السودان: الصراعات تهدد لجنة التفكيك 

السودان: الصراعات تهدد لجنة التفكيك 

07 أكتوبر 2021
تعمل لجنة إزالة التمكين على تصفية النظام السابق (محمود حجاج/الأناضول)
+ الخط -

مع اشتداد الصراع بين العسكر والمدنيين في السودان عقب المحاولة الانقلابية الأخيرة، باتت لجنة إزالة التمكين، المعنية بتفكيك وتصفية النظام السابق، مركزاً رئيسياً للصراع، وورقة رابحة للضغط، كل من زاويته. وتتقاطع مؤشرات عدة في الأيام الأخيرة لتشير، بحسب مراقبين، إلى أن المكون العسكري يسعى لتجريد اللجنة من مشروعيتها السياسية والقانونية ومحاولة حلها، لا سيما بعد صدور قرار من المحكمة العليا بإبطالها 11 قراراً صادراً عن اللجنة بإنهاء خدمة قضاة ووكلاء نيابات ومستشارين بوزارة العدل وفي قطاع النفط. وظهرت بصمات العسكر في الحكم القضائي، كما تقول اللجنة، بإرسالهم تظلمات المفصولين للقضاء مباشرة، عوضاً عن نظرها بواسطة لجنة يشكلها مجلس السيادة الانتقالي، طبقاً لما ينص عليه القانون.
في المقابل، يسعى المكون المدني إلى دعم اللجنة وعدم السماح بتقويض عملها، باعتبارها الجسم الوحيد القادر على تقليم أظافر النظام السابق، وعلى مواجهة تطلعات العسكر في تصدر المشهد السياسي وتغيير المعادلة الحالية، بدليل أن رئيس اللجنة محمد الفكي سليمان أصبح رأس المواجهة مع العسكر في الفترة الأخيرة، معلناً، قبل فترة، تحويل مقر اللجنة إلى مركز عمليات للتصدي لأي مخطط يهدف لتقويض الانتقال الديمقراطي في البلاد.

وجدي صالح: هناك قوى لا تريد تفكيك وتصفية النظام السابق

وشُكلت لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو/ حزيران 1989 واسترداد الأموال المنهوبة في ديسمبر/ كانون الأول 2019، بعدما أجاز اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء قانونها الذي تم تعديله في العام 2020، لإعطاء مزيد من الصلاحيات للجنة لتقوم بمهمة تصفية النظام السابق من مؤسسات الدولة التي هيمن عليها طوال 30 سنة.
ومنذ تشكيلها وحتى تاريخ اليوم، أصدرت اللجنة أكثر من 600 قرار في هذا الصدد، تمثلت في إنهاء خدمات نحو 7 آلاف موظف في الدولة، تقول اللجنة إنهم محسوبون على نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، ويعيقون التحول الديمقراطي، وبعضهم يعمل على تنفيذ أجندة فلول النظام السابق، وآخرون لم تكن إجراءات تعيينهم بالأساس سليمة، واعتمدت على معايير الولاء لحزب المؤتمر الوطني المحظور لا على كفاءتهم. وشملت قرارات إنهاء الخدمة موظفين في قطاعات مختلفة، مثل القضاء، حيث تم فصل نحو 168 قاضياً، والنيابة العامة بفصل 307 من وكلاء النيابات، وعشرات المستشارين بوزارة العدل. كذلك تضمنت إنهاء الخدمة في قطاعات حيوية، مثل الكهرباء والمياه والصحة والنفط والبنك المركزي، عدا التعليم والأراضي والزراعة. كما وجد الإعلام نصيبه من قرارات اللجنة بفصل 60 موظفاً بالتلفزيون الحكومي و79 في وكالة السودان للأنباء.
على صعيد استرداد الأموال المنهوبة، لم ينج إلا القليل من رموز النظام السابق من مصادرات اللجنة، التي استردت مئات الشركات والأسهم والملايين من الأفدنة الزراعية، وعقارات وأراضي، وجمدت مليارات من الأرصدة البنكية، وحلت منظمات وواجهات مجتمعية، ذكرت أن النظام ظل يستخدمها في تنفيذ أجندته السياسية، أو في سرقة المال العام، وتحويله إما للمصلحة الشخصية، أو لحساب الحزب الحاكم.
ومن أبرز الذين طاولتهم إجراءات الاسترداد والمصادرة الرئيس المعزول عمر البشير وزوجته وداد بابكر و3 من أشقائه، ونائبه الأول علي عثمان طه، ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، وعدد كبير من الولاة والوزراء والمسؤولين في النظام السابق على المستوى المركزي والولائي. كما صادرت اللجنة بالكامل ممتلكات وأموال رجال أعمال مقربين من حزب المؤتمر الوطني. واستردت عقارات وشركات وأسهماً وأموالاً من مجموعة متهمة بأنها على علاقة بحركة "حماس" الفلسطينية، وأكثر من 80 مليون سهم في الشركة السودانية للمناطق والأسواق الحرة، يمتلكها رجل الأعمال السعودي جمعة بن فهد الجمعة واثنان من أبنائه.
ولم ينحصر عمل اللجنة في إنهاء الخدمة واسترداد الأموال والممتلكات، لكنه شمل أيضاً مراقبة نشاطات "المؤتمر الوطني"، ومطاردة عناصره عبر إجراءات قانونية وتقديمهم للنيابة العامة حال خرقهم لقرار الحظر على الحزب، كما حدث في 30 يونيو الماضي، حيث لعبت اللجنة دوراً محورياً في إجهاض مواكب كانت تنوي الخروج لإسقاط الحكومة، بالقبض مبكراً على مجموعات قيادية وإحالتها للنيابة. ومن المهام الأخرى التي تصدت لها اللجنة، مطاردة تجار العملة خارج النطاق المصرفي ومهربي الذهب، اعتقاداً منها أن جل العاملين فيها هم من التابعين للنظام السابق، وهدفهم هو تخريب الاقتصاد وزيادة معاناة الناس ليسهل الانقضاض على المرحلة الانتقالية الحالية.

وأخذ البعض على اللجنة أن لديها أهدافاً انتقامية وأن عملها بعيد عن القضاء، ما أدى إلى تمدد صلاحياتها. كما تتعرض لاتهامات بالاعتماد على معلومات مضللة في القرارات التي تصدرها، واستهدافها للموظفين ورجال الأعمال على أساس سياسي، وصمتها عن حالات مماثلة لها صلات أو مصالح مع نافذين، بالإضافة إلى انتقادات أخرى، حاولت اللجنة، أكثر من مرة، دحضها والدفاع عن نفسها.
ولم يكن المكون العسكري بعيداً عن تلك الانتقادات، على الرغم من مشاركته الجوهرية في سن قانون تفكيك النظام، وتمتعه بعضوية اللجنة. وتكشفت تحفظات العسكر في فبراير/ شباط الماضي، باستقالة عضو مجلس السيادة عن المكون العسكري، الفريق ياسر العطا، من رئاسة اللجنة، التي انتقلت إلى عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، من المكون المدني. كما تلكأ مجلس السيادة في تشكيل لجنة الاستئنافات التي يفترض أن تنظر في طعون المتظلمين، وهذا ما يفسره البعض برغبة العسكر بإحراج اللجنة، وإظهار أن قراراتها ظالمة وغير عادلة.
ومع اشتداد المواجهة بين العسكر والمدنيين في مجلس السيادة عقب المحاولة الانقلابية الأخيرة، برزت لجنة التفكيك إلى الواجهة، إذ بادر سليمان إلى الكشف عن المحاولة، وحث الشعب على الخروج والتصدي لها، ما أثار غضب العسكر، لتدور سجالات بين سليمان ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو، لتتحول اللجنة إلى مقر عمليات ضد مخططات الانقضاض على التحول الديمقراطي، ثم أصبحت قبلة لكل المواكب الرافضة للانقلابات العسكرية.

الصادق علي حسن: بعض قرارات اللجنة مست مصالح العسكر

وفي مقابل ذلك، قام المكون العسكري بسحب كل القوات النظامية التي تحرس مقر اللجنة وتساعدها في تنفيذ مهامها، قبل أن يتراجع ويسمح فقط بوجود الشرطة في محيطه. ورداً على حكم المحكمة العليا، أخيراً، بإعادة مفصولين إلى عملهم، اتهمت لجنة التفكيك المكون العسكري، وتحديداً البرهان، بحرق واحدة من أهم مراحل الاستئناف عبر إحالة الطعون للمحكمة. كما برزت دعوات إلى حل اللجنة من قوى وتنظيمات قريبة للمكون العسكري، مثل "مجلس نظارات البجا"، الذي يقود العصيان في شرق السودان حالياً، ومجموعات منشقة عن "قوى الحرية والتغيير" تسعى لبناء تحالف بديل. كما أن هناك معارضة لها داخل الحكومة من قبل وزير المالية جبريل إبراهيم.
وأكد وجدي صالح، العضو الأبرز في لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، أن اللجنة أصبحت جزءاً أساسياً من مواضيع الصراع بين المكونين العسكري والمدني "بل هي أساس الصراع". وأشار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن هناك قوى لا تريد تفكيك وتصفية النظام السابق، وهي تريد الاحتفاظ ببقايا النظام السابق لجعلها حاضنة سياسية بديلة في مرحلة قادمة تتطلع إليها، لكنه أكد استحالة حدوث هذا الأمر.
ونبه صالح إلى أنه لا يمكن وضع كل العسكريين في كفة واحدة وتحميلهم مسؤولية ما تواجهه اللجنة، وقال إن "المخطط ضد الانتقال الديمقراطي لا يقوم على انقلاب عسكري تقليدي، بتحركات عسكرية وموسيقى تسبقه في الإذاعة والتلفزيون، بل إن الانقلاب على الانتقال الديمقراطي يخطط له أن يتم عبر رفع اليد عما تم الاتفاق عليه في الوثيقة الدستورية، بما في ذلك الاتفاق على تفكيك دولة نظام الثلاثين من يونيو". وتعهد بأن تتصدى اللجنة لهذا الأمر مهما كانت العقبات والصعوبات.
من جهته، اعتبر المحامي والناشط القانوني الصادق علي حسن أن من أسباب غضب العسكر على اللجنة أن بعض قراراتها مست مصالحهم أو مصالح شخصيات وجهات محسوبة عليهم. وأوضح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تعامل المكون العسكري مع لجنة تفكيك النظام جزء يسير من مسلسل نقضه لالتزاماته الدستورية على كافة الأصعدة، وجزء أيضاً من محاولات تمدده للسيطرة على كل المؤسسات والقرارات، مستفيداً من ضعف وهشاشة المكون المدني وتساهله في البداية مع العسكر.
ويعزو حسن تمادي العسكر، كما يسميه، إلى نقض تعهداتهم السياسية والدستورية لالتزاماتهم مع قوى خارجية عدة، وكلها تتعارض مع أجندة ومهام الثورة السودانية. وأشار إلى أنه بدافع من تلك الالتزامات والتعهدات يراوغ العسكر في تسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين، كما تنص الوثيقة الدستورية، فهم لا يريدون أن يكون مجلس السيادة مجتمعاً قائداً أعلى للقوات المسلحة.
أما رئيس مجلس إدارة صحيفة "السوداني" ضياء الدين بلال، فله رأي مختلف. وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن الصلاحيات الواسعة التي حصلت عليها لجنة تفكيك النظام، هي التي أدخلتها في خضم الصراع بين العسكريين والمدنيين، لأن تلك اللجنة منحت سلطات الشرطة والأمن والنيابة والقضاء، فتحولت إلى ذراع سياسي تستخدمه أطراف داخل تحالف قوى "إعلان الحرية والتغيير" ضد خصومها، ما أنتج قانوناً اجتماعياً وسياسياً يستخدم قوته المطلقة، وهو أمر يؤدي كنتيجة حتمية للفساد والاستبداد. واعتبر أن اللجنة استخدمت في حد ذاتها في الصراع ضد العسكريين الذين سعوا للحد من سلطاتها حتى لا تصبح خارج السيطرة، ومن ضمن ما قاموا به السير بملفات إزالة التمكين عبر مجراها القضائي الطبيعي.

أيمن علي حسين: أذرع النظام السابق عمدت بشكل كبير إلى شيطنة لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو

وبرأي بلال، فإن اللجنة أحدثت أضراراً كبيرة للدولة وارتكبت أخطاء عديدة، وخلقت مناخاً مضاداً للاستثمار الوطني والأجنبي، وساهمت في تعقيد مشكلة الشرق (السوداني). وأشار إلى أن اللجنة اعتمدت في عملها على الأجهزة الرسمية التي وفرها لها المكون العسكري الذي تحمس لمحاصرة الفلول في البداية أكثر من غيره، لكونه يدرك أنهم أخطر عليه من المكون المدني، لأنهم ما زالوا موجودين في أجهزة الدولة، بما في ذلك المؤسسات العسكرية والأمنية. ولفت إلى أنه لهذا السبب حرص العسكر على تصفية النظام السابق بدون تحملهم سداد الفاتورة السياسية، لكن بمجرد شعورهم بتمدد صلاحيات اللجنة ظهرت لهم مواقف جديدة.
أما الناشط السياسي أيمن علي حسين، فرأى أن أذرع النظام السابق في مفاصل الدولة المستهدفة من قبل اللجنة، بالإضافة إلى الجهات المتضررة، عمدت بشكل كبير لشيطنة لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، وذلك لقطع الطريق أمام أعمالها، حتى لا يكتمل البناء الديمقراطي في البلاد الذي تعيقه تلك الجهات. وقال حسين، لـ"العربي الجديد"، إن المكون العسكري جزء أساسي من لجنة التفكيك، موضحاً أن أحد رموزه، وهو الفريق ياسر العطا، رأس اللجنة في فترة معينة، قبل أن يتقدم باستقالته. وأشار إلى أنه حتى بعدما قدم استقالته، فقد أكد، في تصريحات صحافية، أنه يؤمن بقرارات اللجنة وبمبدأ تصفية النظام السابق. واستدرك حسين بالقول إن أي مكون لديه تحفظات على اللجنة ربما تكون لديه مخاوف مستقبلية من قرارات التصفية والتفكيك.
وحول تململ أطراف داخل قوى "الحرية والتغيير" من عمل اللجنة، أشار حسين إلى أن هناك أيادي خفية تقود كل عمليات قطع الطريق نحو التحول الديمقراطي وتفكيك النظام، وأكد أن جميع المخططات لن تنجح وسيكون الشعب هو الفيصل، في ظل الوعي العام بأهمية لجنة التفكيك ودورها في تحقيق أهداف الثورة.