السودان بين حكومتين... احتدام المعارك السياسية والعسكرية

24 فبراير 2025   |  آخر تحديث: 04:12 (توقيت القدس)
عبد الرحيم دقلو (يمين) والحلو في نيروبي، 18 فبراير 2025 (سيمون ماينا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- توقيع ميثاق سياسي في نيروبي بين جماعات سياسية وحركات مسلحة متحالفة مع قوات الدعم السريع لتشكيل "حكومة سلام ووحدة"، مما يعكس التوترات مع الحكومة السودانية بقيادة الجيش.

- الحكومة السودانية أدخلت تعديلات دستورية لتعزيز سيطرة الجيش، مما أثار ردود فعل دبلوماسية بعد استدعاء السفير السوداني لدى كينيا احتجاجاً على الاجتماعات.

- المحللون يرون تعقيدات في تشكيل حكومة موازية بسبب التناقضات الداخلية والدبلوماسية، مع انقسام داخل الجيش بين مؤيدي التغيير والديمقراطية وحفاظ الجيش على السيطرة.

في تطور أثار التحذيرات والمخاوف في السودان، وقّعت جماعات سياسية وحركات مسلحة متحالفة مع قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش السوداني، ليل السبت – الأحد، ميثاقاً سياسياً في العاصمة الكينية نيروبي، لتشكيل "حكومة سلام ووحدة" في المناطق التي تسيطر عليها "الدعم السريع". وينص الميثاق على أن يكون السودان "دولة علمانية وديمقراطية وغير مركزية". في المقابل، تتجه الحكومة السودانية التي يقودها الجيش أيضاً، لتكوين حكومة جديدة وسط احتدام المعارك بين الجيش و"الدعم السريع" في عدد من الجبهات والتقدم المتواصل للجيش، خصوصاً في العاصمة الخرطوم حيث تدور حالياً أعنف المواجهات.

ويشهد السودان منذ 15 إبريل/نيسان 2023 صراعاً عسكرياً بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ويخضع كلاهما لعقوبات فرضتها الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي، وقد خلفت الحرب دماراً هائلاً في المدن والقرى والبنية التحتية للبلاد، وأسقطت آلاف القتلى والجرحى وملايين النازحين، وفق بيانات الأمم المتحدة.

تعديلات دستورية وحكومة موازية

والخميس الماضي، أدخلت الحكومة السودانية تعديلات على الدستور الانتقالي للبلاد (الوثيقة الدستورية) لتعزيز سيطرة الجيش، وحُذفت الإشارة إلى الشركاء المدنيين السابقين وقوات الدعم السريع، وهي أول تعديلات شاملة على الوثيقة منذ اندلاع الحرب، وجاءت بعد أيام من إعلان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الاستعداد لتشكيل "حكومة تصريف أعمال أو حكومة حرب" خلال المرحلة المقبلة لاستكمال مهام المرحلة الانتقالية.

مجدي عبد القيوم: هناك تعقيدات كثيرة تكتنف تركيبة وعمل التحالف الجديد

واستدعت وزارة الخارجية السودانية، الخميس الماضي، السفير السوداني لدى كينيا، كمال جبارة، للتشاور، وذلك احتجاجاً على استضافة كينيا اجتماعات "الدعم السريع" وحلفائها التي تمخض عنها توقيع الميثاق السياسي الممهد لتشكيل الحكومة الموازية. وأصدرت الوزارة بياناً في اليوم نفسه، اعتبرت فيه الاجتماعات التي أجرتها "الدعم السريع" وحلفاؤها في نيروبي "تتويجاً لما ظلت الرئاسة الكينية تقدمه من دعم للمليشيا الإرهابية في مختلف المجالات، وفي ظل ذلك، صارت نيروبي أحد المراكز الرئيسية للأنشطة السياسية والدعائية والمالية واللوجستية للمليشيا، كذلك سبق أن استقبل الرئيس الكيني (ويليام روتو) قائد المليشيا الإرهابية استقبال الرؤساء".

وتشارك في التحالف الذي قاد التوقيع على الميثاق السياسي لحكومة "الدعم السريع" وحلفائها، مجموعة من الكيانات السياسية والحركات المسلحة، وشخصيات أبرزها ثلاثة من أعضاء مجلس السيادة السوداني السابق، وهم محمد حسن التعايشي، ورئيس تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر، ورئيس حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي الهادي إدريس، إلى جانب رئيس الحركة الشعبية شمال (في ولاية جنوب كردفان) عبد العزيز الحلو، والقيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل إبراهيم الميرغني، ورئيس حركة العدل والمساواة سليمان صندل، ورئيس حزب الأسود الحرة في شرق السودان مبروك مبارك سليم، ورئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر، بالإضافة إلى نائب قائد قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو.

وأعلن وزير الخارجية السوداني علي يوسف، أمس الأحد، أن حكومته "لن تقبل" أي اعتراف بحكومة موازية، وذلك خلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره المصري بدر عبد العاطي في القاهرة. بدوره، قال وزير الإعلام في الحكومة السودانية خالد الإعيسر بعد توقيع الميثاق السياسي لحكومة "الدعم" وحلفائها، إن ‏أبناء دارفور وجنوب كردفان الوطنيين أمامهم فرصة تاريخية جديدة للتخلص من القيادات الانتهازية الهزيلة التي سرقت أصواتهم على مدار سنوات طويلة، وأصبحت مجرد أدوات لتمرير مشاريع استعمارية خارجية لنهب الثروات وجلب الحروب والدمار. وأضاف في تصريح على صفحته على "فيسبوك" أمس الأحد، أنه "‏لا صوت يعلو فوق صوت الشعب السوداني"، و"نحن على يقين بأن شعبنا في تلك المناطق يحمل تاريخاً طويلاً في مقاومة الاستعمار ومحاربة أفكار الانقسام والتشرذم"، معتبراً أن توقيع أي اتفاق شكلي في "ورقة أفكار مسمومة" خارج البلاد وتطبيقه على أرض السودان "ليس سوى أحلام غير قابلة للتنفيذ".

وتعليقاً على تشكيل حكومة "الدعم"، رأى المحلل السياسي مجدي عبد القيوم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأمر حتى الآن مقتصر على توقيع ميثاق سياسي حسبما ظهر، معتبراً أن الحديث عن تكوين حكومة موازية تكتنفه تعقيدات ذاتية متصلة بقوى هذا التحالف من حيث تناقض المنطلقات والرؤى وحتى جغرافيا هذه الحكومة أو الأرض التي تنشط فيها، مضيفاً أن هناك تعقيدات أخرى موضوعية متصلة بالإشكالات الدبلوماسية والسياسية وتقاطعاتها القانونية وتعارض ذلك حتى مع مواثيق الاتحاد الأفريقي.

واستبعد عبد القيوم أن يتمكن هذا التحالف من تشكيل حكومة، وإن أعلنها "فحتماً هي إعلان لمولود ميت يوارى الثرى بعد خروجه من بطن أمه". وأضاف: "لذلك موضوع تشكيل الحكومة لا يعدو كونه ورقة ضغط، أما كتحالف فهو مثل غيره من التحالفات التي تملأ الساحة وليس له تأثير أكبر منها، ولسبب بسيط فإذا نظرت إلى مكوناته تجدها تيارات من ذات مكونات التحالفات الأخرى".

إبراهيم مخير: ما قمنا به سوف يفتح الباب لمشاركة أوسع للسودانيين من الجانبين للدخول في حوار سياسي لتحقيق السلام وضمان الوحدة

وقدّم المحلل السياسي مثالاً "الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل وحزب الأمة، وهما من أكبر الأحزاب، وموجودان هنا وهناك في تحالفات أخرى، وكذلك حزب المؤتمر الشعبي، والحركة الشعبية شمال، وحركة العدل والمساواة، وبالتالي ليس هناك تأثير كبير يتمتع به هذا التحالف الجديد في ظل تجاذب هذه التيارات التي هي نفسها تتصارع على السلطة في داخل أحزابها".

حكومة "أنصار التغيير" في السودان

ورأى مجدي أنه "بالنسبة إلى الحكومة السودانية، صحيح أنها حكومة أمر واقع مثل كثير من حكومات المنطقة، لكنها تتمتع بالتفاف جماهيري واسع، باعتبار أن البلاد تواجه غزواً ومؤامرة دولية وإقليمية تقودها أطراف معلومة لتقسيم البلاد ونهب مواردها، بالتالي الموقف الأخلاقي القيمي لصالحها، علاوة على وجود ممثلين للسودان في الهيئات والمنابر الدولية والإقليمية"، إلا أنه حذّر "من التقليل من خطورة هذا الوضع الذي يجابه البلاد، ولكن على قول المثل: غيرهم كان أشطر"، وفق تعبيره.

من جهته، قال مستشار القائد العام لقوات الدعم السريع، إبراهيم مخير، لـ"العربي الجديد"، إن الناس يدركون أن الجيش السوداني انقسم بين من يودون تغيير النظام والمضي نحو المشاركة والديمقراطية وتوسيع قاعدة اتخاذ القرار السياسي، ومن يرغبون في أن تظل الأمور كما هي عليه، أي سيطرة سياسية واقتصادية للجيش على مصير السودانيين. ورأى مخير أن هذا الانقسام "أدى إلى استقطاب شديد وحاولوا باعتبارهم قيادة لقوات الدعم السريع تجنّبه عبر الاستجابة المتكررة للمبادرات الوطنية والدولية بشأن التفاوض آليةً لوقف الحرب، إلا أنها جميعها فشلت لتعنّت الجيش الذي تسيطر عليه الحركة الإسلامية العالمية المتمسكة بالسودان، لأنه يمثل آخر قواعد نفوذها الجغرافية وتمثيلها والحكومي في العالم"، وفق رأيه.

وتابع مخير أنه بعد فشل مبادرة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك في إقناع البرهان بالتوقيع على اتفاق أديس أبابا للمبادئ الذي تم بينه والدعم السريع (2 يناير/كانون الثاني 2024) وتجميد المفاوضات الأميركية السعودية في جدة وانهيار مفاوضات جنيف الإنسانية الأخيرة نتيجة لتغيب الجيش المقصود، كان لا بد لأنصار التغيير من إعلان حكومة تستطيع أن تقدم موقفاً موحداً من تقديم الخدمات للمتأثرين بالحرب وفتح الباب للمفاوضات السياسية للمدنيين بعد أن كانت محصورة على العسكريين. وتابع: "هذا العمل الذي قمنا به سيفتح الباب لمشاركة أوسع للسودانيين من الجانبين للدخول في حوار سياسي لتحقيق السلام وضمان الوحدة بدلاً من لغة العسكر الحادة في المفاوضات، كما سيشرعن دخول الإغاثة إلى مناطق أوسع متأثرة بالحرب بعدما كانت الإغاثة محصورة بمناطق سيطرة الجيش". وأشار إلى أنه من هذا الباب "يمكنك أن ترى أن فرص الوحدة تتزايد، وكذلك التماهي من أجل السلام فرصته في الحقيقة صارت أكبر من السابق".