السيسي يُحكم السيطرة على المجلس العسكري

السيسي يُحكم السيطرة على المجلس العسكري

19 يوليو 2021
قادة مقربون من السيسي بينهم حجازي سيستفيدون من التعديلات (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -

في ثاني تعديل على تشريعات القوات المسلحة خلال شهرين، أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل يومين تعديلاً على قانون القيادة والسيطرة، بما يضمن تحكمه المطلق في اختيار قيادات الجيش وأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بما في ذلك التخلص السريع من القادة الذين قد لا يقدمون الأداء المطلوب منهم أو غير ذلك من الأسباب التي تستدعي إطاحتهم، في خطوة جديدة لإحكام السيطرة لمصلحته.

وبشكل أساسي، تضمّنت التعديلات تغيير مدة الخدمة لرئيس أركان حرب القوات المسلحة وقادة الأفرع الرئيسية، لتكون سنتين قابلة للتجديد بقرار من رئيس الجمهورية لمدة سنة ومن دون حد أقصى، بعدما كانت المدة أربع سنوات قابلة للتمديد سنة وتجديدها بحد أقصى أربع سنوات أخرى. ويعني ذلك الإسراع بإجراء إنهاء الخدمة لبعض القادة في حال عدم الصلاحية بعد عامين فقط بدلاً من أربعة، وفي الوقت ذاته تمكين رئيس الجمهورية من الإبقاء على رئيس الأركان أو قادة الأفرع الرئيسية، لأكثر من ثماني سنوات، كانت هي الحد الأقصى لاستمرار أيٍّ منهم في موقعه سلفاً.

أسباب عديدة تدفع السيسي للسيطرة على المجلس الأعلى للقوات المسلحة

وبتطبيق هذه المادة على المجلس الأعلى للقوات المسلحة حالياً، يتبيّن أن هناك عدداً من القادة الذين سيستفيدون من هذا النص، المعروفين بقربهم الاستثنائي من السيسي، مثل رئيس الأركان الحالي الفريق محمد فريد حجازي، الذي يقترب من إتمام أربع سنوات في منصبه، وقائد القوات البحرية أحمد خالد، الذي يقترب من إتمام خمس سنوات في المنصب. أما باقي قادة الأفرع الرئيسية، فسيسري عليهم هذا التعديل بما يجعلهم أكثر حرصاً على إرضاء السيسي لضمان استمرارهم في منصبهم لأجل غير مسمى بعد إتمامهم أول عامين.
وتكاملاً مع هذا التنظيم، تضمّن القانون الجديد عدم تطبيق المواد الخاصة بسنّ معاش حاملي رتبتي الفريق والفريق أول، على رئيس الأركان وقادة الأفرع الرئيسية. ففي الأصل، تكون مدة خدمة اللواء سنة واحدة يحال بعدها على التقاعد، كما تكون مدة خدمة الفريق والفريق أول سنتين يحالان بعدها على التقاعد، مع جواز مدّ السن لهما سنة واحدة أخرى.

ولضرورة سيطرة السيسي على المجلس الأعلى للقوات المسلحة أسباب عديدة من وجهة نظر النظام الحاكم، فالقانون الأخير ذاته يتضمّن مادة تسمح للمرة الأولى لرئيس الجمهورية بإصدار قرارات بإنشاء "قوات جديدة أو تعديل الأسلحة القائمة"، وذلك بعد موافقة المجلس، الأمر الذي يشي بقرب إصدار السيسي قراراً بإنشاء قوة جديدة رجحت مصادر حكومية أن تتكوّن من "عناصر مشتركة بين عدة أفرع بقيادة جديدة يختارها السيسي مباشرة". ولهذا السبب وغيره من المسائل العسكرية، يتطلب الأمر تحكماً في أغلبية المجلس لضمان تأييد السيسي في قراراته ومساعدته على تنفيذ خططه.

ويضمن هذا الأمر، التحكم في مفاتيح إدارة الجيش والقيادة العملية له من دون تركه عرضة لسيطرة وزير الدفاع أو أي قادة آخرين يظهرون، وقد يكون لديهم الطموح الشخصي المناوئ لقواعد الحكم الحالي التي كرسها السيسي بإطاحته عدداً كبيراً من أعضاء المجلس وتعيينه مجموعة جديدة من الشخصيات مأمونة الجانب، الذين مهدوا له أولاً طريق الرئاسة، ثمّ وافقوا فيما بعد على اتباع نهج مخالف بالتضييق على منافسه الفريق سامي عنان، رئيس الأركان الأسبق، عندما قرر خوض انتخابات الرئاسة عام 2018، إذ عاجلوه بصفعة قانونية محكمة، باعتبار أن عنان ما زال "ضابطاً تحت الاستدعاء"، شأنه شأن باقي أعضاء المجلس العسكري الحاكم بعد الثورة، وبالتالي لم يكن يجوز له الترشح من دون أن يستقيل أولاً بإذن المجلس الذي يسيطر عليه السيسي، ما أدى إلى مساءلته واعتقاله ومحاكمته وسجنه.

رسّخ السيسي مكانة المجلس العسكري في ميدان السياسة المصرية

كذلك فإنّ السيسي من خلال عدة تشريعات أصدرها العام الماضي، رسّخ مكانة المجلس العسكري في ميدان السياسة المصرية كقائم على حماية النظام عند اللزوم، ودافع لمرشح رئاسي إذا اقتضت الحاجة، إذ حظر الترشح على الضباط الموجودين في الخدمة، أو الذين انتهت خدمتهم في القوات المسلحة، لانتخابات رئاسة الجمهورية أو المجالس النيابية أو المحلية، إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وبالتالي، أصبح هذا المجلس قيّماً على الإرادة السياسية للضباط الحاليين والسابقين، يسهّل لمن يشاء ويمنع من يخرجون عن المطلوب.

وعلى الرغم من أن المجلس العسكري اقتحم رسمياً بذلك المجال السياسي، فإن السيسي لم يمنحه كل الصلاحيات التي تمكنه من قيادة "نظام سياسي"، بل استأثر لنفسه بإمكانية استخدام المجلس العسكري ومجلس آخر هو "مجلس الأمن القومي"، لتشكيل كيان يشبه مجلس الدولة الصيني، أو مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، برئاسته، وبصورة تضمن تحكمه الكامل في الأعضاء والاختصاصات، وما سيصدر عن هذا الكيان المشترك. كذلك قنّن السيسي من خلال التشريع، سيطرته العملية على المجلس العسكري، القائمة واقعياً منذ 6 سنوات، والتي تُرجمت بصورة صريحة عندما عيّن وزير الدفاع الحالي محمد زكي بدلاً من سلفه صدقي صبحي منذ عامين. فبعدما كان قانون المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحالي يحصر العضوية في عدد معين من القيادات بصفاتهم العسكرية، أضيفت فقرة "تجيز لرئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة ضمّ أعضاء للمجلس من قيادات القوات المسلحة وفقاً للحاجة"، ما يعني تحكّم السيسي المطلق في عدد الأعضاء واتجاهاتهم أيضاً، واستطاعته - في أي وقت تتأزم فيه الأمور - إدارة الدفة لمصلحته.

المساهمون