السودان: احتمالات المواجهة بين البرهان والإسلاميين

10 فبراير 2025
عبد الفتاح البرهان في بورتسودان، 25 نوفمبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أكد البرهان على أهمية الحوار الشامل وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة، محذراً حزب المؤتمر الوطني من المزايدات السياسية، مما أثار جدلاً حول نواياه لطمأنة المجتمع الدولي بشأن عدم عودة الإسلاميين.

- رفض حزب المؤتمر الوطني اتهامات البرهان، مؤكداً التزامه بالمعارضة السلمية، بينما رحب تحالف الكتلة الديمقراطية بتصريحات البرهان، مشيراً إلى تأسيسها لمرحلة جديدة من الحوار السياسي.

- تباينت الآراء حول تأثير تصريحات البرهان، حيث يرى البعض أنها قد تؤدي لمواجهة مع المؤتمر الوطني، بينما يعتبر آخرون أنها تهدف لطمأنة المجتمع الدولي بشأن حكومة مدنية.

لم يفتح حديث رئيس مجلس السيادة السوداني قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، أول من أمس السبت، حول حزب النظام السابق، المؤتمر الوطني، الباب أمام نهاية شهر العسل بين الطرفين أثناء الحرب الحالية التي يعيشها السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، بل خلق قلقاً حول احتمالات المواجهة. وكان البرهان قد خاطب، السبت، ممثلي أحزاب سياسية اجتمعت في مدينة بورتسودان لإعداد خريطة طريق للحوار السوداني ـ السوداني ليفضي إلى إحلال السلام والتوافق السياسي، كما تقول. وشدّد البرهان بداية على وجوب أن يكون الحوار شاملاً ويستوعب كل القوى السياسية والمجتمعية، وأشار إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تكوين حكومة كفاءات مستقلة وطنية لاستكمال مهام الانتقال، تحت اسم حكومة تصريف أعمال، أو حكومة حرب، وأن الغرض منها هو إعانة الدولة لإنجاز ما تبقى من الأعمال العسكرية. وتعهد بالمضي قدماً نحو بناء دولة سودانية لها شأن في المستقبل، مضيفاً أنه بعد إجازة الوثيقة الدستورية، سيجرى اختيار رئيس وزراء ليقوم بمهامه في إدارة الجهاز التنفيذي للدولة من دون أي تدخل.

"المؤتمر" يحتفظ بالعديد من نقاط القوة، منها وجوده في كل مؤسسات الدولة

أما حديث البرهان الذي أثار عاصفة من الجدل وقدراً كبيراً من ردود الفعل، فهو تحذيره "المؤتمر الوطني" المحلول، حزب الرئيس المعزول عمر البشير، ومطالبته بالابتعاد عن المزايدات السياسية، مبيناً أن الحزب إذا أراد أن يحكم، فعليه المنافسة في المستقبل مع بقية القوى السياسية في السودان.

"المؤتمر الوطني" يرفض الاتهامات

وجد خطاب البرهان أصداء واسعة، وتباينت المواقف منه، وسارع "المؤتمر الوطني"، المحلول منذ العام 2019 عقب نجاح الثورة الشعبية في إطاحة نظام الحزب الذي حكم البلاد لثلاثين عاماً، لإصدار بيان استغرب فيه اتهام البرهان له بالرغبة في الحكم على أشلاء السودانيين. وزعم أن ذلك الاتهام يكذبه التاريخ القريب بعد التغيير (الثورة) في العام 2019، حينما قررت قيادة الحزب التنحي السلمي عن السلطة دون اللجوء إلى خيارات تبقيها في السلطة ولكنها تؤدي لإراقة دماء الشعب السوداني، وبصورة أكبر مما هو مراق من دماء خلال الحرب الحالية، ذلك لو تمسكت قيادة الحزب بالشرعية.

ومنذ تولي البرهان السلطة في السودان منفرداً أو بشراكة مع آخرين، تأرجحت علاقته بـ"المؤتمر الوطني" والإسلاميين عامة. فمع بدء فترة البرهان في الحكم، ألقى القبض على عدد من رموز النظام السابق وقدّم بعضهم لمحاكمات بمن فيهم عمر البشير، ولاحقهم بالطرد من مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسات الأمنية والعسكرية. لكنه حصل على دعم منهم بعد انقلابه في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، فأطلق بعد الانقلاب سراح بعضهم، وأعيدت ممتلكات عدد من قيادات "المؤتمر الوطني" التي صودرت منهم، لكنه لم يتخذ إجراءات أوسع ربما تحسباً من المجتمع الدولي والإقليمي الرافض عودةَ الإسلاميين إلى السلطة مرة أخرى. بعد ذلك، عارض الإسلاميون بشدة الاتفاق الإطاري الذي وُقّع بين العسكر والقوى السياسية المدنية، ونصّ على تسليم السلطة من جديد، اعتقاداً منهم أن الاتفاق سيعيد خصومهم في تحالف الحرية والتغيير إلى السلطة.

وعقب اندلاع الحرب في 15 إبريل/نيسان 2023، لم يتردد حزب البشير في إعلان دعمه المطلق للجيش، واستنفر قواعده المدربة للقتال إلى جانب الجيش، وظهرت "كتيبة البراء" المحسوبة على الحزب باعتباره مؤثراً كبيراً على نتائج المعارك، وخرجت قيادته في نشاطات علنية.

وقال "المؤتمر الوطني" في بيانه إن الحزب "ارتضى تعرّض قياداته للتنكيل والسجن وظلم المصادرات لسنين في معتقلات الحكومة الهجين، فاحترم سيادة الدولة الوطنية، واختار المعارضة السلمية ونبذ العنف حتى لا ينجر السودان نحو الفوضى، وبعد الحرب، اختار الحزب الوقوف إلى جانب الجيش الوطني، والتصدي لمخطط ابتلاع الدولة السودانية".

وأشاد الحزب بمواقف البرهان "وجهاده في الحرب القائمة، لكنه يربأ به عن مهاجمة المؤتمر الوطني في كل سانحة تسنح له تقرباً وتزلفاً لقوى متهالكة هشّة لا تملك في جعبتها سوى صكوك الولاء لقوى الشر التي تحارب الوطن، ولن يجد منها سوى الغدر والخيانة". وحذر من "الخلاف والشقاق والبحث عن المكاسب السياسية"، مضيفاً: "لن يصادر إرادتنا أحد، فنحن حزب ضاربة جذوره في المجتمع السوداني وطالما أن كلكم تتحدثون عن فترة انتقالية تنتهي بانتخابات، فمرحباً بصناديق الاقتراع، وحينها لكل حادث حديث".

حسن عبد الحميد: حديث البرهان موجّه للمجتمع الدولي لطمأنته بأنه لن تكون هناك مشاركة للمؤتمر أو تنسيقية تقدم بل سيعتمد على الكفاءات في تشكيل الحكومة

استباق "اليوم التالي" في السودان

في الوقت نفسه، وجّه الرئيس المكلف لـ"المؤتمر الوطني" أحمد هارون رسالة إلى أعضاء الحزب، قال فيها إن الوطن مقدم على المصلحة الحزبية "وهو أغلى من أن نقايضه بمغنم أو نطلب عنه ثمناً، عهدنا لكم ألا نعود إلى الحكم إلا عبر تفويضكم الانتخابي الحرّ". كما خصّ القائد العام للجيش برسالة ذكر فيها أن المعركة لم تنته بعد، لذا فالمحافظة على وحدة الصف الوطني مهمة حيوية لمعركة الوطن الوجودية.

في المقابل، وجد خطاب البرهان ترحيباً من تحالف الكتلة الديمقراطية، وهو تحالف يضم أحزاباً وحركات مسلحة تدعم الجيش. وقال المتحدث باسم الكتلة محي الدين جمعة، لـ"العربي الجديد"، إن البرهان وضع نقاطاً واضحة وجازمة حول مشاركة حزب المؤتمر الوطني مستقبلاً، "ونحن نرحب بما جاء فيه ونتفق مع مبدأ أن لا مجال لعودة عناصر المؤتمر الآن، وعليهم أن ينتظروا الانتخابات"، مشيراً إلى أن المشاركة في الحرب "لا تعني الحصول على محاصصة سياسية ومشاركة في السلطة، وإنما هي فقط دفاع عن الأرض والعرض والكرامة الوطنية"، حسب قوله.

واعتبر جمعة أن خطاب البرهان "يؤسس لمرتكزات المرحلة الحالية والمقبلة، ويدعم ابتدار عملية سياسية، ويفتح باب الحوار في السودان على أسس جديدة مع كافة القوى السياسية الوطنية التي ظلّت تقف إلى جانب الجيش والقوى السياسية التي دعمت المليشيا (قوات الدعم السريع)، وتحديداً تحالف تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، بشرط إعلان التنسيقية دعم الجيش والتراجع عن اتفاق سياسي وقعته مع المليشيا في إثيوبيا مطلع العام الماضي"، متوقعاً أن تعقب خطاب البرهان خطوات نحو تصميم وثيقة سياسية ودستورية جديدة، ومن ثم تحديد الأطراف التي تشارك في العملية السياسية.

ولم يستبعد مراقبون أن يكون حديث البرهان بشأن "المؤتمر الوطني" بداية مواجهة بين الطرفين، لا سيما أن "المؤتمر" يحتفظ بالعديد من نقاط القوة، منها وجوده في كل مؤسسات الدولة، وتنظيمه القوى وقدرته على المواجهة بأنواعها المختلفة، عدا استعادة الكثير من زخمه الشعبي الذي فقده بعد الثورة.

لكن العضو البرلماني السابق حسن عبد الحميد استبعد ذلك تماماً، معرباً عن اعتقاده أن البرهان غير راغب في المواجهة الكاملة ولا الحزب، وموضحاً أن حديث البرهان في هذا الجانب "موجّه للمجتمع الدولي لطمأنته بأنه لن تكون هناك مشاركة للمؤتمر الوطني أو تنسيقية تقدم بل سيعتمد على الكفاءات الوطنية المستقلة في تشكيل الحكومة، وعلى الأحزاب أن تستعد للانتخابات، وهو أهم ما جاء في كلمته".

إمام الحلو: من أبرز إيجابيات كلام البرهان، استعداده للحوار مع كل من يخرج من دائرة مساندة الدعم السريع

وأشار عبد الحميد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن البرهان خاطب مجموعة سياسية محددة ومحدودة، لا تمثل غالبية القوى السياسية السودانية، فيما أكد للخارج أنه ماض إلى حكم مدني ومشاركة واسعة ولا يريد أن يستمر حاكماً عسكرياً بعد انتهاء الحرب، مبيناً أن مسألة قبول الحكومة المقبلة داخلياً وخارجياً مرتبطة إلى حد كبير بقبول البرهان نفسه رئيساً معترفاً به، فكل القوى الداخلية والخارجية التي تعترف به رئيساً ستقبل هذه الحكومة مع ملاحظة أنها قد تزيد داخلياً وخارجياً، عدا الاتحاد الأفريقي الذي يربط عودة عضوية السودان بتسليم السلطة لحكومة مدنية.

أما القيادي في الحزب الشيوعي السوداني كمال كرار، فرأى في حديث لـ"العربي الجديد" أن تصريحات البرهان مجرد عناوين عريضة لليوم التالي للحرب، مبيناً أنها لا تعني شيئا سوى تمسك القيادة العسكرية بوضعها القائم منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، مروراً بالحرب وحتى تاريخ اليوم. وأضاف أن الاستمرار في الحكم بوضع اليد وبقوة السلاح سينتج المزيد من الأزمات، ويعيد إنتاج الحروب، مبيناً أن محاولة ترميم الوضع السياسي على ذلك النحو لا تجدي، لأن الترميم يتعارض مع رأي أغلبية الشعب في إبعاد العسكر من السياسة، وحّل المليشيات، وتأسيس السلطة المدنية الكاملة، وكلها من أهداف ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018. وأبدى كرار خشيته من أن تكون تلك التصريحات محاولة لمغازلة بعض القوى ومقايضتها من أجل منح شرعية زائفة، باسم دستور جديد وحكومة تحت ظل العسكر، لن تمثل الشعب السوداني.

أما القيادي في الحزب الاتحادي ديمقراطي الأصل أسامة حسون، فرأى أن البرهان قفز على ما هو أهم، مضيفاً أن الأهم كيف سيُحكم السودان وليس من يحكمه، وكيفية التعاطي مع ظروف الشعب بعد كارثة الحرب وتعويض السودانيين عن حقوق فقدوها أثناءها، وإرجاع النازحين واللاجئين، وإعادة الإعمار ورتق النسيج الاجتماعي، لأن سودان ما بعد الحرب لن يكون هو سودان ما قبل الحرب، وفق تعبيره، وذلك طبقاً لتجارب وتاريخ الحروب في العالم. وشدّد حسون في حديث لـ"العربي الجديد" على أهمية تحقيق وفاق وطني يعيد مسيرة الدولة السودانية ويداوي الجراح وينهض بالدولة، مبيناً أن كل ما يحدث الآن ويُخطَط له بعيد كل البعد عن مصالح السودانيين ويعيد إنتاج كل الأزمات التي أوصلت البلاد إلى واقعها الراهن.

من جهته، قال القيادي في حزب الأمة القومي إمام الحلو، أحد مكونات تحالف تنسيقية القوى الديمقراطية، إن خطاب البرهان سياسي من الدرجة الأولى، واتسم بقدر من الهدوء، واحتوى على جملة من الإيجابيات يمكن البناء عليها لتدشين حوار ومفاوضات مدعومة بسند شعبي، مشيراً إلى أن الخطاب يتوافق من حيث المبدأ مع طروحات حزب الأمة القومي من أجل الخلاص الوطني. وأوضح الحلو لـ"العربي الجديد" أن من أبرز إيجابيات كلام البرهان استعداده للحوار مع كل من يخرج من دائرة مساندة "الدعم السريع" ما يفتح الباب للحوار، موضحاً أن ليست كل الأحزاب تدعم "الدعم السريع".

ورحّب الحلو بقرار البرهان الذي أعلنه في الخطاب نفسه برفع الحظر عن سياسيين منعوا من استخراج جوازات سفرهم ووثائقهم الأخرى بسبب آرائهم السياسية، مبيناً أن الأهم من ذلك القرار هو إصدار البرهان قراراً آخر يحظر الممارسات البشعة على الأرض، بقتل المدنيين بواسطة بعض قواته عند دخولهم المدن بعد إعادة السيطرة عليها. وحول رسائل البرهان إلى "المؤتمر الوطني" وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية بعدم عودتهما إلى السلطة مرة أخرى، بيّن الحلو أن تلك المسائل يجب الاحتكام فيها للشعب طالما يتحدث البرهان عن ترتيبات انتقالية وعن تشكيل حكومة انتقالية ومرحلة تقود إلى التحول الديمقراطي المدني.