السيد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، لعل موظفيكم قدّموا لكم التقارير تلو التقارير حول مآلات القضية الفلسطينية. فما يجري في غزة والضفة الغربية من جرائم حرب على الهواء لا يتطلب "التعبير عن القلق"، وإطلاق مناشدات فحسب.
السيد غوتيريس، لزمن طويل شاهدتم أنتم وسابقوكم كيف أوغل التطرف الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فدولة الاحتلال الإسرائيلي وأمام فرجة دولية، قامت لسنوات برعاية جماعات التطرف المسلحة في الضفة والقدس المحتلتين (من بينهم فتية التلال وكهانا حي) لممارسة أبشع الجرائم بحق الواقعين تحت الاحتلال، من دون محاسبة من واضعي القوانين الدولية.
ما من شك أن الرعاية الأميركية، وجزءا من تلك الغربية، تتحمل مسؤولية مئات الضحايا المدنيين تحت الاحتلال، بما فيها حرق الناس في المنازل (ويمكن مراجعة ملف أسرة الطفل أحمد دوابشة)، وتدمير الممتلكات والأراضي الزراعية، واعتقالات تطاول الأطفال والكبار، وممارسات كثيرة منافية للقرارات الأممية خلف جدار الفصل العنصري.
تلك وغيرها من انتهاكات لا تُحل بالتعبير عن القلق.
فقد وصلت الأمور بالشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة إلى نقطة لا يمكن إلا أن تؤدي إلى تدحرج الانفجار، بعد أن طفح الكيل من الازدواجية والنفاق الدوليَين.
السيد غوتيريس، أمام عادة الاحتلال في اختراع أكاذيب عن "معاداة السامية" و"قطع الرؤوس"، يبدو غريباً هذا النفاق الذي ترونه بين وقوف الغرب مع أوكرانيا ولا مبالاته بجرائم حرب الاحتلال الإسرائيلي.
وذلك في نهاية المطاف يولّد مجدداً خسارة الغرب نفسه للرأي العام العربي، وفقدان منظمتكم وقوانينها للمصداقية عنده، وهو الذي لا يقل تضامنه مع فلسطين عن تضامن شوارع أوروبية مع الأوكرانيين. فقيمة دماء الفلسطينيين لا ينبغي أن تكون بمستوى تجهيل سافكيها بالقول: "مات ألف فلسطيني وقُتل ألف إسرائيلي".
السيد غوتيريس، موظفو منظمتك الدولية يعرفون، كما يعرف أي فلسطيني، أن القرار 181 (تقسيم فلسطين إلى دولتين) و194 (عودة اللاجئين الفلسطينيين) لم يطبق منهما شيء بعد ثلاثة أرباع القرن.
بل إن تمادي الاحتلال في رعاية إرهاب المستوطنين، واقتحاماتهم المحمية بجيشه في المسجد الأقصى، ووصف الفلسطينيين بـ"الحيوانات البشرية"، أمر ما كان ليمر لو أن الفلسطيني هو الذي يستهدف دور عبادة يهودية، ويصف الساسة الفلسطينيون الإسرائيليين بـ"الحيوانات غير المستحقة للحياة".
والأمر واضح في الازدواجية والنفاق الممتد من واشنطن إلى بروكسل.
وللتذكير سيد غوتيريس، دوركم هو إنهاء 56 سنة من الاحتلال، وتطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، بما فيها 252 و267 و271 و446 و452 و478 و493، وعشرات القرارات الأخرى التي ترفض المستوطنات وتغيير معالم الأرض والسكان، أو انتهاك اتفاقية جنيف الرابعة (حماية المدنيين أثناء الحرب).
وكما تعلمون من مسيرتكم الدبلوماسية الطويلة أن "منظمة التحرير الفلسطينية" اتخذت منذ اتفاق أوسلو 1993 الخطوات الواضحة بشأن السلام. وبعد 30 سنة ها أنتم مرة أخرى تعودون بالشعارات للشعب الفلسطيني عن "التطلعات المحقة"، وهي تطلعات تستحق إجراءات لا كلاماً.
فقد حان الوقت يا سيد غوتيريس لقولها صريحة: شبع ناس المنطقة كل هراء الحديث عن السلام وأسسه، واستبداله باتفاقيات تطبيع بين بعض الحكومات ودولة الاحتلال.
فحق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس غير قابل للتصرّف، وبالتالي فموت حلّ الدولتين تتحمل عواقبه الأمم المتحدة والدول التي تمنح دولة الاحتلال رخصة طلب الإبادة وارتكاب جرائم حرب.