو/ أيار 2026، كما أن "ازدياد حجم هالة الخلافات بين الأطراف الصومالية يمكن أن يقوِّض مسار تنظيم انتخابات مباشرة في البلاد العام المقبل، والعودة إلى خيمة أفسيوني التي نظمت في السنوات الماضية الانتخابات التقليدية (انتخاب البرلمان من خلال مندوبين محليين، ومن ثم انتخاب رئيس البلاد من النواب دون مشاركة شعبية)". لكن في رأيه "خيار التفاوض بين تلك الأطراف ما زال مفتوحاً، خصوصاً قبل انتهاء مدة الرئاسة الحالية".

جدل انتخابات الصومال

ويعد الفصل الرابع من الدستور الصومالي المؤقت لعام 2012، الذي عدَّله البرلمان الفيدرالي في إبريل/نيسان عام 2024، بمنزلة حقل الألغام الذي فجَّر الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، خصوصاً بين المعارضة ورئيسي ولاية جوبالاند وبونتلاند من جهة، والحكومة الفيدرالية من جهة ثانية. ويقرر هذا الفصل بعد التعديلات الدستورية، انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب لمدة خمس سنوات، وحق رئيس البلاد في تعيين وإقالة رئيس الحكومة، إلى جانب تقليص عدد الأحزاب السياسية المسموح بها إلى ثلاثة فقط، ما ينهي المحاصصة القبلية في البلاد.

فرحان إسحاق يوسف: الحكومة الفيدرالية تسعى إلى تنظيم انتخابات مباشرة 

ورأى الباحث في مركز الصومال للأجندة، فرحان إسحاق يوسف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن جوهر الخلاف "يكمن في إجراء انتخابات مباشرة غير متفق عليها، بينما الحكومة الفيدرالية تسعى إلى تنظيم انتخابات مباشرة وعدم العودة إلى النموذج الانتخابي غير المباشر". ويتعلق الخلاف أيضاً بـ "بطلان قرارات البرلمان بخصوص التعديلات الدستورية، خصوصاً في ما يتعلق بكيفية انتخابات الرئيس، وضرورة إلغاء الاعتماد على النظام الرئاسي بدل البرلماني والذي وافق عليه مجلس الشعب ضمن التعديلات الدستورية عام 2024". وأشار إلى أن "المعارضة السياسية لديها مخاوف من الذهاب إلى انتخابات مباشرة تنظمها الحكومة الفيدرالية خشية الفساد وعدم الشفافية، ولديها تحفظات كثيرة للجنوح نحو نموذج انتخابي مباشر لا توافق عليه من الشركاء السياسيين وأقطاب المعارضة في البلاد".

ووفق يوسف، فإن "ذرائع المعارضة السياسية لرفض الانتخابات المباشرة غير واضحة بعد"، مضيفاً أن "هناك أيضاً تقسيمات داخل كتلة المعارضة، حيث إنهم لا يريدون الذهاب إلى انتخابات غير مباشرة والتي تخول إلى رؤساء الولايات الفيدرالية حق ترشيح أعضاء مجلسي الشعب". وفي رأيه "خوض غمار الانتخابات المباشرة بالنسبة لهم يثير مخاوف من نزاهتها، ولهذا فالمعارضة تقف على مفترق طرق من التحديات والخلافات التي تهيمن على مستقبل قيادات المعارضة، وهو ما يجعل المعارضة أكثر ضعفاً وانقساماً حالياً".

وتتزامن حالة الشد والجذب السياسي في الصومال، مع إعلان رئيس اللجنة الوطنية للانتخابات والحدود في الصومال، عبد الكريم أحمد حسن، الأسبوع الماضي، إغلاق عملية تسجيل الناخبين في إقليم بنادر (العاصمة مقديشو)، مؤكداً أن ما يقارب المليون مواطن حصلوا على بطاقات الاقتراع، فيما كان الهدف الأساسي تسجيل 812 ألف شخص. وبحسب وكالة "صونا" الرسمية، أوضح عبد الكريم حسن أن هذه الخطوة تعكس رغبة قوية لدى سكان مقديشو والمناطق المحيطة بها في المشاركة السياسية، مؤكداً أن عملية التسجيل ستستمر خلال الفترة المقبلة في بقية الأقاليم الصومالية، تمهيداً لتنظيم انتخابات المجالس المحلية على مستوى البلاد.

وأشار إلى أن انتخابات مجلس بلدية مقديشو مقررة في 30 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، إذ سيُفتح نحو 800 مركز اقتراع أمام الناخبين للإدلاء بأصواتهم، في خطوة توصف بأنها الكبرى من نوعها في تاريخ العاصمة التي يعيش فيها نحو أربعة ملايين شخص. وتُعدّ هذه الانتخابات البلدية أول تجربة واسعة لتطبيق نظام "شخص ـ صوت" في الصومال، بعد سنوات طويلة من الاعتماد على نظام المحاصصة القَبَلية "4.5" (التي تتقاسم على أساسها المناصب وتعطي أربع قبائل صومالية رئيسية حصة كاملة، في وقت تتقاسم القبائل الباقية مجتمعة نصف حصة). ويُنظر إلى مشاركة ما يقارب المليون ناخب في بنادر كتحوّل جذري يفتح الباب أمام اعتماد الاقتراع المباشر مستقبلاً في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

ورغم الزخم الذي رافق العملية، لم تخلُ من جدل سياسي واسع. فقد اعتبرت قوى معارضة أن الحكومة تستغل الانتخابات لترسيخ نفوذها في مقديشو، بينما أعربت ولايات فيدرالية مثل بونتلاند وجوبالاند عن مخاوف من أن تتحول التجربة إلى أداة بيد السلطة المركزية. إلى جانب ذلك، تُثار تساؤلات حول قدرة الحكومة على ضمان أمن مراكز الاقتراع في ظل تهديدات حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، وكذلك حول البنية التحتية الفنية لإدارة عملية انتخابية بهذا الحجم. لكن المؤيدين يعتبرون أن مشاركة ما يقارب المليون ناخب في إقليم بنادر تمثل رسالة واضحة بأن الشعب الصومالي يتطلع إلى طيّ صفحة انتخابات المحاصصة القَبَلية، وإرساء ديمقراطية قائمة على المشاركة الشعبية المباشرة. وبهذا، يدخل الصومال مرحلة سياسية فارقة قد تضع الأساس لتحولات أعمق، إذا ما نجحت انتخابات أكتوبر 2025 في بنادر، لتصبح نموذجاً يُحتذى في باقي الولايات الفيدرالية.