الحياة لم تعد إلى طبيعتها في جبلة... انقسام اجتماعي واستنفار أمني في الساحل السوري

28 مارس 2025
عناصر أمن على مدخل مجلس جبلة (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد جبلة توترات أمنية وطائفية بعد سقوط نظام الأسد، حيث تحاول فلول النظام السابق السيطرة على المدينة، مما أدى إلى مواجهات عنيفة وانقسام الأحياء.
- تعاني المدينة من تحديات اجتماعية واقتصادية، مثل الاعتداءات الطائفية والفصل الوظيفي، مما زاد من التوترات بين السكان الذين يعتمدون بشكل كبير على الرواتب الحكومية.
- دعا الناشطون إلى تشكيل خلية أزمة لتعزيز السلم الأهلي والتواصل بين المكونات الطائفية، مع التأكيد على ضرورة اتخاذ الحكومة خطوات جادة لحل الأزمات.

تشهد مدينة جبلة على الساحل السوري منذ أيام حالة استنفار وانتشار أمني مكثف وتحصين للحواجز العسكرية من قبل قوات الجيش السوري والأمن العام، وذلك بالتزامن مع انتشار شائعات في المدينة عن هجوم وشيك جديد سيشنه مسلحون من فلول النظام السابق يستهدف المدينة.

وتحوّلت جبلة، جنوب محافظة اللاذقية، إلى مركز الأحداث منذ سقوط نظام بشار الأسد، وشكّل تاريخ 6 مارس/آذار الحالي أوج هذا الصراع مع محاولة فلول النظام السابق السيطرة عليها. ومدينة جبلة التي تتوسط الساحل السوري بين اللاذقية وطرطوس وتحيط بها جبال السلسلة الغربية للاذقية، تتميز بخليط طائفي متنوع من المكونين السنّي والعلوي، وتُعتبر منذ سنوات طويلة خزاناً بشرياً هاماً لقوات النظام السابق وقادته، إذ كان ينتمي لها أبرز ضباط جيش بشار الأسد ومنهم سهيل الحسن قائد الفرقة 25، فضلاً عن ضباط عسكريين من رتب عالية ورجال مقربين من عائلة الأسد. كما تتربع قاعدة حميميم العسكرية، أبرز القواعد العسكرية الروسية في سورية، على مدخلها الشمالي، وعلى بعد أمتار منها الكلية البحرية.

ومنذ سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، تحوّلت الأنظار إلى مدينة جبلة مع دخول قوات إدارة العمليات العسكرية إليها بعد يومين فقط من السيطرة على دمشق، وعلى الرغم من مخاوف اندلاع نزاع طائفي حينها، بقيت المدينة وريفها بعيدة عن الاقتتال، ونجحت جهود التسويات الأمنية في الحد من هذه المخاوف مع بعض المشاكل المتفرقة والاحتجاجات هنا وهناك.

محاولة انقلاب على الواقع في جبلة

وحتى 6 مارس الحالي كان الحضور الأمني للسلطة الجديدة في جبلة ضعيفاً، وتمثل في عناصر من الأمن العام انتشروا في بعض المواقع داخل المدينة، في حين شهد ريف المدينة ذو الأغلبية العلوية والذي يمتد على كامل جهات المدينة شمالاً وجنوباً وشرقاً بعض الاحتجاجات والعمليات العسكرية ضد السلطة الجديدة، وأخذت منحى تصاعدياً حتى تفجّرت الأوضاع في كامل منطقة الساحل، وكانت جبلة تلك الشرارة التي انطلقت منها.

فراس حاج عمر: اختيار فلول النظام السابق لمدينة جبلة لم يكن صدفة بل جاء من خلال محاولة استغلال الضعف الأمني حينها

ورأى مؤسس لجان التنسيق المحلية في جبلة فراس حاج عمر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ما حدث في 6 مارس لم يكن مجرد عمليات عسكرية شهدتها المدينة وريفها فقط ونتج منه ما حصل من قتل وخراب ودمار وسرقة فقط، بل كان انقساماً طائفياً حاداً لسكان المدينة وريفها، الذين يتجاوز عددهم 200 ألف نسمة. وأضاف حاج عمر أن اختيار فلول النظام السابق لمدينة جبلة لم يكن صدفة بل جاء من خلال محاولة استغلال الضعف الأمني حينها في المدينة للسلطات الجديدة، ومحاولة توريط المدينة باقتتال طائفي يستفيد منه مجرمو النظام السابق الذين لم يخضعوا للتسويات الأمنية. وأقر بأن نتائج ما حصل في المدينة وريفها كان كارثياً مع تنامي الخطاب الطائفي، وانقسام الأحياء بين مؤيد ومعارض للسلطة الجديدة.

من جهته، قال عبد الرحمن مؤذن، وهو من سكان جبلة، لـ"العربي الجديد"، إن تفجّر الأوضاع في 6 مارس سبقته عدة إشارات منها الخطاب المفاجئ لبعض وجهاء قرى جبلة مثل بسام حسام الدين الذي طالب بالحماية الفرنسية للساحل السوري، وإشاعة عودة ماهر الأسد ووصوله إلى جبلة، واستهداف مخفر مدينة جبلة الجنوبي عدة مرات من قبل فلول النظام، وهي مؤشرات كانت قوية لما كان يحضّر له في جبلة من قبل أنصار النظام السابق.

وبعد مرور أكثر من أسبوعين على ما حصل في جبلة ومقتل العشرات من المدنيين والعسكريين في هذه المواجهات، غابت الحركة الطبيعية للسكان في المدينة التي تُعرف بالسهر والحياة، ونزح منها ما يقرب من 9 آلاف شخص نحو قاعدة حميميم العسكرية الروسية، فيما عززت الحكومة السورية أخيراً من حضورها العسكري، وأقامت حواجز عسكرية وسيّرت دوريات أمنية لتفادي أي هجوم عسكري جديد لفلول النظام السابق.

تراكم أخطاء بلا حل

حسن مرهج: ما حصل في جبلة كان نتيجة تراكم أخطاء السلطة الجديدة

ورأى حسن مرهج، وهو مدرس من سكان مدينة جبلة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ما حصل في جبلة كان نتيجة تراكم أخطاء السلطة الجديدة، واستشهد بكلامه على بعض الحوادث الفردية التي لم تتم معالجتها من اعتداءات طاولت قبل 6 مارس أشخاصاً من الطائفة العلوية في المدينة والريف، ورافقها تنامي الخطاب الطائفي من بعض الشبان غير المسؤولين في المدينة عدة مرات، فضلاً عن عمليات الفصل التي طاولت عشرات الموظفين من مكون واحد، وفق قوله. وتابع مرهج: "لم يكن أحد يسمعنا ولم نسمع خطاباً يطمئن الأقليات ويحمينا من تنامي الأخطاء التي توصف بالفردية، حتى وصل الحال إلى المواجهة العسكرية، وهذا أمر أرفضه لكن أعتقد أن السلطة الجديدة قصّرت في التواصل وحل المشاكل الصغيرة والكبيرة في المدينة وريفها".

ويعتمد العدد الأكبر من سكان مدينة وريف جبلة على الرواتب الحكومية سواء أولئك المنتسبون للجيش والأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق، وآخرون في الوظائف الحكومية، وبقي معظم هؤلاء من دون عمل بعد سقوط الأسد. في حين يعاني معظم سكان المدينة من سوء الأوضاع المعيشية والفقر ويعمل معظمهم في التجارة وأعمال البناء والصيد البحري، وحتى هؤلاء تضرر الكثير منهم بسبب ما شهدته المدينة.

أمجد سلطان: الأمور تسير باتجاه التهدئة والعودة إلى الحياة الطبيعية

وقال مدير منطقة جبلة أمجد سلطان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الأمور تسير باتجاه التهدئة والعودة إلى الحياة الطبيعية على الرغم من مظاهر الانتشار الأمني الكثيفة في المدينة والتي عزاها إلى المعلومات المتداولة عن تحرك قريب لفلول النظام السابق. وأكد سلطان أن الأمن العام والقوى الأمنية تأخذ هذه المعلومات على محمل الجد وتتخذ الإجراءات والتدابير اللازمة للحفاظ على استتباب الأمن في المنطقة. وأضاف أن ما تحتاجه المدينة هو عودة الناس لحياتهم بشكل طبيعي، والتنقل والذهاب للأسواق، وما يمنع ذلك  حتى الآن هي الحالة النفسية نتيجة الأحداث الأخيرة لأن الأمر يحتاج بعض الوقت بحسب قوله.

غياب جهود السلم الأهلي

من جانب آخر، قال الناشط الإعلامي في مجال السلم الأهلي بمدينة جبلة مهيار بدرة، لـ"العربي الجديد"، إن ما وصل إليه حال جبلة وريفها اليوم يعود إلى أسباب عدة، أولها غياب التعاون بين وجهاء المدينة والريف لرأب الصدع وتعزيز السلم الأهلي وهو ما كرس حالة الخوف، فضلاً عن عدم مشاركة السلطات الجديدة لأهالي جبلة بإدارة شؤون المدينة وريفها.

وأكد بدرة أن هناك مستفيدين من الوضع الحالي وبقاء النازحين في قاعدة حميميم وبث الإشاعات حتى اليوم في جبلة، وأبرزهم فلول النظام السابق، لتكريس حالة الخوف. ورأى أن الحل لتحسين الأوضاع في جبلة وتجاوز الانقسام هو تشكيل خلية أزمة مشتركة بين جميع المكونات تشارك السلطات الجديدة من خلال التواصل مع الجميع في حل جميع المشاكل سواء المدنية أو الأمنية، مؤكداً أن قنوات التواصل حالياً بين المكونات الطائفية في جبلة معدومة بشكل شبه كامل، وتُرك الأمر للشائعات والمحرضين فقط.

وعلى الرغم من أن جبلة تُعرف في سورية بكثرة ضباطها في جيش النظام السابق لكنها كانت من أوائل المدن التي انضم أهلها للثورة السورية في عام 2011. وشهدت المدينة حينها تظاهرات مناهضة للأسد ونظامه، تبعتها عملية عسكرية استهدفت الأحياء الثائرة في المدينة ومنها العزي والجركس والفيض، وقُتل في هذه الحملات الأمنية وفي سجون التعذيب ما لا يقل عن 200 شخص من أبناء المدينة. كما اضطرت مئات العائلات وشبان جبلة للهجرة والهروب من بطش نظام الأسد وأجهزته الأمنية.

ويخشى الكثير من أهالي جبلة من بقاء الأوضاع على حالها واستمرار الحوادث الأمنية والتصعيد وبث الإشاعات مع توقف أعمال الكثير من المصالح التجارية والتجارة. ورأى المحامي عبد السلام مغربل، في تصريح لـ"العربي الجديد"، ضرورة اتخاذ الحكومة السورية خطوات جادة في سبيل تعزيز السلم الأهلي في المدينة وريفها، وأن يُعطى للجنة تقصي الحقائق التي شكّلها الرئيس السوري أحمد الشرع صلاحيات واسعة ويكون هناك تواصل كبير وتعاون مع الأهالي تجنباً لزيادة الانشقاق الاجتماعي في المدينة. كما شدد على ضرورة تنشيط المبادرات الاجتماعية وعمل منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية، وأن يكون هناك حل لآلاف الموظفين الذين فُصلوا وفقدوا مصدر رزقهم، وذلك كله مع استمرار العمل الأمني لفصل المطلوبين من فلول النظام عن الحاضنة الشعبية.

المساهمون