استمع إلى الملخص
- الهجمات الإسرائيلية على دمشق والجنوب تبرز غياب الرد السوري الفاعل، بينما تروج بعض الخطابات للتطبيع مع الاحتلال، متجاهلة مشروعه الاستعماري الذي يسعى لتقسيم المجتمعات إلى طوائف ضعيفة.
- تحتاج سوريا إلى مراجعة وطنية شاملة تعيد تعريف الهوية السورية وتبني مشروعًا يحصّن الداخل، بعيدًا عن التمنيات والخضوع للضغوط الخارجية، لضمان وحدة الموقف والاعتراف بالاحتلال.
تعيش سورية أزمة تتجاوز السياسة والأمن والقدرة العسكرية، لتطاول بنية الدولة وفكرتها الوطنية. ومشهد السويداء هو انعكاس لانفصام يتسع بين الخطاب والواقع، وسط عجز عن بلورة مشروع وطني جامع يواجه الاحتلال ومسائل الطائفية والارتهان للخارج.
الهجوم الإسرائيلي الأخير على دمشق والمنطقة الجنوبية ترافق مع تصريحات تقول: "لم نكن نتوقع العدوان". فهل يُعقل ألا تتوقع مؤسسة حكم وقوى وطنية استمرار هذا النهج المتغول والمتوعد منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي؟ وهل معقول أن يكون الجولان، المحتل منذ عقود، خارج الأولويات الوطنية، السلطوية ومن خارجها، في تلمس مستقبل البلد؟
الأخطر أن بعض الخطابات روّجت لما يسمى "مشتركات" مع الاحتلال تحت عنوان التطبيع أو "الواقعية السياسية" في تجاهل لحقيقة مشروعه الاستعماري القائم على تقسيم المجتمعات إلى طوائف وهويات هشّة يمكن تدجينها.
وفي السويداء، ظهرت أيضاً محاولات احتكار منتحل لتمثيل الدروز، وتقديمهم حليفاً مزعوماً لإسرائيل بزعم "الأخوة"، رغم أن دروز الجولان رفضوا الأسرلة، رغم الضغوط والمغريات. فهل يسأل المهرولون نحوها أهلهم هناك عن هذا الرفض؟ وعن النظرة العميقة لهم من دولة أبرتهايد تضطهد "عرب الداخل" عموماً وتقتل عشرات آلاف الأطفال والنساء في غزة؟
المشكلة لا تُختزل بالانتهازيين، بل تتجذر في غياب خطاب وطني جامع يعيد الاعتبار للمواطنة. حين تغيب الدولة القادرة على تمثيل كل مواطنيها، تبرز مشاريع الانقسام والاحتماء بالطائفية والخارج، تماماً كما تريد إسرائيل؛ كيانات أقلوية، تفتقر للسيادة، وتطلب الحماية من المحتل، بما هو بوابة لما يسمى "تسيّد العصر الصهيوني"، الذي لا يخفي مقاصده عتاة التطرف الصهيوني-الديني التلمودي، تمدداً إلى حيث يصل حذاء العسكرية الاستعمارية الإحلالية ودباباتها.
في ظل هذا الواقع، تُصدر واشنطن خطاباً منافقاً يدعو لوقف القتال، بينما العربدة الإسرائيلية استمرت بلا رد سوري. على كل، يمكن للسوريين التوجه إلى العرب المتحالفين مع واشنطن، الذين يعلنون دعم وحدة سورية واستقرارها، للضغط باتجاه سياسة عربية فاعلة توقف التدهور، وتكسر منطق العجز، كما مع غزة، حتى لا تنزلق الأمور إلى انفلات شامل.
ما تحتاجه سورية ليس إدارة أزمة، بل مراجعة وطنية شاملة تعيد تعريف الهوية السورية، وتبني مشروعاً يحصّن الداخل. لأن الوطن لا يُحمى بالتمنيات، بل بوحدة الموقف، والاعتراف أن الجولان محتل، وأن الرد يبدأ من الداخل، لا من باب تل أبيب، ولا بالخضوع لها أو بالتسليم بتوغلها على الأرض، ولا بإظهار هزال سياسي ـ إعلامي ـ دبلوماسي، على نسق: "نريد سلتنا بلا عنب". تلك السياسات لا فائدة منها مع هذا الكيان الراغب بإشعال الحرائق في كل المنطقة.