الحوار الليبي في تونس: 75 شخصية يحاولون الاتفاق على السلطة التنفيذية

الحوار الليبي في تونس: 75 شخصية يحاولون الاتفاق على السلطة التنفيذية

09 نوفمبر 2020
استبقت الحوار تظاهرات رافضة للتدخلات الخارجية (حازم تركية/الأناضول)
+ الخط -

ينطلق الحوار السياسي الليبي في تونس، اليوم الإثنين، في ظل رهانات كبيرة على دفع الحل للصراع المستمر منذ نحو 10 سنوات، مع تركيز هذه الجولة على سبل وآليات ومعايير توحيد السلطة التنفيذية، بعد توصّل اللجنة العسكرية المشتركة الليبية (5+5) خلال حواراتها السابقة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في البلاد. ويعلّق الليبيون آمالاً كبيرة على هذا الحوار الذي سيشكّل اختباراً لطرفي الصراع، حكومة الوفاق الوطني ومعسكر شرق ليبيا، وللدول الداعمة وللأمم المتحدة، وسيظهر مدى قدرة هذا المسار على الوصول إلى تفاهمات سياسية تقود إلى انتخابات عامة وتعيد الاستقرار إلى هذا البلد.

وعلى الرغم من الآمال الكبيرة بنتائج إيجابية، تبقى الشكوك قائمة في إمكان نجاح هذا الحوار، خصوصاً في ظل تساؤلات حول تمثيل الشخصيات الـ75 التي ستشارك فيه، والتزام معسكري الغرب والشرق بالمقررات التي ستصدر، وأبرزها تشكيل السلطة الجديدة، بالتوازي مع غياب الثقة بين الأطراف الدولية، والشكوك في وجود إجماع دولي على دفع التسوية الليبية.

وليامز: هناك العديد ممن يتربصون بالعملية السياسية، ويسعون إلى إفساد مساركم هذا وتعطيله

ويحتضن فندق في ضاحية قمرت القريبة من العاصمة تونس أعمال الملتقى، الذي تحيطه إجراءات صارمة على المشاركين فرضتها أزمة كورونا، ما دفع إلى تقليص عدد الصحافيين المسموح لهم بتغطية المؤتمر إلى أقصى حد ممكن، مع استغلال البعثة الأممية أيضا هذا الوضع لإبعاد أي ضغوط أو تشويش ممكن على المشاركين. ويفترض أن تمتد أعمال الملتقى على مدى ثلاثة أو أربعة أيام، بحسب تقدّم المشاركين في الملفات المطروحة عليهم. وقبيل الاجتماع، اعتبرت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ستيفاني وليامز، أن "الظروف الآن مواتية، وهناك زخم قوي عقب التقدم المحرز والآراء التوافقية التي أسفرت عنها المشاورات الأخيرة بين الليبيين، داخل البلاد وخارجها، وعقب توقيع وقف إطلاق نار شامل على مستوى البلاد". وتابعت "نحن أمام فرصة فريدة يجب عدم إضاعتها، ولذلك أدعو جميع الليبيين، لا سيما من هم في موقع المسؤولية، إلى الاستفادة من هذه الفرصة من أجل تحقيق تطلعات الشعب الليبي في العيش بسلام وأمن وازدهار واستقرار". ولم تتغافل عن التحذير من "أن هناك العديد أيضاً ممن يتربصون بالعملية السياسية، ويسعون، لغايات شخصية وضيقة، إلى إفساد مساركم هذا وتعطيله".

وتركز هذه الجولة على سبل وآليات ومعايير توحيد السلطة التنفيذية. وبعد إنجاز هذه المرحلة تتبعها خريطة طريق تهدف إلى الوصول إلى تحسين تقديم الخدمات للمواطنين والبدء بالتحضير للانتخابات المقبلة على أرضية دستورية صلبة تؤدي إلى إيجاد شرعية وهيكلية دائمة للعملية السياسية في ليبيا. وقالت البعثة الأممية في بيان لها إن "الهدف الأسمى لملتقى الحوار السياسي الليبي هو الوصول إلى الانتخابات العامة، باعتبارها السبيل الأفضل لإعادة القرار إلى الشعب الليبي، وتؤسس لمرحلة ديمقراطية في ليبيا"، مضيفة "للوصول إلى هذه الغاية، يجب التوافق على الترتيبات اللازمة التي تسمح بإجراء هذه الانتخابات في أقصر إطار زمني ممكن، ربما من ضمنها إيجاد سلطة تنفيذية موحدة تعمل على تقديم الخدمات للشعب الليبي".

وكشف مصدر ليبي قريب من المفاوضات، لـ"العربي الجديد"، أن الحوار سيبحث ملفات توحيد الحكومة والمؤسسات الليبية، مرجحاً أن ينتهي إلى الاتفاق على حكومة واحدة وعلى المواقع السيادية. وأشار إلى أن الملتقى سيناقش تغيير تركيبة المجلس الرئاسي، باختصار الأعضاء من رئيس وستة مناوبين حالياً إلى رئيس ونائبين فقط، مع استحداث موقع جديد لرئيس حكومة يكلف بالقيادة، مع تحديد صلاحيات كل من رئيس الحكومة ورئيس المجلس الرئاسي. وذكر أن جدول أعمال الملتقى يضم أيضاً التفاوض حول صيغة لإنهاء المرحلة الانتقالية تفضي إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ليبيا في غضون 18 شهراً على الأقصى، إلى جانب تحديد القاعدة الدستورية للانتخابات وتحديد الأقاليم الانتخابية.

وتقتصر المشاركة في ملتقى الحوار على الليبيين فقط الذين تمت دعوتهم وعددهم 75 شخصاً، بعد تعهدهم بعدم الترشح لأي منصب تنفيذي أو رئاسي في الفترة التحضيرية ولا إلى السلطات المؤقتة التي يمكن أن يخرج بها الملتقى. ولكن برزت انتقادات كثيرة لكيفية اختيار المشاركين، ومدى تمثيلهم للواقع على الأرض في ليبيا، وبالتالي قبول الأطراف المتنازعة بمخرجات الحوار. وأوضحت بعثة الأمم المتحدة أنها حرصت على أن تكون آلية الاختيار شاملة لضمان أوسع كافة مكونات المجتمع الليبي، وسبق أن عقدت مئات اللقاءات مع مختلف المكونات النسائية والشبابية ومع عمداء البلديات والأقليات ومنتسبي النقابات والأحزاب السياسية والأجسام القائمة داخل الأراضي الليبية وخارجها، وستوضع مخرجات كل تلك المشاورات واللقاءات بين يدي أعضاء الحوار. ولكن هذه الأجندات التي تحدثت عنها البعثة الأممية لا توضح مدى تمثيلية المشاركين للقوى على الأرض، ولا كيفية التعامل مع الرافضين الممكنين لمخرجات هذا الحوار والتوازنات الجديدة التي سينتجها، وما هي الآليات القانونية والأممية التي سيتم من خلالها فرض نتائج هذا الحوار.

وتعليقا على هذا الأمر، قال الباحث السياسي الليبي محمد عمران كشادة، لـ"العربي الجديد"، إن العديد من المؤشرات تؤكد أن ملتقى تونس قد لا يحقق نجاحات كبيرة لأسباب عدة، أهمها غياب الثقة بين الأطراف الليبية ورفض الكثير من القوى السياسية ما تقوم به البعثة الأممية، مع غياب معايير واضحة لاختيار المشاركين، ووجود بعض الأسماء التي ليس لها ثقل سياسي واجتماعي. وأوضح أن الليبيين تعلموا كثيرا خلال الأعوام العشرة من عمر الصراع، ولم تعد لديهم ثقة في المجتمع الدولي، خصوصاً أنه ليست هناك إرادة دولية لحل الأزمة الليبية، معتبراً أن ما تقوم به البعثة الأممية هو إدارة للصراع وليس حلاً، وسيعاد إنتاج اللاعبين في المشهد السياسي بما يؤدي إلى استمرار الصراع. واعتبر أن ملتقى تونس سيكون نسخة جديدة من اتفاق الصخيرات الذي وقّع في العام 2015.

وعن الصعوبات التي تحيط بهذا الحوار، قال إنها كثيرة، ومن أهمها غياب الثقة والتوافق، ووجود أجندات سياسية متضاربة. ولم يستبعد إمكان التوصل إلى بعض التفاهمات والاتفاقيات، ومنها تشكيل حكومة منفصلة عن المجلس الرئاسي، ولكن سيكون ذلك حين يتم التوافق على خارطة طريق بين الأفرقاء السياسيين.

من جهته، اعتبر المحلل السياسي التونسي المتابع للشأن الليبي، مصطفى عبد الكبير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن قائمة المدعوين للحوار تضم شخصيات غير وازنة في الساحة الليبية، وبالتالي ليست قادرة على الحل، وبعضها حوله خلاف وجدل بين الليبيين، وهو ما يدل على أن وليامز تعاملت بنوع من عدم الجدية مع اجتماع تونس، ولم تدع شخصيات وازنة بل استبعدتها بوضع شرط عدم الترشح لأي منصب. وتابع أن الأجندات غير واضحة فهل سيتم التركيز على المسار السياسي أو الدستوري، وكيف ستكون الخارطة، وهل سيتم تباحث المسألة الأمنية والاقتصادية، وكيف سيكون الحوار مكملا لحوارات بوزنيقة في المغرب، والقاهرة، وجنيف؟

الدور التونسي يقتصر على الإعداد اللوجستي والبشري لاحتضان الحوار في أحسن الظروف من دون التدخل في محتواه

وعن الدور التونسي في هذا الحوار، أوضح الملحق في الدائرة السياسية في رئاسة الجمهورية التونسية، وليد الحجام، أن تونس وفّرت كل الإمكانيات اللوجستية والبشرية للملتقى بالتنسيق التام مع الأمم المتحدة. وأضاف لـ"العربي الجديد" أن الدور التونسي يقتصر على الإعداد اللوجستي والبشري لاحتضان الحوار في أحسن الظروف من دون التدخل في محتواه. وأكد أن الرئيس قيس سعيّد، الذي سيشارك في افتتاح الملتقى، يتابع يومياً تقدّم التحضيرات للمؤتمر ويؤكد موقف تونس الثابت الداعم لحل سياسي شامل ودائم يحفظ سيادة هذا البلد ووحدته الوطنية وسلامة أراضيه، من خلال حوار ليبي ـ ليبي شامل، برعاية الأمم المتحدة، وفي معزل عن التدخلات الأجنبية.