الدنمارك تدفع نحو فرض عقوبات أوروبية على إسرائيل: الفظائع في غزة يجب أن تتوقف
استمع إلى الملخص
- خلال رئاستها للاتحاد الأوروبي، تحاول الدنمارك حشد الدعم لتعليق جزء من اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، رغم التحديات بسبب تباين مواقف الدول الأعضاء، خاصة ألمانيا.
- تشمل المقترحات الدنماركية عقوبات اقتصادية على المستوطنات ومقاطعة مسؤولين إسرائيليين، مع استمرار التساؤلات حول قدرة الدنمارك على حشد التأييد الأوروبي.
في تحول لافت في السياسة الدنماركية، وبالتزامن مع استضافتها اجتماعاً لوزراء الخارجية الأوروبيين، تدفع كوبنهاغن حالياً نحو فرض عقوبات على إسرائيل في خطوة تتماشى مع ضغوط شعبية وسياسية متزايدة، إذ اقترحت رئيسة الحكومة الدنماركية ميتا فريدركسن على الاتحاد الأوروبي تعليق اتفاقية التجارة مع دولة الاحتلال، إلى أن تغير إسرائيل سلوكها تجاه غزة والفلسطينيين.
واعترفت فريدركسن في مقابلة مع القناة الثانية الدنماركية بأنها لم تعد قادرة على الدفاع عن دولة الاحتلال، مشيرة إلى إمكانية فرض عقوبات على تل أبيب. وجاءت هذه التصريحات نتيجة لضغوط متزايدة من الشارع، حيث تتعارض سياسات الحكومة مع الاتجاهات الشعبية السائدة التي تشهد تزايدًا في التعاطف مع فلسطين، كما تعيش فريدركسن ضغوطاً كبيرة داخل حزبها الاشتراكي الديمقراطي، إضافة إلى ضغوط من أحزاب اليسار ومنظمات غير حكومية تفضح جرائم الحرب في غزة. وأشارت فريدركسن إلى أن "هذه الفظائع يجب أن تتوقف من خلال وقف الحرب على غزة الآن".
التوجه الجديد: معاقبة الاحتلال
في إطار رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي، تسعى الدنمارك إلى حشد الدعم بين الدول الأوروبية لإقرار عقوبات ضد إسرائيل، بدءاً بتعليق جزء من اتفاقية الشراكة بين الاتحاد وإسرائيل. رئيسة الحكومة فريدركسن أكدت أن الدنمارك ستعمل على الضغط على الاتحاد الأوروبي لتعليق هذا الاتفاق، في خطوة تهدف إلى إجبار إسرائيل على تحسين أوضاع الفلسطينيين في غزة. وفي تصريحات لها، قالت فريدركسن: "الحكومة الإسرائيلية لا تفي بمسؤولياتها. لا نرى أي مؤشرات على استعدادها لتغيير مسارها، ما يعني أن الضغط يجب أن يزداد الآن."
اتفاقية الشراكة مع إسرائيل
اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل هي أساس العلاقة الاقتصادية والسياسية بين الطرفين. توفر هذه الاتفاقية مزايا اقتصادية للطرفين، لكنها أيضاً تتطلب التزام إسرائيل بحقوق الإنسان والمعايير الدولية. وفقاً للقوانين الأوروبية، يمكن تعليق أجزاء من الاتفاقية إذا كان هناك دعم من غالبية الدول الأعضاء، ما يسعى إليه الآن الموقف الدنماركي. لكن تنفيذ هذا القرار ليس بالأمر السهل. فوفقاً لوزير الخارجية الدنماركي لارس لوكا راسموسن، يصعب الحصول على توافق كامل من دول الاتحاد، خاصة مع وجود دول مثل ألمانيا التي لا تزال ترى في علاقاتها مع إسرائيل مسألة ذات حساسية تاريخية.
الضغوط والمواقف المتباينة
من ناحيتها، عبرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، في طريقها إلى اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في كوبنهاغن، عن تشكك في إمكانية توصل وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق بشأن إجراءات صارمة ضد إسرائيل، على الرغم من الوضع في غزة. وقالت كالاس: "لستُ متفائلة جداً. فحتى اقتراحنا المتساهل نسبياً بشأن مشاركة إسرائيل في برنامج هورايزون لا يمكنه حشد أغلبية مؤهلة". وعلى الرغم من الضغوط المتزايدة من بعض الدول مثل الدنمارك والنرويج (التي ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي لكنها تنشط للضغط عليه من أجل مواقف أكثر حزماً) وأخرى كإسبانيا وأيرلندا ودول الشمال الأوروبي، إلا أن ألمانيا، التي تتحمل مسؤولية تاريخية بعد الحرب العالمية الثانية واعتبار إسرائيل جزءاً من السياسة الداخلية والخارجية لبرلين، تظهر تحفظاً كبيراً. ويشير متابعون لمناقشات كوبنهاغن اليوم إلى أن ألمانيا قد تكون عائقاً رئيسياً في حشد تأييد واسع داخل الاتحاد الأوروبي لمواجهة إسرائيل بشكل صارم.
وحذر وزير الخارجية النرويجي إسبن بارث إيدي من أن الغرب سيخسر مصداقيته "إذا استمر في التعامل مع النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي بمقاييس مزدوجة"، مشيراً إلى أن "المعايير الدولية التي تُطبَّق على روسيا في أوكرانيا يجب أن تُطبَّق على إسرائيل في فلسطين". وشدد الوزير بارث إيدي على أن "الضغط على إسرائيل يجب أن يكون من أجل حماية القانون الدولي والإنسانية، ولا يمكن أن تكون هناك ازدواجية في المعايير". من ناحيته، عبر لارس لوكا راسموسن عن إحباطه من عجز الاتحاد الأوروبي عن التصرف بشكل أسرع. وأوضح أن الدنمارك مصممة على المضي قدماً في خططها، بينما لمحت فريدركسن إلى إمكانية ذهاب بلدها منفرداً لفرض بعض العقوبات على دولة الاحتلال، بما في ذلك مقاطعة المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، وهي مطالب كانت تلقى رفضاً سياسياً طيلة سنوات مضت، حين كانت تطالب بها حركة المقاطعة "بي دي إس" في الدنمارك. وبينما يتواصل الضغط الدنماركي داخلياً، بدأت الحكومة في طرح عدة مقترحات جديدة، من ضمنها:
- فرض عقوبات اقتصادية بما في ذلك تعليق تجارة الاتحاد الأوروبي مع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وهو أمر يمكن الذهاب إليه فردياً إذا لم يتخذ قرار أوروبي جماعي بشأنه.
- التشديد على مقاطعة المسؤولين الإسرائيليين مع التركيز على الوزراء الأكثر تطرفاً الذين يعرقلون أي محاولات لتحقيق السلام. وكثيراً ما تربط حكومة كوبنهاغن بين هؤلاء الوزراء والتحريض على الإبادة ومحاولة "قبر" الدولة الفلسطينية من خلال توسيع الاستيطان في الضفة الغربية التي تحظى باهتمام دنماركي.
- إجراءات أكثر صرامة ضد القطاع العسكري في ظل الانتهاكات المتواصلة لحقوق الإنسان في غزة، ويمكن لكوبنهاغن أن توقف تزويد طائرات إف 35 بمعدات مهمة للقصف من مصنع تيرما الدنماركي.
الاتحاد الأوروبي أمام استحقاق جدي
وفي وقت ينتظر فيه العالم المزيد من التحرك الأوروبي، تبقى الأسئلة مطروحة حول مدى قدرة الدنمارك على حشد التأييد داخل الاتحاد الأوروبي للضغط على إسرائيل. يتوقع مراقبون أن الدول الأخرى قد تظل مترددة، خاصة في ظل التعاطف التاريخي مع إسرائيل. وبينما تتزايد الأصوات المطالبة بتطبيق مزيد من العقوبات على إسرائيل، تبقى سياسة الغرب بحاجة إلى إعادة تقييم. وحذر وزير الخارجية النرويجي بارث إيدي من أنه "إذا كنا نريد أن يحترم الجميع القوانين الدولية، فيجب أن نكون أول من يلتزم بها، بغض النظر عن الدولة المعنية". والدنمارك التي تقود هذا التحرك تدعو الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ موقف حازم. ومع أن الطريق قد يكون صعباً، فإن تغيير المسار في السياسة الأوروبية قد يكون ضرورياً لإنهاء هذه الفظائع في غزة ولإعادة تأكيد مصداقية الغرب على الساحة الدولية.