الديمقراطية "العربية" تتجاوز اسكندنافيا

الديمقراطية "العربية" تتجاوز اسكندنافيا

29 يناير 2021
خضع الأمير الدنماركي فريديريك للشرطة عام 1992 (فرانس برس)
+ الخط -

في سردية "الديمقراطية" عند البعض العربي، من "البرلمانات" إلى التلفزة والسياسيين، تُفهم "دولة القانون" كترف كَمَالي، طالما أن نتائج الاستفتاء على "الزعيم" بخير. وسط ذلك، وغيره من مشاهد الكوميديا السوداء، يصدّق البعض أنه "برلماني" أكثر ديمقراطية من السويد والدنمارك وأميركا. ومن بين حالات البؤس خروج بعضهم مطالباً واشنطن: "الإفراج عن مقتحمي الكونغرس". فحالة الفساد التي تنسف "دولة القانون والعدالة"، تسمح لنفسها بالاحتيال، وتستعرض بجرأة المفاضلة بين الديمقراطية المحلية والاسكندنافية. وبحجة "الأمن والأمان" تنهب مقدرات البلاد، ويوبَّخ الشعب، كمنغص "متخلف" لمشاريع الحاكم في"تحضّر العمران".

في المفاضلة الزائفة ثمة أمثلة حول "تأخر" ديمقراطية اسكندنافيا. ففي العاصمة الدنماركية كوبنهاغن أوقفت الشرطة ليلة رأس السنة 1992 سيارة ولي العهد الأمير فريديريك، الذي كان مخموراً، تاركاً لصديقته قيادتها، لكنها لم تكن تملك رخصة قيادة، ووصلت القضية إلى المحكمة. لم يصرخ فريديريك متوعّداً بأمه الملكة، ولا باستدعاء "الحرس الملكي"، بل خرج القصر الملكي باعتذار رسمي عن تصرفات الأمير، مثنياً على عمل الشرطة. وفي عام 1997 ضبطت الشرطة وزير العدل الأسبق، زعيم حزب المحافظين، هانس إينغيل يقود مخموراً، فاعتزل السياسة وحوكم كأي مواطن آخر.

في السويد استخدمت وزيرة المساواة، ونائبة رئيس وزراء يسار الوسط، مونا ساهلين، بطاقة الوزارة لشراء أغراض بقيمة نحو خمسة آلاف دولار. ورغم أن المحكمة برأتها في 1996 لتشابه بطاقتها الشخصية ببطاقة الوزارة، لم تبق يوماً في منصبها. أما وزيرة التعليم عايدة حاج علي، التي كانت أصغر وزيرة في تاريخ السويد، فقد ضُبطت وهي تقود سيارتها بنسبة كحول زائدة صيف 2016، فاعتذرت للشعب واستقالت.

هذه الأيام تواجه وزيرة الهجرة الدنماركية السابقة إنغا ستويبرغ "محاكمة وطنية برلمانية"، بعد شكوى زوجين شابين لاجئين من سورية إلى مراقب الدولة. ستويبرغ أرادت وقف زيجات القاصرات اللاجئات، ولكنها خالفت القوانين بتوجيه سري للفصل بين الأزواج.

في إستونيا، التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي، وتحولت في سنوات إلى نظام ديمقراطية دولة القانون والشفافية، استقالت وزيرة التعليم مايليس ريبس في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لأنها "استخدمت سيارة رسمية لتوصيل أطفالها إلى المدرسة".

تطول قائمة الأمثلة والمقارنات عن "المُتخيل" في عنتريات "الخطاب" حول الوطنية و"تخلف" دول القانون. ففي خطاب الاستهزاء من الحرية والديمقراطية يصير الفساد، وتزوير إرادة الشعوب، وتهريب الأموال والثروات إلى ملاذات غربية، وتأليه وتحصين المسؤول، وعشيرته، "شطارة" و"فضيلة"، لا يدركها مطبقو أنظمة دولة القانون والحريات في اسكندنافيا.

فحين يُختزل "النظام" باعتباره ما يجود به الحاكم، رغم المقدرات والثروات الهائلة، وتتمركز "الدولة" حول "الزعيم وحاشيته"، على الطريقة الروسية مثلا، فإن العواقب كارثية، في المظهر والجوهر. دول كثيرة سميت بـ"جمهوريات الموز" في أميركا اللاتينية، ورغم ذلك يمكن لتشيلي والأرجنتين والبيرو وغيرها، بعد الانتقال الديمقراطي من أنظمة الانقلابات الديكتاتورية، تقديم أمثلة عن معنى ترسيخ مبدأ دولة القانون.

ويكفي أن يتابع أي مراقب محايد فساد النظام الصحي لدى بعض "العرب الديمقراطيين"، من إنكار لوباء كورونا واختناق البشر، ثم فرض إتاوات، بعد نهب الجيوب بالضرائب وتمنين الناس بأبسط الخدمات، فيصبح لقاح كورونا على حساب الفقراء. يكشف ذلك مكامن الكوارث، المستبدلة للتطوير بمشاريع تلميع الصورة، لتستمر حاشية الحكم في الادعاء بأنها "أكثر ديمقراطية من أميركا وأوروبا"، ولو سويت أوطان بالأرض. وبالمناسبة، كل ما تقدم من قضايا في اسكندنافيا كان للسلطة الرابعة الدور الحاسم في كشفها أمام الرأي العام، من دون تهديد وقتل وسحل نحو الزنازين بحجة "إثارة بلبلة".

المساهمون