السويد: يوم جديد من الصدامات ومخاوف من تأثير سلبي على المهاجرين

السويد: يوم جديد من الصدامات ومخاوف من تأثير سلبي على المهاجرين

18 ابريل 2022
تصف الشرطة هذه الصدامات بأنها "أعنف" ما واجهته على الإطلاق (ستيفان جيريفانغ/فرانس برس)
+ الخط -

تتواصل في السويد، منذ يوم الخميس الماضي، أعمال الشغب والصدامات بين الشرطة وعدد من المتظاهرين الشبان في عدد من المدن، وذلك احتجاجاً على قيام اليميني المتطرف الدنماركي السويدي، وزعيم حزب "سترام كورس" (تشديد الاتجاه)، راسموس بالودان، الخميس الماضي، بحرق نسخة من القرآن قرب العاصمة استوكهولم، وإعلان نيته الانتقال إلى مدن أخرى.

الصدامات، التي تصفها الشرطة السويدية بأنها "أعنف" ما واجهته على الإطلاق، انتقلت أمس الأحد، وحتى وقت متأخر من الليل، إلى مناطق لم يصلها أصلاً بالودان. فقد شهدت مالمو (جنوب) في وقت متأخر من ليل أمس وفجر اليوم الإثنين، أعنف الصدامات في حي روزنغورد. ولفتت الشرطة السويدية إلى أن نحو 100 شخص تجمعوا وقابلوا دوريات الشرطة برشقها بالحجارة والقنابل الحارقة. وتطورت الأمور إلى إشعال إطارات السيارات، وصناديق القمامة، وغيرها.

ونقلت الصحف ووكالة الأنباء السويدية "تي تي"، عن المتحدث باسم شرطة الجنوب السويدي باتريك فورس، قوله إن الشغب تصاعد بعد الساعة 11 من ليل الأحد "حيث قام البعض أيضاً بسحب مقطورات من محطة بنزين (يجري تأجيرها ومخصصة لنقل أثاث وما شابه) وجرى إحراقها".

الحرائق المفتعلة، والتي أصابت في الأيام السابقة في مدن مختلفة سيارات الشرطة وحافلة نقل نجا ركابها وسائقها، توسعت إلى حرق سيارات مواطنين مركونة في المنطقة، فيما أُضرمت النيران في مدرسة قريبة بعد منتصف الليل. وواجه المحتجون رجال الإطفاء، ما اضطر الشرطة أيضاً للتدخل من أجل السيطرة على الحرائق، حيث أعلن صباح اليوم أن المدرسة المستهدفة "حدث فيها دمار كبير".

وشهد أمس الأحد أعنف الصدامات بين الشرطة السويدية ومحتجين في مدينتي نورشوبينغ ولينشوبينغ (جنوب وسط)، على الرغم من أن اليميني المتطرف بالودان، لم يقم بتظاهرة حرق نسخة من القرآن فيهما. وأدى عنف المواجهة إلى إشهار رجال الشرطة للمسدسات المخصصة للسيطرة غير القاتلة، ما أدّى إلى إصابة 3 من المحتجين الذين استخدموا بكثرة المفرقعات والحجارة للتصدي للشرطة، كما جرى أيضاً استهداف سيارات المواطنين بحرقها. وأعلنت الشرطة السويدية فجر اليوم الإثنين اعتقالها 25 متظاهراً في كلتا المدينتين.

وعلى الرغم من أن بعض الصحف، واستناداً إلى مصادر الشرطة السويدية، تحدثت عن "حفنة من المحتجين العنيفين"، إلا أن مشاهد الصدامات، وتحويل الشوارع إلى ساحات مليئة بالحرائق، واستهداف السيارات باستخدام المولوتوف، التي غطت تماماً منذ الخميس الماضي على إجازة عيد الفصح المستمرة اليوم الإثنين، باتت تقلق بعض الأطراف في مجتمعي الهجرة والسويديين من معسكر اليسار، وذلك قبل أشهر من انتخابات برلمانية مقرّرة في سبتمبر/أيلول المقبل.

وندد البعض، قبيل توسع مشاهد العنف ليلاً إلى مدن أخرى، بما جرى في منطقة أوريبرو وإحدى ضواحي استوكهولم، وقيام البعض بهذه الاحتجاجات العنيفة، وخصوصاً مشاهد الحرق والاستهداف المباشر للشرطة، والسيطرة على إحدى سياراتها.

يذكر أن أرقام الشرطة السويدية تتحدث عن أن المشاركين بالصدامات يتراوح عددهم ما بين 30 إلى 100 شخص، بحسب المدينة، ما يشير إلى أن الأغلبية ترفض اللجوء إلى العنف في الاحتجاج على ممارسات بالودان.

في السياق نفسه، خرجت أمس الأحد مجموعات من الشباب من أصول مسلمة، لتوزيع الزهور على سكان سويديين في منطقة أوريبرو، تأثرت منازلهم بالصدامات، حيث عبّر هؤلاء عن رفضهم العنف الذي حصل، والاعتداء على السيارات والأملاك. وحاول أيضاً سكان، من أصول مسلمة، في عدد من المناطق السويدية، التخفيف من وطأة ما جرى منذ الخميس، من خلال القيام بحملة تنظيف للشوارع والساحات التي شهدت حرائق وانتشار النفايات فيها.

وكانت رئيسة الحكومة السويدية ماغدالينا أندرسون، عبّرت عن صدمتها ورفضها للعنف، مؤكدة أن "ردود الأفعال هذه هي بالضبط ما يبحث عنها راسموس بالودان". ولفت وزير الداخلية في حكومتها، مورغان يوهانسون، بدوره، إلى أن مهمة الشرطة هي الحفاظ على الأمن في المجتمع، مؤكداً أنها "لن تتراجع عن ذلك في مواجهة مثيري الشغب".

ويبدو أن بيانات الشرطة السويدية، وتصريحات مسؤوليها وضباطها، عن أنها "حين تتواجد حيث ذهب راسموس بالودان، فهذا لا يعني أنها تؤيد مواقفه المتطرفة"، لم تلقَ آذاناً صاغية عند بضع عشرات المحتجين. ولفتت الحكومة السويدية مراراً منذ الخميس الماضي، بحسب ما نقلته القنوات السويدية والصحف اليومية، إلى أن "الشرطة لا تقوم بحماية تظاهرة بالودان إلا من باب الحقوق الدستورية لأي شخص يريد التظاهر، ولا يجب أن تقابل تظاهراته بالعنف".

يذكر أن السياسي المغمور راسموس بالودان، البالغ من العمر 40 عاماً، فشل وحزبه في كسب أصوات ناخبي بلده الدنمارك في الانتخابات الماضية في 2019. ويُنظر إليه باعتباره يقوم بتصرفات "استفزازية" لاستدعاء عنف محتجين شبان في تجمعات سكنية يغلب عليها طابع المهاجرين، وعادة لا تجتذب فعالياته، الموصوفة محلياً بأنها "مسرحيات رديئة" سوى بضعة مؤيدين لأفكاره المتطرفة.

ومنذ أن بدأ بريقه ينطفئ في كوبنهاغن، لتجاهل الجاليات المسلمة والإعلام له، والحكم عليه في أكثر من مناسبة بسبب العنصرية وتهديد أشخاص، حاول الرجل توسيع نشاطه نحو فرنسا وبلجيكا، حيث رفضت السلطات فيهما منحه حق التظاهر. واختار بالودان عن قصد السويد (باعتباره يحمل جنسية مزدوجة، دنماركية-سويدية)، وهي ليست المرة الأولى، بحسب ما يذهب إليه مراقبون محليون. فتصرفاته قبيل انتخابات السويد والدنمارك العام المقبل، تأتي على خلفية "سعيه للعودة إلى تصدّر الأخبار مجدداً"، وهو يستغل حالة التشنج التي شهدها الشارع السويدي بعد احتجاجات اتهمت السلطات الاجتماعية بـ"خطف الأطفال".

ويبدو أن الجمعيات المهاجرة انتبهت جيداً إلى ما يجري، وخصوصاً سيطرة الأخبار السلبية على صورة المهاجرين واللاجئين، التي تصبّ في نهاية المطاف في مصلحة تقدّم أحزاب اليمين المتشدد، وخصوصاً حزب "ديمقراطيو السويد"، وعموم معسكر يمين الوسط الساعي للعودة إلى الحكم بعد سبتمبر/أيلول المقبل.

ونقل التلفزيون السويدي أمس الأحد، عن رئيس "الجمعية الثقافية السورية" حسام مراد، تأكيده إدانة جمعيته لأعمال العنف التي وقعت. وشددت الجمعية على إدانتها للأحداث العنيفة، مؤكدة أن "مرتكبي هذه الأفعال لا يمثلون الجالية العربية والإسلامية"، وأنها صادرة عن أفراد "غاضبين وطائشين"، منددة في الوقت نفسه بـ"استفزازات راسموس بالودان في شهر رمضان، ومنحه الإذن بالتظاهر وحرق نسخة من القرآن".

وتأتي تلك التصريحات بعدما تعالت أصوات يمينية متشددة تعمّم بحق من هم من أصول مسلمة وعربية، ويعتبر فيها "ديمقراطيو السويد" أن عملية دمجهم في مجتمع السويد لا يمكن أن تتم.

وكانت استوكهولم استقبلت في 2015 أكثر من 163 ألف لاجئ. واضطرت في بداية 2016 إلى تشديد سياستها وحدودها، بعدما وجدت صعوبة في السيطرة على مسار دمج القادمين الجدد. وعادة ما يختار القادمون الجدد إلى السويد العيش في مناطق يغلب عليها طابع المهاجرين، وهو ما يجد فيه اليمين السويدي مؤشراً على صعوبة دمج وانخراط اللاجئين والمهاجرين في سوق العمل. وحاولت السلطات خلال الأعوام الأخيرة تشديد إجراءات الدمج، ودفع الناس للخروج من نظام الإعانة الاجتماعية نحو أسواق العمل، وتخفيف تكدس الأطفال في مدارس خاصة، وبعضها إسلامي، من خلال إجراءات متشددة تطاول تلك المدارس.