استمع إلى الملخص
- تعمل الصين على تطوير صواريخ باليستية جديدة، بما في ذلك الأسلحة الأسرع من الصوت، ونجحت في إطلاق صاروخ دونغ فينغ-31 إيه جي، مما يعكس تقدمها في هذا المجال.
- تأتي هذه الجهود ضمن خطة التحديث العسكري التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ لتعزيز القدرات العسكرية للصين في مواجهة التحديات الخارجية.
كشفت دراسة صينية حديثة أن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات تتقدم في العمر بسرعة كبيرة، وقد تصبح المئات منها غير صالحة للاستخدام. وأظهرت الدراسة، التي أجراها علماء صينيون حول العمر الافتراضي لوقود الصواريخ، مشكلة خفية، لكنها مهمة، تتعلق بالوقود الصلب المستخدم في الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. وقد يفسر هذا الأمر الفشل المتكرر في الإطلاق الذي شهدته بعض القوى النووية في السنوات الأخيرة.
ولفتت الدراسة، التي نُشرت في المجلة الصينية لتكنولوجيا الدفع في 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى أنه في ظل ظروف التخزين العادية، قد يبدو وقود الصواريخ النموذجي مستقراً لمدة 160 عاماً أو أكثر، لكن الاختبارات التي أجريت في المختبر الوطني الرئيسي للدفع الصاروخي الصلب في مدينة شيآن شمال غرب البلاد، وجدت أن تغييرات كبيرة قد تحدث في أعمدة الوقود في غضون 30 عاماً، مما يجعلها غير قادرة على تحمّل الأحمال أثناء الطيران.
دراسة الوقود الصلب المستخدم في الصواريخ الباليستية
وركز الفريق الصيني، بقيادة المهندس تشين بينغ جو، في بحثه على الوقود الصلب المستخدم عادة في الصواريخ الباليستية والذي يتكون بشكل أساسي من بيركلورات الأمونيوم، ومسحوق الألومنيوم ومادة رابطة. وحسب الدراسة، فقد أخضع الفريق الوقود لعملية شيخوخة متسارعة في درجات حرارة عالية لمدة تصل إلى عام، ووجدوا أنه في حين بدا الوقود القديم مستقراً أثناء التخزين الروتيني، فإنه عندما وضع تحت ضغط مرتفع، أصبح أكثر هشاشة بشكل ملحوظ مقارنة بالوقود الجديد.
دراسة صينية: بكين جهزت نفسها بأنواع جديدة من الصواريخ الباليستية
وقال تشين، في الدراسة، إن قدرة الوقود على تحمّل أحمال الضغط أثناء تشغيل المحرك أمر بالغ الأهمية للحفاظ على سلامة هيكل حبيبات الوقود. وأضاف: تشير نتائجنا إلى أن مرونة الوقود تحت الضغط قد تتضرر بعد 27 عاماً فقط. وتابع أن بنية الوقود الصلب معقدة، حيث تحتاج بعض الأجزاء إلى أن تتناسب بشكل محكم مع جسم الصاروخ، ما يتطلب من الوقود الحفاظ على ليونة جيدة تحت الضغط. ووفقاً لتشين، فإن الضغط الناتج أثناء الإطلاق، والذي يبلغ حوالي ستة ميغا باسكال، يمكن أن يتسبب في تعرّض الوقود القديم للكسر السريع.
ولفتت الدراسة إلى أنه في نوفمبر 2023، واجه صاروخ باليستي عابر للقارات من طراز مينتمان 3 من إنتاج شركة بوينغ الأميركية، خللاً أثناء الطيران، مما أدى إلى تدميره ذاتياً. وبعد شهرين فقط، لقي صاروخ ترايدنت 2 الذي صنعته الولايات المتحدة أيضاً، وأطلق من غواصة تابعة للبحرية الملكية البريطانية، مصيراً مماثلاً. وقالت إن كلا النوعين من الصواريخ الباليستية يشكلان جزءاً حيوياً من قوات الردع النووي للولايات المتحدة وحلفائها. وأشارت إلى أن هناك أكثر من 400 صاروخ من طراز مينتمان 3 في الخدمة. وتم تصنيع هذه الصواريخ الباليستية في سبعينيات القرن العشرين، في حين أن صاروخ ترايدنت 2 كان في الخدمة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.
وأوضحت الدراسة أن صاروخ مينتمان عانى من عدة إخفاقات أثناء عمليات التفتيش الروتينية وعمليات الإطلاق التجريبية في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى تفاقم المخاوف بشأن تراجع قدرة الردع النووي للولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، يُعتبر "ترايدنت" أحد أكثر أنظمة توصيل الرؤوس الحربية النووية موثوقية، حيث أجرت بريطانيا 10 عمليات إطلاق تجريبية ناجحة على التوالي، لكن الإطلاقين الأخيرين انتهى كلاهما بالفشل.
الصين تجهز نفسها بصواريخ جديدة
في المقابل، أشار الفريق البحثي إلى أن ترسانة الأسلحة النووية الصينية أصغر بكثير من ترسانة الولايات المتحدة وروسيا، لكن بكين جهزت نفسها بأنواع جديدة من الصواريخ الباليستية، بما في ذلك الأسلحة الأسرع من الصوت. ويمكن إطلاق العديد من هذه الأسلحة من منصات متحركة، مثل الشاحنات أو القطارات، ما يوفر لها قدرة أكبر على البقاء، مقارنة بالصواريخ التي يتم إطلاقها من صوامع تحت الأرض، مثل صاروخ مينتمان 3 الأميركي. وقالت إنه في سبتمبر/أيلول الماضي، أطلقت الصين بنجاح صاروخاً من طراز دونغ فينغ-31 إيه جي، القادر على حمل رؤوس نووية متعددة، ووصل الصاروخ إلى هدفه الافتراضي في جنوب شرق المحيط الهادئ.
وكانت بكين قد كشفت، في مايو/أيار الماضي، أن الصاروخ الباليستي التكتيكي المعروف باسم فاير دراغون 480، والذي تم تصديره إلى الشرق الأوسط، سيكون قادراً على إغراق طراد أميركي من فئة تيكونديروغا الموجودة في البحر الأحمر، وذلك وفقاً لمحاكاة كمبيوتر أجراها الجيش الصيني. وأوضحت، في حينه، أنه مع التنسيق الوثيق بين سرب من الطائرات من دون طيار واعتماد تكتيكات جديدة، فإن هناك حاجة إلى ستة من هذه الصواريخ الموجهة طويلة المدى في المتوسط لتدمير سفينة حربية أميركية كبيرة.
لياو ليانغ: بكين تعمل بكل طاقتها لتقييم القدرات العسكرية للقوى المعادية
وفي تعليقه على نتائج الدراسة الصينية، قال محرر الشؤون العسكرية في صحيفة كانتون الصينية، لياو ليانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، إن ذلك يندرج في إطار خطة التحديث التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ، عام 2013، والتي تتركز على استثمار التطور التكنولوجي وتوظيفه في خدمة الأهداف والاستراتيجيات العسكرية. وأضاف أن ما جاء في الدراسة يؤكد أن بكين تعمل بكل طاقتها لتقييم القدرات العسكرية للقوى المعادية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، من أجل تحصين نفسها وحماية أمنها وسيادتها، والارتقاء بكفاءتها القتالية بما يتسق مع التحديات والتهديدات الخارجية التي تزداد يوماً بعد يوم.
وكان الباحث في معهد جيانغ شي للدراسات السياسية، لين وي، قد تحدث في وقت سابق لـ"العربي الجديد"، عن مسألة تحديث الترسانة العسكرية الصينية وأسبابها. وقال إن هناك ضرورة أمنية بعيداً عن أي اعتبارات وتأويلات سياسية أخرى. وأضاف: نحن نتحدث عن دولة لديها نزاعات حدودية مع أغلب جيرانها في الشرق والجنوب والغرب، كما أن الصين ربما تكون الدولة الوحيدة في التاريخ الحديث، التي جُند ضدها أكبر وأقوى التحالفات الدولية بقيادة الولايات المتحدة بذريعة مواجهة التهديد الذي يشكله الصعود الصيني اللافت في عدة قطاعات ومجالات، خصوصاً الاقتصاد والتكنولوجيا.
يشار إلى أن التحديثات الأخيرة أثارت تساؤلات حول الترسانة العسكرية لبكين ودوافعها. وتاريخياً، عُرف عن الصين أنها صاحبة أكبر جيوش العالم عدداً، إذ بلغ تعداد الجيش حالياً حوالي 2.3 مليون جندي. وقد أُخذ عليها خلال العقود الماضية اهتمامها بالكمّ على حساب الجودة، أي أنها لم تلق بالاً لمسألة التحديث العسكري، وظل جيشها لعقود طويلة غير مؤهل في العتاد والقدرات القتالية، فضلاً عن أن آخر حرب خاضها الجيش الصيني كانت ضد فيتنام في 1979. لكن مع وصول الرئيس شي جين بينغ إلى السلطة في عام 2013، اختلف الأمر تماماً، إذ أطلق عملية تحديث الترسانة العسكرية للصين بصورة شاملة. وشهدت هذه العملية خطط بناء وإصلاحات كبيرة، كان أبرزها خفض قوات الجيش في مقابل الاعتماد على التكنولوجيا العسكرية، وزيادة موازنة الدفاع، وتعزيز القدرات القتالية.