السعودية وقضية سد النهضة: مبادرة لاستيلاد فرصة للحل

السعودية وقضية سد النهضة: مبادرة لاستيلاد فرصة للحل

19 فبراير 2021
يضيق الوقت قبل موعد الملء الثاني للسدّ (إدواردو سوتيراس/فرانس برس)
+ الخط -

قالت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد"، إن الوعد السعودي الصادر أول من أمس الأربعاء، عن وزير الدولة للشؤون الأفريقية، السفير السابق في القاهرة، أحمد عبد العزيز قطان، بدخول السعودية على خطّ المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان لحلّ قضية سد النهضة، "يفتح باباً جديداً للعمل لحلحلة القضية، بالتوازي مع المفاوضات المتعثرة تحت مظلّة الاتحاد الأفريقي". لكن المصادر شكّكت، في الوقت ذاته، في تعاطي إثيوبيا بإيجابية مع مبادرة كهذه إذا صارت رسمية، بسبب ضيق الوقت قبل موعد الملء الثاني للسدّ نهاية يوليو/تموز المقبل.

شكّكت المصادر في تعاطي إثيوبيا بإيجابية مع المبادرة

والتزمت مصر والسودان رسمياً الصمت إزاء تصريحات قطان خلال زيارته للخرطوم، عن سعي السعودية لإنهاء ملف سد النهضة بالشكل الذي يضمن حقوق الأطراف الثلاثة، كاشفاً عن لقاءات سابقة بتوجيهات من الملك سلمان بن عبد العزيز، مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وحديثه عن نية عقد لقاء قمة "في الوقت المناسب" لحل الأزمة، والذي تزامن مع استدعاء الخرطوم سفيرها في أديس أبابا، جمال الشيخ.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وأضافت المصادر التي تعمل في ديوان الخارجية المصرية، أن التدخلات السعودية في الأزمة سابقاً كانت محدودة، وإن تعهدت سابقاً بالفعل، قبل مفاوضات واشنطن الفاشلة بداية العام الماضي، ببذل جهود وساطة. لكن بحسب المصادر، فإن دوران عجلة الخلافات بين مصر وإثيوبيا تحديداً، كان أسرع من الاتصالات السعودية، وكذلك الإماراتية، واتصالات أخرى أجرتها دول أخرى في الشرق الأوسط.
وأوضحت المصادر أن مصر سبق أن طلبت من السعودية والإمارات لعب دور ملموس في الأزمة، نظراً لعلاقتهما الوثيقة بأديس أبابا، لكن دائما كانت هناك محاولات من الجانبين لجعل الدور في إطار "تحسين أجواء التفاوض بين الأطراف المتنازعة"، وليس بهدف "تقديم حلول نهائية"، ولذلك كان البلدان أبعد من أطراف أخرى غربية وشرقية في متابعة قضية السد.

وذكرت المصادر أن مصر "باتت تتفهم" منذ عامين تقريباً، أن الدول الخليجية ستكون من المستفيدين الأبرز من مشروع سد النهضة، سواء بزيادة استثماراتها الزراعية أو في مجال الطاقة، "وبالتالي فلم تعد تراهن كثيراً على وساطات خليجية". واستدركت المصادر بالقول إن "التصريح السعودي الجديد ربما يحمل تغييراً في المستقبل، لكنه غير مجدول حتى الآن"، مشددة، في الوقت ذاته، على "ثقة القاهرة في شخص قطان الذي كان على اطلاع واسع بالقضية منذ بدايتها".
وتعدُّ السعودية حالياً، وفق بيانات أديس أبابا، سادس أكبر شريك تجاري لإثيوبيا بقيمة تبادل إجمالية تبلغ 6 مليارات دولار، وزاد بشكل كبير إصدار تصاريح العمل للعمالة الإثيوبية البسيطة في السعودية، خصوصاً قبل جائحة كورونا، ما عزّز العلاقات بين البلدين.

تبحث المبادرة عقد لقاء قمة في الوقت المناسب لحل الأزمة

ومنذ انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية في عام 2005، أصبحت إثيوبيا واحدةً من أهم الدول الجاذبة للاستثمار من قبل المواطنين السعوديين. ففي نهاية 2015، أعلنت وزارة الزراعة السعودية أنهم يحتلون المرتبة الثالثة بين المستثمرين الأجانب في إثيوبيا بنحو 294 مشروعاً، معظمها في مجالي الزراعة والإنتاج الحيواني، كما أن لهم استثمارات هائلة في مزارع البن، الذي تستورد منه الرياض سنويا أكثر من 80 ألف طن. ومنذ عام ونيف، أعلن القنصل العام الإثيوبي في جدة، مروان بدري، أن الاستثمارات السعودية في إثيوبيا تبلغ نحو 13 مليار دولار، متوقعاً زيادتها، لكن جائحة كورونا أعاقت المسيرة بعض الشيء.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، وبينما كانت مفاوضات سد النهضة جارية برعاية إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أعلنت حكومة آبي أحمد حصولها على قرضين من السعودية بقيمة 140 مليون دولار، لتمويل مشاريع للبنية التحتية والطاقة، وأنه سيتم توجيه القرضين إلى إنشاء طرق ومشاريع الطاقة وإمداد المياه. وقبلها في عام 2016، وبموجب اتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي والأمني بين السعودية وإثيوبيا، زوّد صندوق التنمية السعودي 305 مستثمرين سعوديين و69 شركة سعودية بالتمويل لتطوير الإمكانات الإثيوبية.

وبناء على هذه الحقائق، رأت المصادر المصرية أن السعودية تملك بالفعل أوراقاً يمكن الضغط بها على أديس أبابا، وكان من الممكن استخدامها مبكراً، لكن هذا لم يحدث. وفي الوقت نفسه، فإن الرهان على إقامة قمة ثلاثية مصرية إثيوبية سودانية برعاية سعودية لبحث حلول الأزمة، "تتطلب أولاً إرادة سياسية من جميع الأطراف لضرورة طرح حلول معقولة"، بحسب المصادر، مذكّرة بفشل القمم السابقة التي حضرها السيسي وآبي أحمد تحت مظلة الاتحاد الأفريقي.

وعن معالم الرؤية السعودية لحل الأزمة، والتي لم تظهر في تصريحات قطان، قالت المصادر إن الرياض تحدثت سابقاً خلال اتصالات بهذا الشأن في بداية عهد الملك سلمان عن ضرورة الالتزام بروح اتفاق المبادئ الموقع في مارس/آذار 2015 كإطار وحيد يمكنه استيعاب القضية، لكن أي مقترح الآن يجب أن يكون أكثر تحديداً. ويأتي ذلك بسبب انقلاب إثيوبيا على التفسيرات الموضوعية لبنود الاتفاق، وتمسّكها بتفسيرات حرفية لا تؤدي إلى التوافق وتفرغها من مضمونها.

الرياض تحدثت سابقاً عن ضرورة الالتزام بروح اتفاق المبادئ الموقع في مارس/آذار 2015

وعلى مستوى آخر، كانت السعودية من بين أبرز الدول التي استجابت للمطالبات المصرية، خصوصاً بعد توقيع حزمة اتفاقات للتعاون وترسيم الحدود البحرية بنقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير، لتقديم دعم مالي كبير لمشاريع رفع كفاءة شبكة الري ومياه الشرب وتحسين استفادة مصر من كميات المياه الواردة إليها وتنقيتها وجلب نظم حديثة لتحسين الجودة والتحلية والمعالجة، والتي تقدر الحكومة المصرية أنها ستتكلف حوالي 430 مليار جنيه خلال 10 سنوات. لكن بحسب المصادر، فإن "مثل هذا الإسهام ليس هو فقط ما تنتظره مصر من السعودية بعد تصريح قطان".

ولا تزال هناك خمس قضايا أساسية يجب حلّها للتوصل إلى اتفاق نهائي على المستوى الفني لسد النهضة، أولها عدم وضوح برنامج الملء المستمر والدائم للسد، وثانيها حجم التدفق اليومي من السد والذي سيصل إلى سد الروصيرص بالسودان حتى لا تتأثر السلامة الإنشائية للأخير، إذ تتمسك الخرطوم بأن يكون التغير في حدود 250 مليون متر مكعب وتقترح أديس أبابا 350 مليوناً. وثالث القضايا عدم الاتفاق حتى الآن على حجم التدفق العام في فترات الجفاف والجفاف الممتد، والذي تقترح مصر أن يكون 37 مليار متر مكعب كرقم وسط بين ما تطالب به إثيوبيا وهو 32 مليار، وما كانت تطالب به مصر وهو 40 مليار متر مكعب، على أن يُترك الرقم الخاص بأوقات عدم الملء والرخاء لآلية التنسيق بين الدول الثلاث. أما النقطة الرابعة فهي غياب خطة إثيوبيا للاستخدامات الخاصة بالمياه، سواء كانت مخصصة لإنتاج الطاقة أو الزراعة أو غيرها. والقضية الخامسة والأخيرة تتعلق بضرورة الاتفاق على معايير قياس امتلاء سد النهضة (وسد السرج الاحتياطي المجاور) مجتمعين، والربط بينه وبين سد الروصيرص والسد العالي، وهي مسألة تراها مصر ضرورية، في حين تراها إثيوبيا مدخلاً للربط بين السدود، وهو ما ترفضه.

أما القضايا القانونية التي لا تزال عالقة فهي: عدم التوافق الكامل على مدى إلزامية الاتفاقية التي سيتم توقيعها، وثانيها عدم التوافق على آلية فضّ المنازعات التي ستنشأ مستقبلا حول تشغيل السد والملء، وثالثها رغبة إثيوبيا في تحويل الاتفاقية إلى اتفاق للمحاصصة في مياه النيل وإلغاء اتفاقية 1959 بين مصر والسودان. أما رابع القضايا وأحدثها، فتتمثل في رغبة إثيوبيا في انتزاع موافقة مصر والسودان على إقامتها مشروعات مائية أخرى على مجرى النيل الأزرق وتطبيق القواعد الاسترشادية الخاصة بسد النهضة عليها، الأمر الذي ترفضه مصر نهائياً.