الشارع الفلسطيني إلى أين؟

الشارع الفلسطيني إلى أين؟

31 أكتوبر 2021
احتجاج تضامناً مع الأسرى في غزة (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -

شهدت الفترة الماضية العديد من التحركات الشعبية الفلسطينية، من انتفاضة كل فلسطين التي وحدت الجغرافيا والكتلة الاجتماعية الفلسطينية داخل وخارج فلسطين، إلى نظيرتها الداعمة لنضالات الحركة الأسيرة في السجون الصهيونية لا سيما بعد عملية الجلبوع البطولية، مرورا بالتحركات المناطقية في القدس والمناطق المحتلة عام 1948 والضفة الغربية، مع الإشارة إلى تنوع مسار التحركات الشعبية في الضفة الغربية بين مواجهة قوى الاحتلال الصهيوني وقطعان المستوطنين إلى مواجهة السلطة الوظيفية الفلسطينية وفسادها وممارساتها المرفوضة وطنيا وإنسانيا. لكن ورغم الحيوية الشعبية في الفترة الماضية، نجد من يعتقد أننا قد خسرنا زخم النضال الشعبي الموحد داخل وخارج فلسطين، بعد فتور انتفاضة كل فلسطين، مستشهدين ببعض مظاهر النضال المناطقية المعزولة عن سائر الحركة النضالية الفلسطينية الشعبية، من نضال البلدات المقدسية مرورا بنضال حي بيتا مرورا بنضالات أهالينا في مدن 48 وصولا إلى الحركات الاحتجاجية في مناطق الضفة الغربية، وعليه هل فقدنا الزخم الذي رافق انتفاضة كل فلسطين حقا؟

للإجابة على هذا السؤال ومن أجل محاولة استقراء آفاق الحركة الشعبية الفلسطينية، لا بد من التدقيق في معطيين محوريين الأول معني بتبعات انتفاضة كل فلسطين الميدانية والثاني معني بأهداف وتطلعات الحركة النضالية الشعبية؛ إذ كانت لانتفاضة كل فلسطين تبعات مباشرة انعكست على الشارع الفلسطيني سريعا، وهو ما جعل من مواجهة التبعات مهمة وطنية ملحة من أجل ضخ مزيد من القوة والزخم في متن الحركة الشعبية النضالية. فقد واجهت الكتلة الشعبية في مناطق 48 توحشا أمنيا صهيونيا تجاه قواها الحية، تمخض عن حملات اعتقال تعسفية وإطلاق يد المستوطنين والمتعصبين الصهيونيين تجاه البلدات الفلسطينية وسكانها. كما تيقنت الكتلة الاجتماعية في مناطق الضفة من دور السلطة المعيق للحركة النضالية الشعبية، كما تبدى في انتفاضة كل فلسطين، خصوصا بعدما أوغلت السلطة في عنفها وجبروتها تجاه النشطاء والمناضلين الفلسطينيين لاحقا، كما يحدث هذه الأيام تجاه معارضيها من الاعتقال إلى القتل تحت التعذيب، وكذلك تبدى في تنصل السلطة من مسؤوليتها في حماية أبطال عملية الجلبوع بمن فيهم الأسيران اللذان تمكنا من الوصول إلى جنين. وعلى ذات المنوال، أدركت الكتلة الاجتماعية داخل قطاع غزة الصعوبات التي تحد من مساهماتها النضالية نتيجة الحصار أولا وتوجهات القوى المسيطرة على القطاع ممثلة بحماس ثانيا، باستثناء مظاهر المقاومة المسلحة المنظمة من داخل القطاع الخاضعة لإرادة حركة حماس والتي تثير بعض المخاوف والتحفظات من هنا وهناك. لذا باتت من الملح مواجهة هذه التحديات وفق مناطقها الجغرافية، نظرا لمخاطر هذه التحديات على وحدة وقوة وديمومة الحركة الشعبية النضالية داخل كل منطقة وعلى مستوى كل فلسطين أيضا.

بالتالي، تحمل غالبية النضالات المناطقية طابعا وطنيا عابرا للمناطق انطلاقا من حرص المناضلين على تجاوز المعوقات والصعوبات التي أضرت بالحركة النضالية الشعبية العابرة للمناطق، مع إدراك غالبيتهم لأهمية التمييز بين أولويات النضال المفروضة في كل منطقة على حدة وبين متطلبات النضال العابرة للمناطق، مثل كسر حصار غزة وإيقاف الحركة الاستيطانية في القدس والضفة، التي تفرضها ظوف كل منطقة في حين يتطلب تحقيق النجاح فيها إلى نضال عابر للمناطق أو بأفق عابر للمناطق بالحد الأدنى، كما تجلى في انتفاضة كل فلسطين، وكذلك الأمر تجاه الاعتداءات الصهيونية داخل مناطق 48 وتجاه تجاوز دور السلطة الوظيفي الذي يتطلب ما هو أكثر من الضغوط الممارسة من أجل إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.

من كل ذلك نجد في التدقيق بالنضالات المناطقية الحاصلة اليوم توجها وطنيا واضحا وشاملا لا يستثني سائر مناطق فلسطين والشعب الفلسطيني منها، بل على العكس هو يسعى إلى دمجها وتوحيدها التنسيق معها بالحد الأدنى، في حين تبدو الظروف الميدانية داخل فلسطين شديدة الصعوبة والتعقيد، الأمر الذي يحد من إمكانيات توحيد الحركة الشعبية دون تجاوز التبعات المناطقية الكارثية، وهو ما فرض مهمة وطنية ملحة على الحركة النضالية الشعبية يتمثل في كسر الواقع المجزأ والمتباين الذي فرضته الصهيونية. وهو ما يوحي بأننا مقبلون على مرحلة نضالية طويلة متنوعة ومتأرجحة الزخم والطابع تتراوح بين النضال المناطقي بأفق وطني والنضال الممتد على مستوى كل فلسطين، حتى تتمكن الحركة الشعبية من النجاح في تجاوز المعوقات التي فرضتها الصهيونية واستعادة زخم الحركة النضالية الشعبية الموحدة كما جسدتها الانتفاضتان السابقتان وخصوصا الأولى، ما يمهد الطريق أمام تجذير النضال التحرري وتمكينه من تحقيق أهدافه الرئيسية في التحرر واستعادة كافة الحقوق المستلبة.