السويد: استقالة لوفين محاولة لاستعادة قوة يسار الوسط

السويد: استقالة لوفين محاولة لاستعادة قوة يسار الوسط

23 اغسطس 2021
لوفين واجه العديد من الأزمات خلال فترة حكمه (Getty)
+ الخط -

بإعلان رئيس وزراء السويد، ستيفان لوفين، أمس الأحد، عن استقالته، في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، من رئاسة الحكومة وقيادة حزبه "الاجتماعي الديمقراطي"، يفتح السويديون سجالاً حول مستقبل الحكم في بلادهم، قبل نحو عام من الانتخابات العامة المقررة في سبتمبر/أيلول 2022. 

وبعيداً عن توصيف بعض الصحافة في استوكهولم لكلمة لوفين عن الاستقالة من المنصبين، التي جاءت في سياق احتفال صيفي لحزبه (احتفال صيفي تقليدي لقيادات الأحزاب السويدية) بـ"القنبلة السياسية"، باعتبار أن الرجل أخفى قرار الانسحاب من الحياة السياسية إلا عن دائرة ضيقة، وقبل ساعة من خطابه، إلا أن لوفين اعتبر أنه حان الوقت للتغيير "بعد 10 سنوات في قيادة الحزب و7 سنوات في رئاسة الحكومة". 

فالنقابي الستيني (64 عاماً) واجه منذ وصوله إلى الحكم في 2014 العديد من التحديات السياسية والحزبية في حكومته الائتلافية بدعم اليسار، واضطر لتشكيل 3 حكومات في السنوات الأخيرة. 

وواجه لوفين مصاعب استمرت لنحو 100 يوم في تشكيل حكومته بعد انتخابات 2018 (شكلها في يناير/كانون الأول 2019)، واضطر في يوليو/تموز الماضي إلى الاستقالة بعد حجب الثقة عنه، بمبادرة حزب "اليسار" على خلفية سياسات سوق الإسكان السويدي. 
وذكر لوفين في كلمته التي ألقاها، أمس، بضرورة اختيار الحزب "الاجتماعي الديمقراطي" لشخص آخر للحملة الانتخابية المقبلة، معتبراً أن خطوته تهدف إلى "منح خليفتي أفضل الظروف، ومقتنع بأن قيادة جديدة للحزب ستمنحه (الاجتماعي الديمقراطي) طاقة متجددة". 

ومن المقرر أن يعقد حزب لوفين بين 2 و7 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل مؤتمره العام، الذي كان من المقرر أن يُطلق الحملة الانتخابية، ويبدو الآن ذاهبا للبحث عن بديل عن الرجل، وربما إدخال بعض التغييرات على سياساته، وسط أزمات متصاعدة في البلاد. 

ومن أبرز التحديات التي يلتقي عليها الساسة السويديون، من مختلف التيارات، أن استوكهولم تعيش أزمات مستمرة التداعيات، وفي مقدمتها قضايا الهجرة (والتدفق الكبير للاجئين في 2015) وانتشار جرائم العصابات العنيفة في مختلف مدن البلاد، والتي تؤدي بشكل شبه يومي إلى عمليات إطلاق نار وتفجيرات (وبالأخص في ضواحي المدن الجنوبية التي تقطنها أقليات مهاجرة).

كذلك فإن تقدم الخطاب الشعبوي يعد من أبرز التحديات. كما عانت استوكهولم من هجوم إرهابي في ربيع 2017 وعمليات طعن على يد طالبي لجوء مرفوضين، وجاءت جائحة كورونا والقضايا المناخية، وأزمات أخرى، لتزيد مصاعب حكم لوفين. 

وقد كلفت تلك السياسات حزب يسار الوسط الكثير من التأييد في الشارع، وباتت أحزاب يمين الوسط أكثر مجاهرة في نقد سياسات الهجرة. ودخل الحزب اليميني القومي، "ديمقراطيو السويد"، على الخط محاولاً التأثير على سياسات البرلمان بعدما حاولت أحزابه، من مختلف الاتجاهات، جعله "خارج اللعبة". 

سنوات ليست سهلة 

حاول لوفين بعد انتخابات 2018 واستخدام مهاراته النقابية التأسيس لسياسة حكومية في الوسط، باتفاقه مع حزبي الوسط والليبرالي، فاستمرت أزمة تشكيل الحكومة حتى 2019، أي بعد 4 أشهر من الانتخابات، وهو ما لم يشهده النظام السياسي السويدي المستقر منذ عقود طويلة. وأشّر ذلك إلى أن الحزب الديمقراطي العريق في البلاد، والأكثر تشكيلاً للرأي العام وعلاقات متينة بالنقابات، يعاني تراجعاً شبيهاً ببقية المعسكر الإسكندنافي ذاته، مع دخول تيارات أخرى، أكثر تشدداً، يساراً ويميناً إلى الساحة.

واضطر يسار الوسط خلال السنوات الأخيرة الدخول في مساومات مع أحزاب برجوازية لتمرير مشاريعه في البرلمان، وهو ما أدى إلى تبني سياسات أكثر ليبرالية من كونها اجتماعية ديمقراطية، مثل تخفيض الضرائب وتغيير في قوانين العمل، ما فتح أزمة في علاقته باليسار وحزب "الخضر"، وصل إلى ذروته في انسحاب حزب "اليسار" من أغلبيته البرلمانية على خلفية قانون أقرب ليمين الوسط يتعلق بترك السوق يحدد إيجارات المنازل، وهو ما لم يكن متاحاً في نظام الرفاهية وشبكة الأمان الاجتماعي في البلاد.

ويعتقد محللون مختصون بالشؤون السويدية المحلية أن أزمة الشهر الماضي كانت دافعاً لاتخاذ القرار الحالي، وخصوصاً مع بروز خلافات داخل الحزب، وتزعم وجوه نسوية تحدت لوفين في قيادة الحزب.

ولعل من الوجوه التي ستحتل مكانة في النقاشات السويدية القادمة يبرز اسم وزيرة المالية الحالية ماجدلينا أندرسون، الساعية إلى خلافة لوفين في قيادة الحزب والحكومة.

وتتمتع أندرسون بشعبية في حزبها، مراهنة على اختيارها في مؤتمر الحزب المقبل في نوفمبر/تشرين الثاني، لزعامته ولاستعادة الثقة فيه بين السويديين.

ورغم ذلك فإن المهمة ليست سهلة في وجود وجوه نسوية أخرى في الأحزاب السويدية، من اليسار ويمين الوسط، تتمتع أيضاً بمهارة الخطابة وجذب فئات اجتماعية سويدية للتصويت لها، بعيداً عن الأيديولوجيات التقليدية في البلاد. فمهمة القيادة النسوية الجديدة، قبل عام من الانتخابات، ستركز أيضاً على استمرار توحيد الحزب وجعل يمين الوسط غير قادر على التوحد للوصول إلى الحكم، خصوصاً بعد أن غير "الليبرالي" من لهجته حيال اليمين المتشدد (ديمقراطيو السويد) واعداً الناخبين السويديين بأن يكون جزءاً من حكومة ما بعد الانتخابات المقبلة، وهو الأمر نفسه الذي يتجه إليه "الديمقراطي المسيحي"، ومن خلال قيادات نسوية أيضاً في الحزبين.

وفي كل الأحوال، إلى حين حسم الاسم، فإن المهمة المباشرة لخليفة لوفين تكمن في تأمين مواصلة الحزب في الحكم، من خلال تفاوض مع حزبي "اليسار" و"الوسط" لتأمين أغلبية برلمانية حتى 2022، ولتمرير الموازنة العامة خلال الخريف المقبل حيث يسعى حزب "الخضر" البيئي إلى فرض شروطه، متسلحاً بتقارير التغيرات المناخية الصادر عن الأمم المتحدة، أخيراً، والحرائق التي باتت السويد تشهدها سنوياً. 

ويتطلب كل ذلك مهارات تستطيع التوفيق بين مصالح واتجاهات مختلف الأحزاب، في اليسار ويسار الوسط، حتى لا تسقط حكومة الديمقراطي مجددا في فخ حجب الثقة. 

دلالات

المساهمون