الخطاب المصري والعدوان الإسرائيلي: تغيير تكتيكي وتوزيع للأدوار

الخطاب المصري والعدوان الإسرائيلي: تغيير تكتيكي وتوزيع للأدوار

18 مايو 2021
تضمنت التوجيهات التركيز على خطاب شكري (الأناضول)
+ الخط -


أعاد إعلان "كتائب القسّام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، استهداف منصّة الغاز قبالة ساحل شمال قطاع غزة في عرض البحر الأبيض المتوسط، بعدد من الطائرات المسّيرة من طراز "شهاب"، تساؤلات حول الموقف المصري الرسمي من العدوان الإسرائيلي على غزّة، خصوصاً مع استهداف مراكز اقتصادية للاحتلال ما يمثل ضغطاً متكرراً على مصر. الجدل الواسع حول حقيقة التحول في الموقف المصري إزاء الاعتداءات والجرائم الإسرائيلية التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، يقترن دائماً بما حدث سابقاً. فبعد موقف معاد لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة خلال الحرب الإسرائيلية على القطاع في العام 2014، جاء التناول الإعلامي الموجه من جهات استخبارية مصرية نافذة، مختلفاً، مع الاستفادة من لهجة مغايرة لبعض المؤسسات الرسمية والنقابية.

أكدت التوجيهات على عدم التعرض أو ذكر مسؤولية الاحتلال عن الصراع

في هذا الصدد، كشفت مصادر إعلامية تحدثت لـ"العربي الجديد"، عن صدور توجيهات واضحة من مسؤولين عن إدارة المشهد الإعلامي في أجهزة الاستخبارات المصرية، عبر مجموعات مغلقة على مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر الاتصالات المباشرة مع مسؤولي تحرير في وسائل إعلامية حكومية، وأخرى تابعة للأجهزة نفسها، بالتركيز على جملة من الرسائل، على رأسها إعادة الحديث عن كلمة وزير الخارجية سامح شكري، أمام مجلس الأمن في جلسته التي انعقدت أول من أمس الأحد، باعتبار أن هذا هو لبّ الموقف المصري من الأحداث الجارية.
وقال شكري في كلمته: "نجتمع في أعقاب شهر رمضان الكريم الذي شهدنا على امتداده احتكاكات واستفزازات لا مثيل لها بالمصّلين من أهل القدس في المسجد الأقصى المبارك، بالتوازي مع عملية تهجير، ضمن سياسة ممنهجة لعدد من السكان العرب في حيّ الشيخ جراح بالقدس الشرقية، ما أغضب الملايين من العرب والمسلمين الذين ضاقوا على مدى العقود الثلاثة الماضية مما بدا تغييباً وتسويفاً لا نهائياً لوعود وتعهدات دولية ذات طابع قانوني بالتفاوض الجاد حول إنشاء دولة فلسطينية على الأراضي التي تم احتلالها عام 1967، والتي تشمل القدس الشرقية". وأضاف شكري أن "مصر لا ترى سبيلاً لتحقيق الأمن والسلام في منطقتنا، إلا عبر نيل الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة واستقلال دولته على خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية". وختم شكري كلمته قائلاً: "يقع على عاتقنا جميعاً أن نكثف جهودنا من أجل الوقف الفوري للأعمال العسكرية الحالية، والحيلولة دون أي استفزازات في القدس، مع احترام الوضع القانوني والتاريخي في ظلّ الرعاية الأردنية الهاشمية للأماكن المقدسة". 

وشملت التوجيهات المصرية كذلك، أن يتم تفسير التصريح المقتضب للرئيس عبد الفتاح السيسي، على هامش حضوره مؤتمراً في باريس، والذي قال فيه: "الوضع الحالي دلوقتي أنه إحنا بصفة عاجلة جداً، وبمنتهى الوضوح، لا بد أن يعود الهدوء وينتهي العنف وتنتهي أعمال القتل اللي بتتم". وفي رده على سؤال حول "هل الجهود المصرية فيها أمل؟"، قال الرئيس: "نحن نبذل جهوداً، وهنفضل، والأمل دائماً موجود، والأمل مع بعضنا كلنا إننا نتحرك عشان ننهى هذا الصراع". وأكدت التوجيهات على عدم التعرض أو ذكر مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي عن "هذا الصراع"، وتجنب التعليق المستفيض عليه، أو المبالغة في أنه يشير إلى "إسرائيل"، بشكل متكرر؛ مع استثناءات لبرامج ومذيعين محدودين، يكتفون بالإشارة إلى أن الرئيس يعني بكلامه "مسؤولية إسرائيل"، عن "هذا". وأشارت مصادر سياسية وإعلامية، إلى صدور توجيهات واضحة للنقابات ومنظمات حقوقية حكومية، بحريتها في التعليق، وإصدار بيانات حادة، تجاه العدوان الإسرائيلي.
كل هذه التوجيهات دفعت المراقبين للمشهد الفلسطيني والإقليمي، إلى طرح العديد من التساؤلات بشأن الموقف المصري ودوافعه، وما إذا كان تحولاً دائماً في السياسات المصرية تجاه القضية الفلسطينية وقطاع غزة، أم مجرد تكتيك إعلامي نتيجة مجموعة من المتغيرات الإقليمية الآنية. 
في هذا الإطار، يقول دبلوماسي مصري سابق، لـ"العربي الجديد"، إنه يمكن قراءة الموقف المصري الحالي، في ضوء مجموعة من الأحداث، للوقوف على ما إذا كان هناك تغيير حقيقي مبني على أساس قراءة جديدة لدور مصري في المنطقة، أم مجرد تحول لتحقيق مكسب ما، مشيراً إلى تقييد الحراك الشعبي وعدم السماح بخروج المسيرات والتظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية، واقتصار الأمر على الموقف الرسمي، والذي يتم التعبير عنه ببعض التسريبات غير الرسمية. كما يشير المصدر إلى القبض على إحدى الناشطات، وهي الكاتبة الصحافية الناصرية نور الهدى زكي، لرفعها علم فلسطين في ميدان التحرير، بل والإخفاء القسري للشاب عمر، أحد مصابي ثورة 25 يناير، كلّها مؤشرات توضح أن الأمر مجرد خطاب تكتيكي فقط مرتبط بسياق وقتي، وليس تغيراً استراتيجياً طويل المدى. 

توضح مؤشرات عدة أن الموقف المصري هو مجرد خطاب تكتيكي، وليس تغيراً استراتيجياً طويل المدى

ويعزو الدبلوماسي السابق الخطاب الجديد للموقف المصري، إلى الرغبة في لفت انتباه الإدارة الأميركية التي تواصل تجاهل القيادة المصرية منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وذلك للتأكيد على طبيعة الأدوار التي يمكن أن تلعبها مصر في المنطقة، ما من شأنه خدمة المصالح الأميركية، في حال حصول توافق بين القيادتين. ويرى المصدر أن شيئاً ما قد تحقق في هذا الإطار، حيث تلقى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالاً من نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، أول من أمس، بحث الوزيران خلاله تطورات الوضع المتأزم في الأراضي الفلسطينية. وبحسب البيان المصري، فقد ثمّن بلينكن جهود مصر والاتصالات التي تضطلع بها مع طرفي الصراع في محاولة للتوصل إلى وقف للأعمال العدائية. 
أما السبب الثاني من وجهة نظر الدبلوماسي السابق، فهو متعلق بالتجاهل الذي تعرضت له القاهرة من الجانب الإسرائيلي نفسه خلال الفترة الماضية، وتعويل تل أبيب أكثر على الدور القطري في التعامل مع المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة "حماس" التي تستضيف قطر رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية على أراضيها، في ظلّ الدعم المالي الكبير الذي تقدمه الدوحة لقطاع غزة، خصوصاً بعدما نجحت قطر في التوصل لتهدئة سابقة، بعيداً عن أي دور مصري. ويتابع الدبلوماسي السابق أن "رسالة القاهرة كانت واضحة هذه المرة، وهي أن الملف برمته في يدها، وأن التصعيد والتهدئة بيد القاهرة، وأنها هي التي تملك مفاتيح معبر رفح، الشريان الرئيسي لقطاع غزة"، معتبراً أن "هذه الرسالة أيضاً وصلت".
وتشير مصادر حكومية مصرية، إلى أن "السبب الآخر وراء تحول الخطاب المصري الذي قد يعود سريعاً للموقف القديم، حال تم التجاوب مع القاهرة وتمّت قراءة تلك الرسائل سريعاً من جانب الأطراف الموجهة لها، هو ما جرى من جانب بعض الأطراف العربية، وعلى رأسها الإمارات، خلال توقيع اتفاقية التطبيع مع دولة الاحتلال، والذي ظنت إسرائيل أنها من خلال تلك الاتفاقيات يمكنها الاستغناء تماماً عن الدور المصري، في الوقت الذي تقدم فيه أبوظبي تطبيعاً كاملاً غير مشروط، وهو ما أكدت القاهرة أكثر من مرة عدم إمكانية حدوثه في الحالة المصرية نظراً لاعتبارات سياسية وشعبية عدة". 
ويعدّ ما حدث في ملف غاز شرق المتوسط، من ترتيبات استبعدت منها مصر، بتنسيق إسرائيلي ــ إماراتي، في ظل تطور العلاقات بينهما، من الأسباب الرئيسية أخيراً أيضاً وراء غضب القاهرة، وتحول خطابها إزاء العدوان في غزة والأراضي الفلسطينية الأخرى، بشكل دفع مصر لإعادة البحث في أوراق الضغط التي تمتلكها على المستوى الإقليمي لحماية مصالحها.

المساهمون