السلطة الفلسطينية تتلقى صفعة مبكرة من ترامب

06 فبراير 2025
عباس في مدريد، سبتمبر 2024 (بوراك أكبولوت/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- القيادة الفلسطينية تكثف جهودها الدبلوماسية لمواجهة تهديدات ترامب بتهجير سكان غزة، من خلال التواصل مع دول عربية وجامعة الدول العربية لتوحيد الجهود.
- تعتمد القيادة على قنوات اتصال مع فريق ترامب عبر بشارة بحبح ومسعد بولس، وتلجأ لوساطة سعودية لعقد لقاءات مع المبعوث الأميركي.
- الباحث حسن أيوب يدعو لتوحيد الموقف الفلسطيني وإصلاح منظمة التحرير، وعباس يلتقي بالملك الأردني لتعزيز الدعم لحقوق الفلسطينيين وتحقيق السلام العادل.

حتى قبل شهر فقط، كان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) يعتقد أن الوقت لا يزال مبكراً للتعامل مع أي سيناريوهات سلبية قد يتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حال عودته إلى البيت الأبيض. فقد قوبلت جميع الاقتراحات المتعلقة بالتصدي لأي تدخّل خارجي في قطاع غزة، سواء عبر تشكيل لجنة إسناد مجتمعية تضم حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى لإدارة القطاع، أو عبر تنفيذ اتفاق بكين للمصالحة الداخلية، أو حتى تنسيق موقف سياسي مع الصين والاتحاد الأوروبي، بعدم اهتمام يُذكر من قبل القيادة الفلسطينية.

لكن صباح أمس الأربعاء، وجد عباس نفسه مشغولاً بسلسلة من الاتصالات الدبلوماسية المكثفة لمواجهة تداعيات التصريحات الأخيرة لترامب، التي تهدد بتهجير سكان قطاع غزة. فقد أجرى عباس وفريقه القيادي المصغر اتصالات مع مسؤولي عدد من الدول العربية، كان أبرزها السعودية، الإمارات، الكويت، مصر، العراق، البحرين، والمغرب، بالإضافة إلى التواصل مع جامعة الدول العربية. وتأتي هذه التطورات بعدما كانت القيادة الفلسطينية تعتقد أنها استفادت من أخطائها خلال فترة حكم ترامب الأولى، حيث لم تكن تربطها أي علاقات مباشرة بطاقمه قبل توليه الرئاسة، لذا، عمدت هذه المرة، خلال حملته الانتخابية الثانية، إلى فتح قنوات اتصال مع طاقم ترامب على أمل فتح صفحة جديدة في العلاقات.

تواصل السلطة الفلسطينية مع ترامب

وقال مصدر مطلع من القيادة الفلسطينية، لـ"العربي الجديد": "بدأنا هذه المرة فتح قنوات مع طاقم الرئيس ترامب قبل توليه الحكم، خلافاً للفترة الأولى من رئاسته". وأوضح أن "هناك قناتين رئيسيتين للتواصل مع فريق ترامب: الأولى مع الدكتور بشارة بحبح، المستشار الفلسطيني-الأميركي للرئيس ترامب ومدير حملة "العرب من أجل ترامب"، ويتولى مستشار الرئيس مجدي الخالدي إدارة هذا الاتصال". وبحسب المصدر، فإن بحبح كان مسؤولاً عن إيصال رسالة من عباس إلى ترامب بعد حادثة إطلاق النار التي تعرض لها الأخير في 13 يوليو/تموز الماضي، خلال تجمع انتخابي بولاية بنسلفانيا، حيث أصيب بجرح طفيف في أذنه.
أما قناة الاتصال الثانية، فهي رجل الأعمال اللبناني-الأميركي مسعد بولس، كبير مستشاري ترامب للشؤون العربية والشرق أوسطية، ويتولى التواصل معه ياسر عباس، نجل الرئيس عباس، الذي اجتمع معه أكثر من مرة، كما التقى بعدد من القادة والمسؤولين دون أي صفة رسمية.

قناتا اتصال تعتمدهما القيادة الفلسطينية للتواصل مع طاقم ترامب، الأولى عبر بشارة بحبح والثانية عبر مسعد بولس

وأشار المصدر إلى أن اللقاءات مع بحبح وبولس تمت عدة مرات في نيويورك على هامش اجتماعات أممية، وكذلك في دول أخرى. ومع ذلك، لم تنجح هذه القنوات في إقناع المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بلقاء أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ في رام الله أو القدس، كما كان الحال مع المبعوث السابق هادي عمرو. وبدلاً من ذلك، جرى اللقاء بوساطة سعودية في المملكة العربية السعودية بعد أن رفض ويتكوف الاجتماع بالشيخ داخل الأراضي الفلسطينية، وفق ما أكده مصدر فلسطيني مطلع لـ"العربي الجديد".

مطالب بالوحدة الفلسطينية

وتطرح تصريحات ترامب تساؤلات حول المطلوب من القيادة الرسمية الفلسطينية لمواجهة مخططات التهجير. وقال الباحث في الشأن الأميركي، أستاذ السياسة الدولية في جامعة النجاح، حسن أيوب، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "على السلطة الفلسطينية التحرك بشكل جدي نحو توحيد الموقف الفلسطيني على قاعدة إصلاح منظمة التحرير، والتزام الرئيس عباس بمخرجات اتفاق بكين (الذي وقّعت عليه الفصائل الفلسطينية الـ14 في 23 يوليو/تموز الماضي) والذي وضع آليات لملمة الحالة الفلسطينية".
غير أن ذلك لا يبدو محتملاً أو ممكناً على ضوء الخيارات السياسية التي كبّلت بها السلطة الفلسطينية نفسها أخيراً، خصوصاً فيما يتعلق بالتحالفات الإقليمية، والتساوق مع الأفكار التي تطرحها إدارة ترامب.

ولا يحتمل الواقع الفلسطيني اتّباع ذات السياسات التي تنتهجها قيادة منظمة التحرير مثل التماهي مع اشتراطات مرتبطة بـ"اليوم التالي" في قطاع غزة لما بعد انتهاء الحرب، وإصرار القيادة الفلسطينية على رفض الأفكار التي تبنّتها الفصائل بما فيها حركة فتح حول إدارة القطاع، قبل أن يتراجع عباس عن التفاهمات، إضافة إلى ضرورة التخلي عن سياسة التنسيق الأمني ومحاولة التقاطع مع إدارة ترامب، ما يعني ضرورة الإنهاء الفوري لحالة الانقسام الفلسطيني التي اتسعت في الضفة الغربية، وفق أيوب.

حسن أيوب: على السلطة الفلسطينية التحرك بشكل جدي نحو توحيد الموقف الفلسطيني على قاعدة إصلاح منظمة التحرير

وتابع أيوب: "دور المجتمع الفلسطيني في مواجهة خطط ترامب مرهون بوجود قيادة سياسية معنية بذلك وتملك القرار، وهذا لا يتم إلا عبر الوحدة الوطنية التي من شأنها أن تطلق إمكانات الشعب في مواجهة المخططات، في ظل ما تشهده الضفة الغربية من أحداث تشبه ما يجري في قطاع غزة، لأن الأوضاع بدأت تفلت من يد الفلسطينيين الذين يشاهدون أرضهم وتاريخهم يسحبان من تحت أقدامهم". وأضاف: "إما أن تكون القيادة الفلسطينية بمستوى مسؤولية المخاطر التي تواجه حقوق الشعب، وإما أن تقول هذه القيادة إنها لا تستطيع المواجهة، ولتعد الأمور حينها للمربع الأول في صراع شعب مُستعمَر مع قوة استعمارية مدعومة من الولايات المتحدة. أما التذاكي ومحاولة الوصول لتقاطعات مع إدارة ترامب فسيكون أمراً مدمراً لأبعد الحدود".
واعتبر أيوب أن على السلطة الفلسطينية ترك العلاقة مع دولة الاحتلال؛ "لأن هامش المناظرة بات معدوماً تماماً، خصوصاً أن كل أطراف الشعب الفلسطيني في خطر بما فيها قيادته السياسية التي تصر على ألا ترى الوقائع كما هو وتعيش في الأوهام وهي ليست على تماس مع الواقع أبداً".

حراك السلطة الفلسطينية للرد على تصريحات ترامب حول التهجير والسيطرة الأميركية على قطاع غزة، بدأ منذ صباح أمس الأربعاء، فيما توجّه عباس أمس إلى عمّان حيث التقى الملك الأردني عبد الله الثاني. وأكد العاهل الأردني، لدى استقباله عباس في عمّان أمس، ضرورة تحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين، بما يفضي إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وأكد ملك الأردن، بحسب الموقع الرسمي للديوان الملكي، ضرورة وقف إجراءات الاستيطان، ورفض أي محاولات لضم الأراضي وتهجير الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، مشدداً على ضرورة تثبيت الفلسطينيين على أرضهم. وأكد وقوف الأردن الكامل مع الأشقاء الفلسطينيين في نيل حقوقهم المشروعة. ولفت إلى تنسيق الأردن الوثيق مع الأشقاء والأصدقاء في التعامل مع قضايا المنطقة والتوصل إلى تهدئة شاملة في الإقليم. بدوره، ثمن عباس، خلال اللقاء، موقف الأردن في دعم القضية الفلسطينية وصمود الشعب الفلسطيني على أرضه ونيل حقوقه المشروعة. وأكد أهمية المساهمة الفاعلة للأردن في دعم وقف إطلاق نار مستدام، مشيدا بجهود المملكة المستمرة في تأمين تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، بما يسهم بتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة.

وتأتي هذه التحركات في ظل مخاوف فلسطينية من تحوّل تلك التصريحات إلى قرارات فعلية، على غرار قرارات ترامب السابقة، مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس الغربية، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ووقف المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية ولوكالة "أونروا"، التي تُعدّ الداعم الأساسي للاجئين الفلسطينيين.

وأكد مصدر من منظمة التحرير الفلسطينية لـ"العربي الجديد" أن حسين الشيخ تواصل مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان مرتين منذ صدور تصريحات ترامب. وأضاف: "كما تم التواصل مع دول عربية تربطها علاقات وثيقة واتفاقيات أمنية وسياسية مع الولايات المتحدة، لبحث خطورة تصريحات الرئيس ترامب". ووفقاً للمصدر، فإن الجهود الفلسطينية الحالية تتركز على إصدار بيانات منفردة أو موحدة مع عدد من الدول العربية المؤثرة، مثل السعودية ومصر والأردن، أو السعي للخروج بموقف عربي موحّد عبر جامعة الدول العربية.

وفي الساعات الأولى من صباح أمس، أصدرت السعودية بياناً أكدت فيه أن موقفها من قيام الدولة الفلسطينية "راسخ وثابت ولا يتزعزع، وليس محل تفاوض أو مزايدات". وبعد نحو سبع ساعات من البيان السعودي، أعلنت السلطة الفلسطينية موقفها الرسمي على لسان حسين الشيخ، حيث قال: "القيادة الفلسطينية تؤكد موقفها الثابت بأن حل الدولتين وفق الشرعية الدولية والقانون الدولي هو الضمان للأمن والاستقرار والسلام. ونؤكد رفضنا لكل دعوات التهجير للشعب الفلسطيني من أرض وطنه. هنا وُلدنا وهنا عشنا وهنا سنبقى. ونثمن الموقف العربي الملتزم بهذه الثوابت".

وفي حوالي الساعة الحادية عشرة صباحاً بتوقيت فلسطين، أصدرت الرئاسة الفلسطينية بياناً رسمياً أكد فيه عباس رفضه القاطع لدعوات الاستيلاء على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين من وطنهم. وطالب عباس "الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بتحمل مسؤولياتهم والتحرك العاجل لحماية قرارات الشرعية الدولية، وحماية الشعب الفلسطيني والحفاظ على حقوقه غير القابلة للتصرف، وحقه في تقرير مصيره والبقاء على أرض وطنه، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية".

المساهمون