الدنمارك تتجه لفرض إلزامية التجنيد على النساء وأبناء المهاجرين

الدنمارك تتجه لفرض إلزامية التجنيد على النساء وأبناء المهاجرين

06 يونيو 2022
لم يعد الحديث عن "الإرهاب" هو المسيطر في خطابات الشعبويين (العربي الجديد)
+ الخط -

يبدو أن التغيير الذي فرضته 100 يوم من حرب أوكرانيا لم يجعل مجتمع الدنمارك الصغير (نحو 5.8 ملايين نسمة) بمنأى عنه، كما باقي دول اسكندنافيا، إذ بات النقاش الآن يدور حول الحاجة إلى كل السواعد والطاقات دفاعاً عن مستقبل البلد، بما في ذلك المجتمع الفتي من الأصول المهاجرة.

تداعيات هذه الحرب على المجتمع في الدنمارك يبدو أنها في طريق إزاحة ثنائية (نحن/ هم) العنصرية تجاه المهاجرين، إذ بات أبناء الجيلين الثاني والثالث من أبناء المهاجرين، وخصوصا المسلمين الذين يشكلون نحو 4 في المائة من السكان، وغيرهم من أجيال "أبناء المملكة الدنماركية" من الأصول العرقية الأخرى، على أبواب تغيير يتعلق بتبدل مكانتهم في الخطاب العام.

ويتحول النقاش الدنماركي في سياق "التسويات الوطنية"، بين مختلف الأحزاب، إلى نقاش مختلف عن ضرورة "الاستفادة من كل الطاقات وأبناء البلد"، ليشمل (محمد وخالد وعمر وحسن)، وبقية أسماء الأصل الإثني غير الأوروبي لمواطني البلد.

رياح التغيير تلك تشمل تيارات يمين ويسار الوسط، حيث تحول التهديد الوجودي في النقاش العام إلى التركيز على مواجهة التحدي الروسي، ولم يعد تهديد ما يسمونه "الإرهاب الإسلاموي" هو المسيطر في خطابات الشعبويين واليمين القومي المتطرف كما في السابق.

وفي هذا السياق، استدعى السياسيون والصحافة تصرف مواطني أوكرانيا المسلمين، مع إبراز مشاركتهم في الدفاع عن بلدهم، في سبيل تصويب الخطاب السابق بشأن الشبان من أصول مسلمة.

يتحول النقاش الدنماركي في سياق "التسويات الوطنية"، بين مختلف الأحزاب، إلى نقاش مختلف عن ضرورة "الاستفادة من كل الطاقات وأبناء البلد"، ليشمل (محمد وخالد وعمر وحسن)، وبقية أسماء الأصل الإثني غير الأوروبي لمواطني البلد

وشكل يوم أمس الأحد 5 يونيو/حزيران، وهو "يوم الدستور"؛ الذي نقل البلد مع أول دستور في 1849 من الملكية المطلقة إلى الديمقراطية بالتدرج حتى 1915، بضم النساء إلى الحقوق، مناسبة لإعلان قادة الأحزاب عن رغبة بنقل النقاش إلى صيغة "التحدث مع، وليس إلى" الأجيال الشابة من الأصول الإثنية الأخرى، كما ذهب رئيس الحكومة السابق، لارس لوكا راسموسن، في كلمته أمام المؤتمر التأسيسي لحزبه "المعتدلين"، بحضور بعض المرشحين للانتخابات البرلمانية على قوائمه.

ويبدو أن راسموسن التقط هبوب رياح تغير تنميط علاقة مواطني البلد من أصول مسلمة ليذكر في كلمته بأن "مواطنينا هؤلاء لا يجب أن يكونوا مهمشين، بل أن يكون جزءا رئيسا من مجتمعهم والدفاع عنه".

النساء لحمل السلاح مع الرجال

غير بعيد عن الخطاب التغييري، وفي إطار توصل مختلف الأطراف السياسية إلى "تسوية وطنية"، تشمل تخصيص المزيد من الأموال للدفاع عن البلد، فإن المشرعين يسعون إلى جعل النساء ضمن سياسة التجنيد الإلزامي التي يسعون لإدماج أبناء المهاجرين فيها.

ويسعى الدنماركيون إلى الانتقال من نظام السحب بالقرعة والتطوع للانخراط في الجيش، مع تخصيص نظام عقود ورواتب شهرية كبيرة تصل في المتوسط إلى نحو ألفي يورو للمجند/ة، إلى التجنيد الإلزامي، كما يطالب الدنماركيون بناء على "تطبيق حرفي" لمبدأ المساواة بين الجنسين، بجعل كل شابة تبلغ 18 سنة ملزمة بالخدمة العسكرية.

ودفعت الأجواء العامة المساهمة في مزيد من العسكرة أغلبية دنماركية في استفتاء عام نحو إلغاء 30 سنة من تحفظ البلد على التعاون العسكري الأوروبي تحت مظلة الاتحاد الأوروبي.

ويرفع الحديث عما بعد أوكرانيا في مخططات روسيا مستوى النقاش إلى اعتبار المتغيرات خلال 100 يوم من الحرب بمثابة تهديد وجودي، وافتراق "نظامي حكم روسي ومن يشبهه مقابل نظام أوروبي ليبرالي ديمقراطي يقوم على مبدأ دولة القانون"، كما ذكرت رئيسة حكومة يسار الوسط في كوبنهاغن، ميته فريدركسن، في "يوم الدستور".

جيش الدنمارك اليوم لا يتجاوز عدد أفراده في أحسن الأحوال 25 ألف فرد، ويصرف عليه نحو 27 مليار كرونه، وذلك لا يختلف كثيرا عن شريكها في حلف شمال الأطلسي، النرويج، وجارتها الساعية إلى الحلف السويد.

التوجه اليوم نحو "الخدمة الإجبارية"، شاملا الإناث، يدفع إلى السطح نقاشا حول ضرورة الفصل بين الذكور والإناث في القطع العسكرية، بعد سنوات من شكوى التحرش والمضايقات على أساس الجنس والأصل العرقي.

وترفض بعض التيارات السياسية الفصل الجندري، استنادا إلى مفهوم "المساواة التامة"، بينما يرى آخرون فوائد في ذلك الفصل.

وفي المجمل، يبدو أن حاجة البلد إلى التخلص من الاصطفافات الحادة والتهميش في ما خص الجيلين الثاني والثالث من أبناء المهاجرين، والحاجة إلى خلق مجتمع تشارك فيه النساء في الخدمة الإلزامية، يترك الباب مواربا عند الأحزاب الدنماركية لتبني سياسات يشارك في صياغتها متخصصون، بما في ذلك إنشاء وحدات عسكرية نسائية، وانتهاج سياسة تحويل المدنيين إلى قادرين على حمل السلاح ضمن استراتيجية دفاعية "إقليمية" (في أقاليم البلد السبعة).