الخيارات الفرنسية بعد تحالف "أوكوس": هل تتجه أوروبا نحو الهند؟

الخيارات الفرنسية بعد تحالف "أوكوس": هل تتجه أوروبا نحو الهند؟

20 سبتمبر 2021
لا تبدو النيات الهندية واضحة كذلك فإن باريس ستكون أكثر حذراً من الآن فصاعداً (فرانس برس)
+ الخط -

ليلة إعلان الولايات المتحدة إنشاء التحالف الأمني الجديد "أوكوس" مع بريطانيا وأستراليا، كان الاتحاد الأوروبي يستعد للكشف عن استراتيجيته لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، لكن الإعلان الثلاثي الذي قادته واشنطن جعل استراتيجية الأوروبيين بلا أي معنى، وخلطت الأوراق بشدة، تاركة دول القارة في حال من عدم اليقين والحيرة.

في ذلك اليوم، أدلى جوزيب بوريل، نائب رئيس المفوضية الأوروبية والممثل الأعلى للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ببيان، جاء فيه: "مركز ثقل العالم من الناحيتين الجغرافية والاقتصادية والجيوسياسية يتحول نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ. إن مستقبل الاتحاد الأوروبي ومستقبل منطقة المحيطين الهندي والهادئ متشابك".

ويظهر البيان محورية منطقة المحيطين بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، فهو أكبر مستثمر في التعاون الإنمائي، وأحد أكبر الشركاء التجاريين للدول التي تتشارك هذه المنطقة الشاسعة، لكن مع تفضيل أستراليا استراتيجية الولايات المتحدة على الاستراتيجية الأوروبية، التي قادتها فرنسا، أصبحت خيارات الاتحاد قليلة، إذ إن كل البيض كان في سلة فرنسا، ومع فسخ كانبيرا صفقة الغواصات الفرنسية، خسر الاتحاد الدعامة الأقوى في هذه الاستراتيجية.

أما عن السيناريوهات التي طرحت بديلاً من الفوضى التي أحدثها تحالف "أوكوس"، فقد برزت خلال الأيام الماضية نقاشات حول الوجهة الأوروبية، التي تمثلها فرنسا، من أجل خلق حال توازن استراتيجي، وكان الحديث يدور حول الصين والهند. لكن في ما يخص الصين، يبدو السيناريو مستبعداً إلى درجة كبيرة، وفق ما يرى مراقبون.

الاستراتيجية الفرنسية كانت تهدف أساساً إلى مواجهة النفوذ الصيني المتصاعد، ومهما كانت الضربة التي وجهتها واشنطن إلى باريس، بسحب أستراليا إلى صفها، مؤلمة، فلن تكون بكين خطة بديلة بالنسبة إلى فرنسا، فما يفرّق البلدين أكبر بكثير من أن يدفع مسؤوليهما إلى عقد اجتماعات والتوصل إلى اتفاق.

سيناريو آخر قد يبدو قابلاً للنقاش، هو الهند، إذ أجرى وزير الخارجية الفرنسية، جان إيف لودريان، السبت، اتصالاً بنظيره الهندي سوبراهمانيام جاي شانكار، ناقشا خلاله التطورات الأخيرة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. لكن البلدين لم يصدرا أية تفاصيل إضافية بشأن الاتصال.

بالعودة قليلاً إلى الوراء، كانت الهند جزءاً من الاستراتيجية الفرنسية/الأوروبية لمنطقة المحيطين، وقد سعت فرنسا مبكراً إلى جعلها ركيزة أساسية لها عندما اعتبرت أن أستراليا أصبحت داخل الحلقة الضيقة لهذه الاستراتيجية بعد توقيع عقد الغواصات عام 2016. وشكّلت نيودلهي توجهاً طموحاً لفرنسا، من خلال رؤية بعيدة المدى للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عززها بالزيارة التي أجراها للهند عام 2018 وطرح أن تكون فرنسا بوابة الهند للدخول إلى القارة الأوروبية.

تقوم الاستراتيجية الفرنسية على إنشاء "ميثاق قوي للعقد القادم" بين الهند وأوروبا، وفقاً لوصف ماكرون، مستفيداً من "بريكست" الذي كلّف المملكة المتحدة الكثير في علاقاتها وتبادلاتها مع الهند، خصوصاً أنها كانت تجري تحت مظلة الاتحاد الأوروبي، فعاد ماكرون إلى باريس وفي جعبته اتفاق يمنح السفن الهندية منفذاً لوجستياً إلى القواعد الفرنسية في المحيط الهندي، المنطقة التي تثير قلقاً كبيراً لدى نيودلهي بسبب تنامي النفوذ الصيني هناك.

وفي أعقاب زيارة ماكرون، باعت باريس للهند 36 طائرة مطاردة من طراز "رافال" وست غواصات من طراز "سكوربين"، كذلك فإن التعاون النووي بين البلدين قائم باستمرار، برغم أن هذا الملف لا يزال شاقاً بالنسبة إلى البلدين. ومع كل ذلك، لم يتخطّ حجم التبادلات بين البلدين 11 مليار دولار، وهذا ليس بالرقم الكبير في منطقة تشهد تنافساً في غاية الشدة بين قوى العالم.

وحتى الآن، لا تبدو النيات الهندية واضحة، وستكون باريس أكثر حذراً من الآن فصاعداً خلال إبحارها في منطقة المحيطين، فتطوير اتفاق بين البلدين يبدو ضبابياً بعض الشيء، خصوصاً أن لكل دولة تصورها الاستراتيجي والسياسي المستقل حولها، رغم أن الجميع ينظر إليها على أنها مركز الثقل الجديد في العالم.

وسيزيد تناقض الرؤيتين الأوروبية والأميركية الأمر تعقيداً في فهم توجهات الهند؛ فالاستراتيجيتان لا تلتقيان أبداً، خصوصاً أن المفهوم الجيوسياسي أو الاستراتيجي أو الاقتصادي الأميركي لمنطقة المحيطين يقوم على مفهوم "المحيط الهندي الهادئ الحر والمفتوح" (FOIP)، ويضع نصب عينيه إنشاء تحالفات لمواجهة القوة الصينية فقط لا غير، فيما تمثل فرنسا ومعها أوروبا الرؤية المشتركة لما يسمى "المبدأ الشامل"، وهو عدم تشكيل تحالف في هذه المنطقة ضد دولة على وجه الخصوص، بمعنى أن تكون المنطقة حرة ومفتوحة أمام الجميع، وذلك نظراً للاستثمارات الضخمة لأوروبا هناك، ولا سيما أن أرقام المفوضية الأوروبية لحجم التجارة السنوية بين دول المنطقة والاتحاد الأوروبي تبلغ 1.5 تريليون يورو سنوياً، وهي أكبر تجارة لأوروبا من أي منطقة جغرافية أخرى في العالم.

المساهمون