استمع إلى الملخص
- الحكومة ستدير مرحلة انتقالية تمتد من 3 إلى 5 سنوات، تشمل وضع دستور جديد وإجراء انتخابات ديمقراطية، مع ترحيب في حلب واستياء في الشمال الشرقي بسبب نقص التمثيل السياسي.
- تواجه الحكومة تحديات كبيرة مثل فرض هيبة الدولة، معالجة فوضى السلاح، وتحسين التعليم والصحة، مع آمال في استعادة الثقة الإقليمية والدولية ورفع العقوبات الاقتصادية.
تسمّر قطاع واسع من السوريين أمام شاشات التلفزيون إلى وقت متأخر من ليل السبت - الأحد، لمتابعة وقائع إعلان تشكيلة الحكومة الجديدة التي تتولى إدارة المرحلة الانتقالية، في بلاد مثقلة بالأزمات المعيشية والاقتصادية والمجتمعية، وبالآمال بقدرة الحكومة على تجاوزها.
"أنتظر هذه اللحظة منذ عام 2011"، يقول أبو أيمن، أحد سكان حيّ "ركن الدين الدمشقي"، وهو يغالب دموع فرح ممزوجة بالأمل بعد مشاهدته حفل إعلان الحكومة. وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "ضمت الحكومة أسماء شخصيات ذات خبرة في العمل الحكومي والشأن العام. أعتقد أن اختيار غالبية الوزراء كان موفقاً إلى حد بعيد. ننتظر منهم أداءً يناسب المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد".
وأدّى مساء السبت وزراء الحكومة الانتقالية في سورية اليمين أمام الرئيس أحمد الشرع الذي ألقى كلمة خلال مراسم إعلان تشكيلها، قال فيها إن البلاد تواجه تحديات كبيرة تتطلب التلاحم والوحدة، مضيفاً أن سورية تشهد ميلاد مرحلة جديدة في مسيرتها الوطنية. وتألفت الحكومة من 23 وزيراً، بينهم امرأة وحيدة، هي هند قبوات، وزيرة الشؤون الاجتماعية، وحافظ وزيرا الخارجية أسعد الشيباني والدفاع مرهف أبو قصرة في الحكومة المنصرفة على منصبيهما. ولدى الشارع السوري الكثير من الآمال بتجاوز الكثير من التحديات الماثلة، وأبرزها "ترسيخ الأمن والاستقرار في البلاد"، وفق (سعاد ح) القاطنة في العاصمة دمشق، التي أشارت في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن الفوضى الموجودة "يجب أن تنتهي"، مضيفة: "من دون الاستقرار الأمني لن يتحقق تقدم في بقية القطاعات. لا اقتصاد من دون أمن".
وستتولى هذه الحكومة إدارة مرحلة تمتد من 3 إلى 5 سنوات يتخللها وضع دستور جديد وإجراء إحصاء للسكان لإجراء انتخابات ديمقراطية لم تشهدها البلاد منذ عام 1963، وهو تاريخ استيلاء حزب البعث والعسكر على السلطة.
وفي حلب كبرى مدن الشمال السوري، قُوبلت الحكومة الجديدة بـ "ترحاب"، وفق (عمّار ع)، وهو موظف في إحدى مؤسسات الدولة، والذي أعرب عن آماله بأن تضع الحكومة مسألة زيادة رواتب الموظفين وتحسين القدرة الشرائية للناس في رأس الأولويات. وأشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن أغلب الوزراء الجدد من طبقة "التكنوقراط"، آملاً أن يبذلوا كل جهودهم لـ"تجاوز كل المشاكل والمعضلات، وبخاصة الاقتصادية"، مضيفاً: "مهمة الحكومة صعبة، فالنظام المخلوع ترك البلاد على حافة الإفلاس وزرع فخاخه في كل مفاصل الدولة".
وفي الشمال الشرقي من سورية الذي لا يزال تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) أبدى كثيرون استياءً من عدم وجود وزير يمثل هذه المنطقة الأغنى في سورية، وهي محل تفاوض بين دمشق و"قسد" لحسم مصيرها. "كنا نتمنى توسيع نطاق المشاركة في الحكومة على أن تكون على أسس سياسية وليس مناطقية"، يقول مدين شيخو القاطن في مدينة القامشلي في أقصى الشمال الشرقي.
وأشار في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الشارع الكردي تحديداً كان ينتظر حضوراً أكبر في الحكومة، معرباً عن اعتقاده أن الرئيس أحمد الشرع "كان عليه وضع مسألة التمثيل السياسي للقوى الفاعلة في المشهد السوري عند اختياره للوزراء"، مضيفاً: "لا شك أن الحكومة تضم أسماءً محترمة، وتحظى بالكثير من ثقة الشارع السوري".
وفي السياق، قال عبد الرحمن العلي، وهو من سكان ريف الرقة الغربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن عدم توزير أحد أبناء الرقة "يشكل امتداداً لسياسة تهميش هذه المحافظة"، مضيفاً: "هناك كفاءات كثيرة في محافظة الرقة كنا نتمنى أن نرى أحدها وزيراً في الحكومة". وتمنى العلي أن تضع الحكومة مسألة استعادة السيطرة على الشمال الشرقي من البلاد على رأس مهامها، مضيفاً: "لا حل لمشاكل سورية الاقتصادية من دون عودة موارد الرقة ودير الزور والحسكة إلى خزينة الدولة. استعادة هذه المحافظات الغنية بالثروات كفيل بحل جانب كبير من الصعوبات الاقتصادية والمعيشية لعموم السوريين".
وتحضر السياسة بقوة في مجالس السوريين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والحزبية والمناطقية منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول من العام الفائت. وزاد تشكيل الوزارة للمرحلة الانتقالية من أحاديث السياسة في البلاد التي دخلت هذه المرحلة في ظل تحديات وتهديدات واعتداءات تطاول جنوب البلاد من قبل الاحتلال الإسرائيلي. وزادت حدة الاستقطاب الطائفي، وخصوصاً في الآونة الأخيرة، وهو "ما يفرض على الحكومة اتخاذ إجراءات حاسمة وسريعة حيال فوضى السلاح والفصائلية وفرض هيبة الدولة"، وفق (طه ع) الذي عاد أخيراً إلى منزله شبه المدمر في داريا على أطراف دمشق الجنوبية الغربية بعد سنوات اغتراب.
وأضاف طه في حديث مع "العربي الجديد": "أداء الحكومة سيكون له أبعد الأثر في الحصول على الثقة الإقليمية والدولية التي تمهّد لرفع العقوبات التي يرزح تحتها الاقتصاد. رفع العقوبات ونيل الاعتراف الدولي بالعهد الجديد في حال تحققه خلال فترة زمنية قصيرة سيكون الإنجاز الأبرز للحكومة". وتمنّى أن تتخذ الحكومة إجراءات داخلية لـ "تخفيف الأعباء عن المواطنين"، مضيفاً: "الفقر والبؤس بيئة خصبة للتطرف الذي يهدد السلم الأهلي. أمام الحكومة مهمات جسام أعتقد أنها قادرة على التعاطي معها، وخصوصاً أن الشعب عاقد العزم على عدم عودة البلاد إلى دورة العنف تحت أي عنوان أو ذريعة أو مبرر".
إلى ذلك، رأى جهاد العبدالله، وهو من سكان ريف حلب، في حديث مع "العربي الجديد"، أن على طاولة الحكومة ملفات صعبة في ظل إمكانات محدودة، مضيفاً: "التعليم والصحة في حال كارثية، فضلاً عن القضاء والأمنين، الداخلي والخارجي. أعتقد أن تشكيل الحكومة خطوة واسعة باتجاه استعادة الثقة بالدولة".