وصفت الرئاسة الجزائرية، مساء السبت، تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن طبيعة النظام السياسي في الجزائر وماضي الأمة الجزائرية، بـ"غير المسؤولة"، واعتبرتها "تدخلاً غير مقبول في الشأن الداخلي".
وأفاد بيان للرئاسة الجزائرية بأنّ الجزائر ترفض رفضاً قاطعاً أي تدخُّل في شؤونها الداخلية، وأضاف: "على خلفية التصريحات غير المفنّدة لعديد المصادر الفرنسية والمنسوبة للرئيس الفرنسي، ترفض الجزائر رفضاً قاطعاً أي تدخُّل في شؤونها الداخلية، وهو ما جاء في تلك التصريحات".
وقال البيان: "أمام هذه التصريحات اللا مسؤولة قرّر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الاستدعاء الفوري لسفير الجزائر بفرنسا للتشاور"، مشيراً إلى أن "تصريحات ماكرون حملت مساساً غير مقبول بذاكرة خمسة ملايين و630 ألف شهيد ضحوا بحياتهم منذ المقاومات الشجاعة ضد الاستعمار الفرنسي وخلال الثورة التحريرية المظفرة، وجاءت عشية إحياء الجزائريين لذكرى مجازر 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961"، وذكّر بيان الرئاسة الجزائر باريس "بالجرائم التي ارتكبتها في الجزائر، وترفض أن تعترف بها، والتي تشكل القواعد الأساسية لحرب الإبادة.
واعتبرت الرئاسة التصريحات ضمن سياق "نزعة أصحاب الحنين إلى الجزائر الفرنسية، والأوساط التي تعترف، بصعوبة، بالاستقلال الكامل، الذي حققه الجزائريون، بنضال كبير، يتم التعبير عنها من خلال محاولات، غير مجدية، لإخفاء فظائع ومجازر ومحارق وتدمير قرى بالمئات".
وشجبت الرئاسة الجزائرية تصريحات ماكرون الخاصة ببناء النظام السياسي في الجزائر، واعتبرتها "تقديرات سطحية ومغرضة، ومفهوم هيمنة مبتذل للعلاقات بين الدول، ولا يمكن في أي حال من الأحوال، أن تكون متوافقة مع تمسك الجزائر الراسخ، بالمساواة السيادية للدول".
وهددت بوقف التعاون مع باريس لتسوية ملف الذاكرة المشتركة، وأوضحت أنّ "هذا التدخل المؤسف"، من شأنه أن يخل بأي تعاون محتمل بين الجزائر وفرنسا بشأن الذاكرة، بسبب ما وصفته بـ"ترويج لنسخة تبريرية، للاستعمار على حساب النظرة التي قدمها تاريخ شرعية كفاحات التحرير الوطنية، في الوقت الذي لا يمكن لأحد أو لشيء، أن يغفر لقوات الاستعمار الفرنسي جرائم الإبادة الجماعية ضد الإنسانية والتي لا تسقط بالتقادم، ويجب أن لا تكون محل تلاعب بالوقائع وتأويلات تخفف من بشاعتها".
وكان الرئيس ماكرون قد قال خلال لقائه مجموعة من الطلبة الجزائريين ومزدوجي الجنسية وفرنسيين من أبناء الأقدام السوداء (المعمرين السابقين في الجزائر) التقاهم الخميس، إنّ الرئيس الجزائري تبون رهين لنظام متحجّر، وقال في تلميح إلى أن الرئيس تبون محاصر بسبب هيمنة العسكر على السلطة وصناعة القرار: "نحن نرى النظام الجزائري متعباً والحراك أنهكه، لدي حوار جيد مع الرئيس تبون، لكني أرى أنه عالق في نظام صلب (متحجر) للغاية"، كما هدد ماكرون بإزعاج ما وصفه بـ"المجتمع الحاكم في الجزائر"، عبر منع التأشيرات على المسؤولين الجزائريين وأبنائهم وعدم تسهيل حياتهم (تنقلاتهم). كما شكك ماكرون في وجود كيان للأمة الجزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، وقال: "هل كانت أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟ كان هناك استعمار سابق، (يقصد الحكم العثماني في الجزائر)، أنا منبهر بقدرة تركيا على جعل الناس تنسى ذلك تماماً وتركز فقط على أننا المستعمرون الوحيدون للجزائر".
وفي السياق ذاته، بدأت ردود الفعل والمواقف السياسية تتفاعل في الجزائر، ضد تصريحات ماكرون، إذ رأى رئيس "حركة مجتمع السلم"، كبرى الأحزاب الإسلامية في الجزائر، عبد الرزاق مقري، أن خطاب ماكرون هو "إعلان حالة حرب على الجزائر دولة وشعباً"، مضيفاً، في بيان له، السبت، أنّ "الرئيس الفرنسي "جاهل بالتاريخ، ومغرور، يهين الرئيس الجزائري ويدخل في مواجهة غير مسبوقة مع كل النظام السياسي، ويتعامل مع الجزائر وكأنها دولة غير ذات سيادة"، لافتاً إلى أنّ "مصداقية الحكام الجزائريين أمام المحك، وشرف كل الجزائريين في مهب الريح إن لم يكن موقف في مستوى هذه الإهانة".
من جهتها وصفت "حركة البناء الوطني"، العضو في الحكومة، تصريحات ماكرون، "بالهستيريا الانتخابية، واستغلال سياسوي للجالية الجزائرية في الحملات الانتخابية"، وأكد بيان للحركة، السبت، أنّ "حكومة ماكرون اليوم منزعجة من فشلها المسجل داخلياً وخارجياً وآخره أزمة الغواصات، وتريد أن تصدّر لنا مشكلاتها وإخفاق حكومتها التي لم تنجح سوى في صناعة بعض التوترات".
وشددت الحركة على أنها ترفض "أي مساس بالسيادة الوطنية والتدخل في الشأن الجزائري، فالجزائريون يدركون جيداً عدوهم من صديقهم، والرفض التام لأي محاولة عدوانية للمساس بمؤسسات دولتنا".